صناعة الألعاب الأميركية في مأزق.. هل يدفع الأطفال الثمن؟
15:27 - 20 مارس 2025
عندما تشتعل الحروب التجارية بين الدول، غالباً ما يكون الاقتصاد المتضرر الأبرز مما يحصل، ولكن يبدو أن انعكاسات التوتر التجاري بين الحاصل الولايات المتحدة والصين، لن تقتصر فقط على الأسواق والشركات، بل أن شظاياها ستمتد لتصيب عالم الأطفال.
وبحسب تقرير نشرته "بلومبرغ" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فإن الحرب التجارية التي يشنها الرئيس دونالد ترامب على الصين، والمتمثلة بفرض رسوم جمركية على البضائع الصينية، قد تُسفر عن عواقب غير مقصودة على سوق الألعاب التقليدية، بطريقة تؤثر سلباً على سلامة الأطفال الأميركيين، لناحية زيادة مخاطر الاختناق، والتعرّض للتلوث بطلاء الرصاص، إضافة إلى مخاطر صحية أخرى.
ويشرح تقرير "بلومبرغ" أن مبيعات سوق الألعاب التقليدية في أميركا، التي تبلغ قيمتها 42 مليار دولار سنوياً، تعتمد بشكل كبير على الصين في التصنيع، حيث أنه وحال في قررت الشركات الأميركية البحث عن منصعين للألعاب، بعيداً عن الصين للهروب من الرسوم الجمركية، فإن ذلك قد يخلق مخاوف بشأن جودة المنتجات وتأثيرها على سلامة الأطفال.
لماذا تظل الصين الخيار الأفضل؟
ويقول مسؤولون تنفيذيون في صناعة الألعاب الأميركية، إن المصانع الصينية بارعة جداً في تلبية معايير السلامة الأميركية، حيث تخشى شركات الألعاب الأميركية أن يؤدي الإسراع في استيراد الألعاب من مصانع، في إندونيسيا وفيتنام ودول أخرى غير خاضعة لرسوم ترامب، إلى المخاطرة بسلامة المنتجات.
فبحسب جاي فورمان، الرئيس التنفيذي لشركة Basic Fun الأميركية لألعاب الأطفال، تعد عملية صنع الألعاب مهمة معقدة للغاية، لا سيما عندما يتعلق الأمر ببروتوكولات السلامة التي يتعين اتباعها، مشيراً إلى أن أي تغيير في سلسلة توريد الألعاب إلى أميركا، قد يقلب الأمور رأساً على عقب، لناحية المخاطرة بألعاب غير آمنة.
ويكشف فورمان أن احتمالات عودة صناعة الألعاب الأميركية، التي توقفت عن العمل قبل أربعة عقود، هي احتمالات ضئيلة، في حين أن ما يزيد الأمر تعقيداً، هو أن أسعار الألعاب في فيتنام أعلى بنسبة 20 في المئة من أسعار موردي الألعاب في الصين، وهو ما لن يُعوّض رسوم ترامب الجمركية الجديدة على الصين البالغة 20 في المئة.
وحاولت الشركات الأميركية حثّ الرئيس ترامب على تخفيف الرسوم الجمركية، خلال فعاليات معرض الألعاب الذي انعقد الشهر الماضي في نيويورك، ولكن ليس من الواضح ما الذي قد يُقنع الرئيس الأميركي بالتراجع عن خطته، إذ وصف الرسوم الجمركية بأنها "أجمل كلمة في القاموس".
وقد نشر سول وولهندلر، الرئيس التنفيذي لشركة فلايبار للألعاب، رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأميركي على لينكدإن قبل أسبوع، يناشده فيها بإعادة النظر بالرسوم الجمركية، مشيراً إلى أن التعرفات الجمركية قد تنتج عنها عواقب غير مقصودة، تضر في نهاية المطاف بالمستهلك الأميركي.
طلاء سام وأجزاء خطرة
ويقول مدير تسويق الألعاب معين الدسوقي في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه عندما يتم تصنيع الألعاب التقليدية دون الالتزام بمعايير السلامة، فإن المخاطر الصحية التي قد تنجم عن ذلك يمكن أن تكون خطيرة للغاية، وواحدة من أخطر المشكلات التي قد تحدث هي خطر الاختناق بسبب وجود أجزاء صغيرة يمكن أن تنفصل بسهولة، وتعلق في مجرى التنفس لدى الأطفال الصغار، بالإضافة إلى ذلك هناك مخاطر التسمم، والتي قد تنتج عن استخدام مواد تحتوي على الرصاص في الطلاء، أو مواد كيميائية سامة مثل الفثالات، والتي تُستخدم في صناعة البلاستيك لمنحه مرونة، لكنها قد تؤثر على النمو الهرموني لدى الأطفال، مشيراً أيضاً إلى وجود مخاطر متعلقة بجودة التصنيع، حيث يمكن أن تكون الألعاب ضعيفة الهيكل، مما يجعلها عرضة للكسر وإصابة الأطفال بجروح أو خدوش، ولذلك فإن الالتزام بمعايير التصنيع الصارمة التي تطلبها أميركا ليس رفاهية، بل ضرورة أساسية لحماية صحة وسلامة الأطفال.
بروتوكولات السلامة الأميركية
ويشرح الدسوقي أنه في الولايات المتحدة، هناك مجموعة صارمة من بروتوكولات السلامة، التي يجب أن تلتزم بها الشركات المصنعة للألعاب، للتأكيد على ضمان منتجات آمنة تماماً قبل وصولها إلى أيدي الأطفال، فعلى سبيل المثال، جميع الألعاب التقليدية يجب أن تمتثل لمعايير اللجنة الأميركية لسلامة المنتجات الاستهلاكية (CPSC)، والتي تفرض اختبارات صارمة على المواد المستخدمة في التصنيع، مثل حظر الطلاء المحتوي على الرصاص، وفرض قيود صارمة على استخدام المواد الكيميائية الضارة مثل الفثالات والبيسفينول، لافتاً أيضاً إلى وجود متطلبات خاصة تتعلق بقوة ومتانة الألعاب، لضمان أنها لن تتكسر بسهولة وتصبح خطراً على الأطفال، إضافة إلى المعايير الصارمة المتعلقة باختبارات الاختناق، حيث يجب أن تخضع الألعاب الصغيرة لاختبارات، تضمن أنها لا يمكن أن تعلق في مجرى التنفس لدى الأطفال دون سن الثالثة.
أميركا تعتمد على الألعاب الصينية
ويكشف الدسوقي أن صناعة الألعاب الأميركية تعتمد بشكل كبير على الصين، حيث تُظهر البيانات أنه يتم تصنيع ما يقارب 85 في المئة من الألعاب المباعة في الولايات المتحدة داخل المصانع الصينية، وهذا الاعتماد ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة عقود من التطوير والتخصص، حيث أصبحت الصين مركزاً عالمياً لصناعة الألعاب بفضل البنية التحتية المتقدمة، والقدرة الإنتاجية الهائلة، وانخفاض التكاليف مقارنة بالدول الأخرى، مشدداً على أن الحديث عن استبدال الموردين الصينيين بآخرين، أمر معقد للغاية، فالبدائل مثل فيتنام أو إندونيسيا قد تبدو خيارات محتملة، لكن هناك عدة تحديات تجعل الانتقال إليها صعباً.
لماذا يصعب استبدال الصين؟
ويشرح الدسوقي أن سلاسل التوريد في الصين متكاملة بشكل مذهل، فالشركات المصنعة للألعاب لا تعتمد فقط على مصنع واحد، بل على شبكة واسعة من الموردين للمواد الخام، والتجميع، والتعبئة، في حين تُعد التكلفة عاملاً حاسماً، فحتى مع فرض تعريفات جمركية على الواردات الصينية، لا تزال تكلفة الإنتاج في الصين أقل أو موازية للتكلفة في الدول البديلة، حيث أن الأسعار في فيتنام مثلاً أعلى بنسبة 20 في المئة، ما يجعل التعويض عن الرسوم الجمركية الجديدة أمراً غير مضمون، لافتاً أيضاً إلى أن المصانع الصينية أصبحت بارعة في الالتزام بالقوانين الأميركية الصارمة، بينما المصانع في الدول الأخرى قد تحتاج لسنوات لتصل إلى نفس المستوى من الكفاءة، وبناءً على ذلك يمكن القول إن الصين ليست مجرد مورد للألعاب، بل هي العمود الفقري لصناعة الألعاب الأميركية، واستبدالها يتطلب استثمارات ضخمة، وتعديلات جذرية في سلاسل التوريد، وهو ما قد يستغرق سنوات قبل أن يصبح واقعاً.
ما الحلول المتوفرة؟
من جهتها تقول خبيرة التسويق ساندرا ملحم في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن صناعة الألعاب الأميركية تواجه تحدياً معقداً، فهي مضطرة للتكيف مع ارتفاع التكاليف بسبب الرسوم الجمركية، لكنها في الوقت نفسه لا تستطيع التضحية بمعايير السلامة، معتبرةً أن هناك عدة استراتيجيات، يمكن أن تتبعها الشركات للتكيف مع هذه التغيرات، فأولاً يمكنها تنويع مصادر التصنيع تدريجياً بدلاً من التحول الفوري إلى موردين جدد، بحيث يتم اختبار قدرات المصانع في دول أخرى مثل فيتنام والهند قبل الاعتماد الكامل عليها، ثانياً يمكن للشركات الأميركية أن تستثمر في تحسين الرقابة والجودة في تلك الدول، وذلك عبر إرسال فرق متخصصة للإشراف على المصانع الجديدة وضمان تطبيق معايير السلامة الأميركية بشكل صارم، وأخيراً قد يكون هناك خيار إعادة بعض الإنتاج إلى الولايات المتحدة، ولكن هذا الخيار يتطلب دعماً حكومياً لتوفير حوافز اقتصادية، نظراً إلى أن التكاليف في أميركا أعلى بكثير من الدول الآسيوية.
إعادة التصنيع إلى أميركا!
وترى ملحم أن الحل أمام صناعة الألعاب في أميركا، ليس عبر الهروب السريع من الصين، بل في إدارة المخاطر بحذر، وتنويع المصادر والاستثمار في الجودة، لضمان أن الألعاب التي تصل إلى أيدي الأطفال تبقى آمنة، بغض النظر عن مكان تصنيعها، مشددةً على أن إعادة عملية تصنيع الألعاب إلى الولايات المتحدة بشكل كامل، أقرب إلى التحدي غير الواقعي، لأن عملية تصنيع الألعاب في أميركا توقفت تقريباً منذ أربعة عقود، والشركات الأميركية كلّفت المصانع الصينية بهذه المهمة، نظراً للتكاليف المنخفضة، في حين أنه لو حاولت الشركات الأميركية إعادة الإنتاج إلى أميركا، فإنها ستواجه ثلاثة عوائق رئيسية هي، التكلفة المرتفعة، غياب البنية التحتية المناسبة، ونقص الخبرة في الإنتاج الضخم.