رهان الصين على الأطفال.. هل ينجح في إنعاش الاقتصاد؟
19:00 - 21 مارس 2025
تواجه الصين تحدياً ديموغرافياً واقتصادياً مزدوجاً يتجلى في تراجع معدلات المواليد وتباطؤ نمو الاستهلاك المحلي. وفي محاولة لقلب هذه المعادلة، تتجه الحكومة الصينية نحو استراتيجية جديدة تركز على دعم الأسر وتحفيز الإنجاب عبر حزمة من الإجراءات التي تهدف إلى تخفيف الأعباء المالية عن كاهل الوالدين، وبالتالي تشجيعهم على الإنجاب وزيادة الإنفاق.
هذه الاستراتيجية لا تقتصر على تقديم الدعم المالي المباشر، بل تتعداه إلى بناء نظام شامل لرعاية الأطفال يربط بين المهد والسوق، ويسعى إلى تحويل الإنفاق على الطفولة المبكرة إلى محرك للنمو الاقتصادي. ومن خلال هذه الخطوات، تأمل الصين في إشعال شرارة الاستهلاك المحلي، الذي يعتبر حجر الزاوية في تحقيق التنمية المستدامة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل ينجح رهان الصين على الأطفال في إنعاش الاقتصاد؟ وهل ستتمكن الحوافز المالية من تحريك عجلة الاستهلاك في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة؟
ويأتي دعم رعاية الأطفال من بين خمس أولويات حددتها الصين لتعزيز الاستهلاك، وفق خطة تقدم إطار عمل تحت عنوان "تعزيز دعم الولادة وتربية الأطفال، بحث وإنشاء نظام لدعم رعاية الأطفال"، بحسب تقرير نشرته شبكة "سي إن بي سي" الأميركية واطلعت عليه سكاي نيوز عربية.
وقال لي تشونلين، نائب مدير المخطط الاقتصادي، اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح: "إن اللجنة الوطنية للصحة تقوم بصياغة خطة تشغيلية لدعم رعاية الأطفال". في حين قال جيانغوانغ شين، كبير الاقتصاديين في شركة التجارة الإلكترونية الصينية (جيه دي دوت كوم): "قد يتم هذا العام تطبيق سياسة وطنية بقيمة 100 مليار يوان (13.84 مليار دولار) لدعم رعاية الأطفال".
وأضاف شين أن هذا يستند إلى تقديراته لحوالي 9 ملايين ولادة هذا العام، وتوزيع مساعدات شهرية بقيمة حوالي 800 يوان على الآباء، بغض النظر عن دخلهم. وأشار إلى أن نصف المبلغ قد يأتي على شكل قسائم لشراء منتجات الأطفال لمنع الأسر من ادخار المال.
وسجلت الصين 9.54 مليون ولادة العام الماضي، بزيادة قدرها 520 ألف ولادة عن العام السابق، حيث اعتبر العديد من السكان المحليين عام 2024 عاماً ميموناً للمواليد استناداً إلى عام التنين في الأبراج الصينية. ومع ذلك، أظهرت بيانات البنك الدولي أن معدل الخصوبة، المُعرّف بعدد المواليد لكل امرأة، بلغ 1.2 في الصين عام 2022، بانخفاض عن 1.8 في عام 2012.
وذكر شين أن الحل يكمن في زيادة الموارد المالية، مشيراً إلى أنه في ظل تخصيص 300 مليار يوان لدعم التجارة، فإن 100 مليار يوان لرعاية الأطفال ليس مبلغاً كبيراً، ويتوقع نمواً في مبيعات التجزئة هذا العام يتراوح بين 3.5 بالمئة و4.5 بالمئة.
ونمت مبيعات التجزئة في الصين بنسبة متواضعة بلغت 3.5 بالمئة بالمئة العام الماضي. وشهدت الفترة من يناير إلى فبراير، التي تغطي عطلة رأس السنة القمرية الجديدة السنوية، ارتفاعاً طفيفاً بلغ 4 بالمئة على أساس سنوي، وفقاً لبيانات مكتب الإحصاء.
وأوضح تقرير الشبكة الأميركية أن جهود الصين لتعزيز الاستهلاك تشمل أيضاً دعوات لزيادة الحد الأدنى للأجور، واستقرار سوق الأسهم، وتعزيز دخل المزارعين، وحل مشكلة تأخر سداد مستحقات الشركات.
وقال محللو "غولدمان ساكس" في تقرير بداية الأسبوع "إن اتجاه إجراءات تعزيز الاستهلاك الصينية صحيح، ولكن التمويل والتنفيذ على حد سواء مهمان لفعالية التحفيز الاستهلاكي في الصين، كما أن الإعلان عن دعم رعاية الأطفال على مستوى البلاد واجتماع المكتب السياسي في أبريل هما مفتاح المتابعة في الأشهر المقبلة"، مشيرين إلى اجتماع سياسي رفيع المستوى يعقد عادة في أواخر أبريل.
إعادة تشكيل مستقبل الصين الديموغرافي والاقتصادي
في حديث خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قال الخبير الاقتصادي علي حمودي: "في ظل المشهد الاقتصادي المتنامي للصين، لم يكن من المستغرب ظهور مبادرة جديدة من شأنها إعادة تشكيل مستقبل البلاد الديموغرافي والاقتصادي، فقد قدمت الحكومة إعانات سخية لرعاية الأطفال، بهدف زيادة معدلات المواليد وتحفيز الاستهلاك. ولا تقتصر هذه الخطوة على تقديم الإغاثة المالية للأسر فحسب، بل هي استجابة استراتيجية للتحديات الديموغرافية العميقة التي تواجهها الصين، بما في ذلك تناقص عدد المواليد الجدد وتسارع شيخوخة السكان".
ويرى أن الآثار الأوسع لهذه الإعانات عميقة، إذ من خلال تخفيف الضغوط المالية، يمكن لهذه السياسات تشجيع المزيد من الأزواج على إنجاب الأطفال، مما يخفف من آثار شيخوخة السكان. ويمكن للسكان الأصغر سناً أن يساهموا في الاقتصاد من خلال زيادة مشاركة القوى العاملة والإنتاجية، مما يساعد على استدامة النمو الاقتصادي وتخفيف العبء على نظام التقاعد وخدمات الرعاية الصحية.
ومع ذلك، فإن فعالية هذه الإعانات تعتمد على عدة عوامل، حيث يُعدّ العبء المالي لمثل هذا البرنامج واسع النطاق مصدر قلق، إذ يتطلب تمويلاً مستمراً. وإن استدامة البرنامج أمرٌ بالغ الأهمية، وهناك دعوةٌ لإنشاء آلية طويلة الأمد من خلال تعزيز التمويل المشترك من الحكومات المركزية والمحلية، وبدون آلية تمويلٍ مستقرة، قد تتراجع فعالية البرنامج مع مرور الوقت، بحسب تعبيره.
وأضاف حمودي: "علاوة على ذلك، فإن تكاليف الفرصة البديلة للأمهات العاملات، اللاتي قد يضطررن إلى التخلي عن التقدم الوظيفي أو الوظائف ذات الأجور الأعلى لرعاية أطفالهن، قد تُعوّض بعض فوائد البرنامج. يبقى أن نرى ما إذا كان سيُجدي نفعاً في تعزيز معدل الخصوبة على المدى الطويل، ناهيك عن أن التكلفة الإجمالية لتربية طفل في الصين تبلغ، وفقاً للتقارير، حوالي 538 ألف يوان (75 ألف دولار) ناهيك عن تكلفة الفرصة البديلة للأمهات العاملات".
دعم رعاية الأطفال خطوة جريئة لمعالجة ضعف الاستهلاك
وأكد الخبير الاقتصادي حمودي أن برنامج دعم رعاية الأطفال في الصين يعد خطوة جريئة لمعالجة ضعف الاستهلاك والتحديات الديموغرافية في الصين. وبينما يمتلك البرنامج القدرة على تحقيق فوائد اقتصادية كبيرة على المدى الطويل، بما في ذلك زيادة مشاركة القوى العاملة، وتحسين إنتاجية العمل، والتحفيز الاقتصادي، فإنه يواجه أيضاً تحديات مثل العبء المالي، والاستدامة، وتكاليف الفرصة البديلة.
وأشار إلى أن التأثير على الناتج المحلي الإجمالي وديناميكيات سوق العمل سيعتمد على مدى فعالية معالجة هذه التحديات. وأنه مع استمرار الصين في التعامل مع هذه القضايا المعقدة، سيكون نجاح برنامج دعم رعاية الأطفال عاملاً حاسماً في تشكيل مستقبلها الاقتصادي والديموغرافي.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي حسين القمزي في حديث خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "تواجه الصين تحديات كبيرة بسبب انخفاض معدلات المواليد، وهو أمر مرتبط بتأثير سياسة الطفل الواحد السابقة وارتفاع تكاليف الحياة في المدن الصينية مثل التعليم والرعاية الصحية والإسكان. كما أن نقص دعم الأمهات العاملات والبنية التحتية غير الكافية لرعاية الأطفال قد ساهم في تراجع رغبة الأسر في إنجاب المزيد من الأطفال. في استجابة لذلك، أطلقت الحكومة الصينية سياسات تهدف إلى زيادة عدد المواليد من خلال حوافز مالية ودعماً لرعاية الأطفال.
صعوبة الموازنة بين العمل والأسرة يعوق تحفيز الأزواج على الإنجاب
وأضاف القمزي: "على الرغم من هذه الجهود، تشهد الصين تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة. فحتى مع الحوافز المالية، تظل تكاليف المعيشة العالية ومعدلات البطالة المرتفعة عوامل رادعة. كما أن الشركات الصينية لا تزال تجد صعوبة في توفير بيئة ملائمة للموازنة بين العمل والأسرة، مما يعوق تحفيز الأزواج على الإنجاب. وتظهر تجارب دول مثل كوريا الجنوبية واليابان أن الحوافز المالية وحدها قد لا تكون كافية لزيادة معدلات المواليد في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة".
لكن الصين تأمل أن تؤتي هذه السياسات ثمارها في تحفيز الاستثمار المحلي ودعم النمو الاقتصادي على المدى البعيد. فزيادة عدد الأطفال يعنى زيادة الطلب على منتجات وخدمات الأطفال، ما يمكن أن ينشط الاقتصاد. وزيادة عدد المواليد تعني على المدى القريب ارتفاع الطلب على منتجات الأطفال والخدمات الأسرية – مثل الحفاضات والحليب ومقاعد السيارات والمدارس الخاصة – مما يغذي قطاعات اقتصادية متنوعة، وقد عبّر مسؤولو مدينة هوهوت عن أملهم في أن تسهم ولادات أكثر في انتعاش صناعات مثل منتجات الأمومة والطفولة والتعليم. بحسب القمزي.
ويرى الخبير الاقتصادي القمزي أن ارتفاع المواليد يمثل على المدى البعيد استثماراً في القوة العاملة المستقبلية، بما يساعد في تخفيف آثار شيخوخة السكان التي تلوح في الأفق وتهدد بارتفاع تكاليف الرعاية الاجتماعية على الاقتصاد، وأكد أن فير الدعم للأسرة هو السبيل الوحيد أمام الحكومة الصينية لتحقيق أهدافها الديموغرافية والاقتصادية وبدون ذلك سيكون مستقبل الصين قاتماً.