"لوزيعة".. هكذا يحافظ الجزائريون على التكافل قبل رمضان
23:46 - 12 أبريل 2021تقليد اجتماعي قادم من أعماق التاريخ ما زال يحافظ عليه الجزائريون إلى اليوم ويأبى الإندثار قبل شهر رمضان، "لوزيعة" أو "ثيمشرط" باللغة الأمازيغية وهي عادة قديمة دأب عليها المجتمع الجزائري لما تُجسده من قيم التكافل والتعاضد والتعاون الاجتماعي التي ميزت الجزائريين عبر العصور.
و"لوزيعة" أو "ثاوزاعث" باللغة الأمازيغية من العادات والتقاليد التي توارثتها عديد المناطق خاصة منطقة القبائل في الجزائر (تقع شمال شرق البلاد)، وما زالت تحافظ عليها عند المناسبات الدينية على غرار قدوم شهر رمضان الكريم أو مناسبة عاشوراء.
وتتجسد هذه العادة من خلال قيام سكان القرى بالاشتراك لشراء مجموعة من العجول أو الثيران، ليتم نحرهم يوم الجمعة بعد الصلاة، فيما توزع اللحوم على العائلات القاطنة بالقرية بالقسط والتساوي بين الجميع.
شراء العجول
تُحيي الكثير من الجمعيات قبل شهر رمضان هذه العادة الاجتماعية الضاربة في جذور التاريخ الجزائري، من بينها جمعية "ثافسوت" (تعني فصل الربيع باللغة الأمازيغية) الناشطة بقرية تاوريرت الأربعاء ببلدية وادي غير في محافظة بجاية.
كيف نحول أفكارنا الإيجابية إلى حقيقة؟
ويقول رئيس الجمعية عبد القادر غانم في اتصال مع "موقع سكاي نيوز عربية" أنهم "بمناسبة قدوم شهر رمضان الكريم قاموا بالتعاون مع الجمعية الدينية لمسجد القرية على إحياء عادة لوزيعة".
ويروي رئيس جمعية "ثافسوت" التي تكفلت بتنظيم هذه العادة الاجتماعية في الدشرة (لفظ جزائري يعني القرية أو القبيلة) قبل يومين، قائلا: "قدّم لنا مسؤول القرية المال المخصص لشراء العجول، فذهبنا إلى محافظة سطيف القريبة وأتينا بخمسة منهم لإحياء عادة لوزيعة التي تركها لنا الأجداد".
وتابع في السياق ذاته: "ولما عدنا نظمنا اجتماعا في ثاجماعت (مجلس إدارة تقليدي في القرى الأمازيغية الجزائرية) ووضعنا قائمة تحمل أسماء كل سكان القرية ممن تفوق أعمارهم 18 عاما من أجل مناداتهم فيما بعد عند توزيع حصص اللحم".
وتشارك جميع العائلات بالقرية في "لوزيعة" عبر دفع مُمثلها قسطا معتبرا من المال، من أجل شراء مجموعة من العجول، ويتم كتابة أسماء كل المشاركين في قائمة بما فيهم الفقراء اللذين لم يدفعوا، ولكن في النهاية يتم تقسيم اللحم على الجميع، من دون أن يعرف أحد من شارك أو لم يشارك.
النحر وتوزيع اللحم
وبعد صلاة الجمعة يأتي دور إمام القرية الذي يذكر الناس بضرورة الالتقاء أمام المسجد، فيلبي السكان ويأتون للموعد للتعاون على نحر وسلخ العجول المخصصة لـ"لوزيعة".
ويوضح رئيس جمعية "ثافسوت" عبد القادر غانم، أن "الجمعة هو يوم النحر، أما تقطيع اللحم فيترك ليوم الغد السبت"، وهذا التوقيت محافظ عليه منذ القديم.
وبعد تقسيم لحم العجول تقوم الجمعية ذاتها صاحبة المبادرة، بوضع حصص متساوية منها على الأرض، قبل أن يتم المناداة على جميع من سجلت أسماءهم من قبل في القائمة لأخذ حصصهم من اللحم بالتساوي، وفي حالة بقاء بعض الحصص فيتم توزيعها على القرية القريبة.
وحول تنظيم "لوزيعة" هذه السنة التي تتميز باستمرار وباء كورونا، يقول رئيس الجمعية عبد القادر غانم أنه "تم الحفاظ على الإجراءات الوقائية المتعلقة بالحماية من فيروس كوفيد-19 عن طريق خفض أعداد المشاركين من 720 خلال الأعوام السابقة إلى 385 شخصا من سكان القرية من دون الضيوف، وكذلك خفض عدد العجول إلى خمسة مقارنة بما كان عليه الأمر في السابق حيث كان يتم نحر حوالي 12 عجلا".
عادة من أعماق التاريخ
وتعتبر "لوزيعة" قيمة ثابتة من قيم التضامن التي وفدت إلى الجزائريين من أعماق تاريخهم، وهي عبارة عن تقليد مرتبط بالمجتمع الجزائري القديم المتعلق بالأرض والتقويمات الفلاحية إلى غاية قدوم الإسلام إلى شمال إفريقيا وتحولها فيما بعد إلى عادة اجتماعية مرتبطة بالمناسبات الدينية.
ويشير الكاتب والباحث في التاريخ بجامعة الجزائر، محمد أرزقي فراد في تصريح لـ"موقع سكاي نيوز عربية" أن لوزيعة "عادة موجودة في المجتمع الجزائري قبل ظهور الدول بمفهومها السياسي، كما أنها ارتبطت قبل قدوم الإسلام بالأعياد الفلاحية ومواسم البذر والحرث وجني الثمار وهذا ما يؤكد علاقتها بالقرية والمنطقة".
وهي تمثل حسب الدكتور أرزقي فراد "قيمة من قيم التعاون الاجتماعي مثل (التويزة) أو التطوع وهي كذلك مظهر من مظاهر الهوية الجزائرية المتنوعة والضاربة في أعماق التاريخ".
ويبرز الباحث في التاريخ أرزقي فراد أن "القرية في المجتمع الجزائري الأمازيغي القديم تمثل الخلية الأساسية للمجتمع كما أن نسبة الفقر في الماضي كانت عالية، ولذلك فإن لوزيعة جاءت لإحياء مظاهر التعاضد والتكافل الاجتماعي بين الجزائريين".