بعد "رسالة الفيدرالي".. ما الذي ينتظر الاقتصاد الأميركي؟
09:15 - 21 مارس 2025تتوالى رسائل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، فتفتح باب التأويلات حول مصير الاقتصاد الأميركي وسط تحديات متشابكة.
خفض توقعات النمو، ورفع تقديرات التضخم، وإشارات متزايدة إلى حالة عدم اليقين، كلها عناصر ترسم مشهداً اقتصادياً مضطرباً، حيث تتشابك سياسات الفائدة مع تداعيات الرسوم الجمركية من جانب الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وبينما يترقب المستثمرون والمراقبون خطوات الاحتياطي الفيدرالي المقبلة، يبقى السؤال الأهم: هل يواجه الاقتصاد الأميركي خطر الركود التضخمي، أم أن الهبوط الناعم لا يزال ممكناً؟
- خفضت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، المسؤولة عن تحديد أسعار الفائدة، توقعاتها الجماعية للنمو الاقتصادي إلى 1.7 بالمئة، بانخفاض عن آخر توقعاتها البالغة 2.1 بالمئة في ديسمبر.
- في غضون ذلك، رفع المسؤولون توقعاتهم للتضخم، متوقعين نمو الأسعار الأساسية بمعدل سنوي قدره 2.8 بالمئة، ارتفاعاً من التقدير السابق البالغ 2.5 بالمئة.
- تشير هذه الخطوات -بحسب تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية، إلى أن البنك المركزي يرى خطر سيناريو الركود التضخمي، حيث يرتفع التضخم مع تباطؤ النمو الاقتصادي.
- في بيان لها، أشارت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة إلى أن "عدم اليقين بشأن التوقعات الاقتصادية قد زاد"، مضيفة أن بنك الاحتياطي الفيدرالي "منتبه للمخاطر التي تهدد جانبي تفويضه المزدوج".
وقد زادت المخاوف بشأن تباطؤ الاقتصاد وتسارع التضخم بشكل كبير حيث من المتوقع أن تؤدي الرسوم الجمركية العدوانية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب على شركاء تجاريين رئيسيين للولايات المتحدة إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات وتقليص إنفاق المستهلكين.
وقال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، في مؤتمر صحافي: "بدأ التضخم بالارتفاع.. نعتقد بأن ذلك يعود جزئياً إلى الرسوم الجمركية، وقد يكون هناك تأخير في إحراز المزيد من التقدم خلال هذا العام".
وأضاف: "بشكل عام، الوضع مستقر. تُظهر بيانات المسح، سواءً للأسر أو الشركات، ارتفاعًا كبيرًا في حالة عدم اليقين ومخاوف كبيرة بشأن مخاطر التراجع".
وفي الوقت الحالي، لا يزال بنك الاحتياطي الفيدرالي يتوقع إجراء خفضين لأسعار الفائدة خلال ما تبقى من عام 2025، وفقًا للتوقعات المتوسطة، حتى مع رفع توقعات التضخم.
ويشار إلى أن 19 عضواً في اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، من المصوتين وغير المصوتين، يتوقعون أن يبلغ سعر الفائدة المرجعي على الأموال الفيدرالية 3.9 بالمئة بنهاية هذا العام، وهو ما يعادل نطاقاً مستهدفًا يتراوح بين 3.75 و4 بالمئة. وأبقى البنك المركزي سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير في نطاق يتراوح بين 4.25% و4.5% يوم الأربعاء.
ومع ذلك، أصبح رأيهم أكثر تشددا في توقعاتهم بشأن أسعار الفائدة، حيث توقع أربعة أعضاء عدم حدوث أي تغييرات في أسعار الفائدة في عام 2025. وفي اجتماع يناير، توقع مسؤول واحد فقط عدم حدوث أي تغييرات في أسعار الفائدة هذا العام.
غموض وترقب
يقول خبير الشؤون السياسية والاقتصادية، حميد الكفائي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"إن:
- المشهد الاقتصادي الأميركي يشوبه القلق والغموض؛ نتيجة التخبط في السياسات الاقتصادية التي تنتهجها إدارة الرئيس دونالد ترامب، والتي تحركها دوافع أيديولوجية يمينية أكثر من كونها قرارات اقتصادية مدروسة.
- سياسة التعريفات الجمركية التي تنتهجها الإدارة الأميركية ستؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم، دون أن تحقق الفوائد المرجوة منها، لا سيما فيما يتعلق بتشجيع الإنتاج المحلي؛ لأن عودة الشركات إلى الولايات المتحدة تتطلب وقتًا طويلاً، ولا يمكن تحقيقها خلال فترة قصيرة.
- الكثير من الواردات الأميركية تنتجها شركات أميركية في الخارج بسبب انخفاض تكاليف الإنتاج في الدول الأخرى، ما يجعل تأثير التعريفات الجمركية غير مضمون.
- استمرار سياسات ترامب الاقتصادية ليس مؤكداً؛ سواء خلال فترته الرئاسية أو بعد مغادرته المنصب.
لكن الكفائي يستبعد حدوث ركود تضخمي في الوقت الراهن، مشيراً إلى أن أسعار الفائدة تتجه نحو الخفض بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي المتوقع نتيجة ارتفاع التعريفات الجمركية. كما يؤكد أن سوق العمل لا تزال منتعشة، والبطالة منخفضة عند معدل يزيد قليلًا عن 4 بالمئة، إلا أن معدل التضخم في تصاعد، ما قد يدفع نحو خفض أسعار الفائدة لتحفيز النمو الاقتصادي.
وبينما كانت رسائل الفيدرالي بعد اجتماعه الأخير قد أثارت مخاوف الركود التضخمي، يشير الكفائي إلى أن الركود التضخمي – الذي يحدث عند ارتفاع معدلات التضخم والبطالة وأسعار الفائدة معاً – غير مرجح حالياً؛ نظراً لانخفاض أسعار الفائدة واستمرار قوة سوق العمل، رغم تصاعد التضخم وتراجع النمو الاقتصادي.
هل الهبوط الناعم في خطر؟
في سياق متصل، يشير تقرير لـ "نيويورك تايمز" إلى أن:
- ضغوط الأسعار تراجعت بشكل ملحوظ منذ أن بلغت ذروتها في عام 2022، لكن التضخم الإجمالي لم يعد بعد إلى هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 بالمئة.
- كان التقدم نحو هذا الهدف متعثرًا للغاية في الأشهر الأخيرة، ومع التزام ترامب الظاهر بنظام تعريفات جمركية صارم، يتزايد القلق من أن هذا التقدم قد ينحرف عن مساره.
- يتفق الاقتصاديون وصانعو السياسات عموماً على أن الرسوم الجمركية تؤدي إلى ارتفاع أسعار المستهلك، ولكن ليس من الواضح تماماً ما إذا كانت هذه الزيادات ستؤدي إلى ارتفاع مُستمر في التضخم.
- يعتمد الكثير على مدى اتساع نطاق الرسوم الجمركية، ومدة بقائها، وفي نهاية المطاف على استجابة الشركات والمستهلكين لها.
وبقدر ما يشعر خبراء الاقتصاد وصناع السياسات بالقلق إزاء ارتفاع معدلات التضخم، فإنهم يشعرون بالقلق أيضا إزاء النمو، على الرغم من أن سوق العمل كانت أكثر مرونة بكثير من المتوقع على الرغم من ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة.
في ديسمبر، توقع مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي نمو الاقتصاد بنسبة 2.1% هذا العام (قبل خفضها في الاجتماع الأخير لـ 1.7 بالمئة)، وهي وتيرة أكثر اعتدالًا من عام 2024، لكنها لا تزال قوية.
ولقد تدهورت بالفعل مشاعر الأميركيين تجاه الاقتصاد بشكل ملحوظ، نتيجةً للمخاوف من أن يؤدي عدم اليقين المحيط بسياسة ترامب التجارية إلى توقف الشركات عن الاستثمار والتوظيف. ومع ذلك، لا يتوقع معظم الاقتصاديين حدوث ركود، نظرًا لقوة الاقتصاد، وفق التقرير.
رسائل الفيدرالي
من جانبه، يتحدث رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، جو يرق، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، عن نتائج اجتماع الفيدرالي الأميركي، مشيراً إلى أنه تم خفض توقعات النمو الاقتصادي من 2.1 إلى 1.7 بالمئة، مع استمرار التوقعات بارتفاع معدلات التضخم. ومع ذلك، يشكك يرق في احتمالية حدوث ركود تضخمي، موضحاً أن انخفاض النمو وارتفاع التضخم لا يعنيان بالضرورة الدخول في ركود حاد.
ويوضح أن هناك بعض المخاوف الاقتصادية، إلا أن احتمالية دخول الاقتصاد الأميركي في ركود لا تتجاوز 30-35 بالمئة، مما يعني أن الاقتصاد الأميركي لا يزال قادراً على تجاوز هذه المرحلة.
كما يشير إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد يرفض فرض الحزمة الأخيرة من الرسوم الجمركية المقررة في بداية أبريل، مما يخلق حالة من الضبابية في الأسواق.
ويؤكد رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets في الوقت نفسه على أن اجتماع الفيدرالي الأميركي أظهر توجهاً نحو تخفيضين إضافيين لأسعار الفائدة، وهو ما قد يشكل دعماً إضافياً للاقتصاد الأميركي في حال تم تنفيذه.
وبالنسبة للبيانات الاقتصادية، يشير يرق إلى أن مؤشرات مثل ثقة المستهلكين، مبيعات التجزئة، وغيرها، تُظهر بعض التراجع، مما يعكس مخاوف المستثمرين على المدى القصير من سياسات الرئيس ترامب. لكنه يشدد على أن المدى الطويل قد يشهد تعافياً ونمواً جديداً للاقتصاد الأميركي، نظراً لأن ترامب يُعرف بدعمه للأسواق وسعيه إلى تعزيز النمو الاقتصادي.
ويختتم يرق حديثه بقوله إن الإجراءات المتخذة حالياً قد تكون صعبة، لكنها تهدف في النهاية إلى إعادة تحفيز الاقتصاد الأميركي في المستقبل.