المعادن الاستراتيجية.. سلاح بكين في الحرب التجارية مع واشنطن
10:00 - 22 مارس 2025
وسط تصاعد المنافسة الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، تتجه بكين لتعزيز استراتيجيتها في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الموارد المعدنية.
تكثيف الدعم الحكومي لاستكشاف المعادن محلياً يعكس سعيها لحماية سلاسل التوريد وتعزيز النفوذ في الصناعات المتقدمة، مثل أشباه الموصلات والطاقة النظيفة.
في المقابل، تسعى واشنطن للحد من الهيمنة الصينية عبر استثمارات بديلة وتحالفات استراتيجية، ما يجعل السيطرة على المعادن الاستراتيجية نقطة اشتعال جديدة في المشهد الجيوسياسي العالمي.
- مع تزايد جهود صناع السياسات لتحقيق طموح الرئيس شي جين بينغ في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الموارد وسط تصاعد المنافسة مع الولايات المتحدة، تعمل الصين على تعزيز الدعم الحكومي لاستكشاف المعادن محلياً.
- على مدى العام الماضي، أعلنت ما لا يقل عن نصف حكومات المقاطعات الـ 34 في الصين ، بما في ذلك حكومات المناطق الأكثر إنتاجا للموارد مثل شينغيانغ، عن زيادة الدعم أو توسيع الوصول إلى استكشاف المعادن، وفقا لتحليل صحيفة فاينانشال تايمز للإعلانات الرسمية.
- تأتي هذه الزيادة في التمويل في الوقت الذي برزت فيه السيطرة على المعادن الاستراتيجية في العالم كنقطة اشتعال بين الولايات المتحدة والصين، حيث تتنافس القوى العظمى على الموارد اللازمة للتكنولوجيات المتقدمة مثل أشباه الموصلات والمركبات الكهربائية والروبوتات والصواريخ.
نقل تقرير الصحيفة عن مدير إدارة الاستكشاف الجيولوجي والإدارة بوزارة الموارد الطبيعية، شيونغ تسيل، قوله للصحافيين هذا العام:
- "تم تحقيق سلسلة من الإنجازات الكبرى في مجال استكشاف المعادن، مما عزز بشكل كبير القدرة على ضمان سلامة السلاسل الصناعية المهمة وسلاسل التوريد والاستجابة لعدم اليقين البيئي الخارجي".
- "خطة التنقيب عن المعادن الجديدة تركز بشكل وثيق على تعزيز موارد الطاقة المحلية والمعادن "الاستراتيجية".
وتعد الصين أكبر منتج في العالم لـ30 من أصل 44 معدناً أساسياً تتبعها هيئة المسح الجيولوجي الأميركية.
وفي مسعى لتخفيف هيمنة بكين على القطاع، أعطى الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأولوية للتعدين المحلي منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير، فضلاً عن الوصول إلى المعادن الحيوية في الخارج، بما في ذلك في غرينلاند وأوكرانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
كما ركز الرئيس الصيني شي على اعتماد الصين على نفسها في مجال العلوم والتكنولوجيا منذ أن أصبح زعيما للحزب الشيوعي الصيني الحاكم في عام 2012.
وقد أصبح هذا الدافع أكثر إلحاحاً في ظل التوترات المتصاعدة مع الولايات المتحدة، ولجأ شي إلى دعم سلاسل التوريد وإعطاء الأولوية للتصنيع المتقدم والتكنولوجيا العالية الناشئة.
- تُعدّ سلاسل توريد المعادن في بكين نقطة ضغط جيوسياسية حاسمة في حربها التجارية والتكنولوجية مع الولايات المتحدة.
- خصصت الحكومة الصينية أكثر من 100 مليار يوان صيني (13.8 مليار دولار أميركي) للاستثمار في الاستكشاف الجيولوجي سنوياً منذ عام 2022، وهي أعلى نسبة استثمار في ثلاث سنوات خلال عقد من الزمن.
- كما شددت الصين خلال العام الماضي الرقابة على صادرات المعادن الاستراتيجية، والتي يعتبر الكثير منها ضروريا لتصنيع الرقائق، بما في ذلك الجاليوم والجرمانيوم والأنتيمون والجرافيت والتنجستن، ردا على القيود التي فرضتها الولايات المتحدة على صادرات التكنولوجيا إلى الصين.
إعانات
وبحسب المدير المساعد لشركة تريفيوم تشاينا الاستشارية ومقرها بكين، كوري كومبس، فإن:
- الصين قدمت إعانات وحوافز ضريبية وأنواع أخرى من الدعم لقطاع التعدين المحلي "بغض النظر" عن دورات سوق السلع الأساسية.
- "من منظور السوق الصرف، يُعدّ هذا الأمر تبذيراً.. أما من منظور الأمن السياسي والاقتصادي، فهو ليس تبذيراً على الإطلاق، بل يستحق التكلفة".
- "من وجهة نظر بكين، المال ليس الهدف الوحيد".
وقد زادت شينفيانغ من دعمها للاستكشاف الجيولوجي إلى 650 مليون يوان صيني في العام 2025، من 150 مليون يوان صيني في العام 2023. كما عززت بشكل حاد إصدار حقوق استكشاف التعدين إلى مستويات قياسية.
منافسة الصين وأميركا
من جانبه، يقول الرئيس التنفيذي لمركز كروم للدراسات، طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- الصين تُعد حالياً أكبر دولة منتجة للمعادن النادرة.
- الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تمنح الأخيرة حافزاً إضافياً لزيادة الإنتاج بوتيرة أسرع.
- الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على هذه المعادن المستوردة من الصين، وهو ما يتعارض مع السياسات التي اتبعتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي كانت تهدف إلى تقليل هذا الاعتماد.
- هذا التوجه دفع إدارة ترمب إلى البحث عن بدائل أخرى، مثل الاستثمار في الموارد المعدنية في غرينلاند وكندا، بالإضافة إلى تعزيز عمليات التعدين داخل الولايات المتحدة نفسها، وذلك في محاولة لاستخراج هذه المعادن محليًا وتقليل الاعتماد على الصين.
ويؤكد الرفاعي أن الصين تسعى للحفاظ على استراتيجيتها وقوتها العالمية في إنتاج هذه المعادن، مما يجعلها لاعباً رئيسياً في السوق العالمية.
جهود طويلة
وبذلت الصين أيضاً جهودًا طويلة الأمد للسيطرة على موارد حيوية في الخارج. وقد أفادت صحيفة "فاينانشيال تايمز" في يناير أن الصين أصدرت على مدار عقدين قروضاً بقيمة 57 مليار دولار عبر ما لا يقل عن 26 مؤسسة مالية مدعومة من الدولة لتعدين ومعالجة النحاس والكوبالت والنيكل والليثيوم والمعادن النادرة في جميع أنحاء العالم النامي.
- في عهد شي، سنّت بكين أيضاً سياساتٍ تهدف إلى حماية الموارد الاستراتيجية.
- شملت هذه السياسات قراراً في عام 2021 بمنع الشركات الأجنبية من الاستثمار، حتى بشكل غير مباشر، في تعدين التنغستن والمعادن الأرضية النادرة واليورانيوم.
- كما اشترطت موافقة مجلس الدولة (مجلس الوزراء الصيني) على دخول أي أجنبي إلى منطقة تعدين المعادن الأرضية النادرة.
- في العام الماضي، أنشأت لجنة تابعة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، وهو البرلمان الذي يحظى بالموافقة المطلقة في الصين، آلية قانونية لتسهيل قيام الشركات باستغلال الأراضي الزراعية لاستكشاف الموارد المعدنية والحصول على حقوق التعدين.
الصين في المواجهة
من لندن، يقول خبير اقتصاديات الطاقة، نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- لسنوات عديدة، اعتبرت الصين نفسها ضحيةً للعقوبات الاقتصادية الأميركية، لا سيما إجراءات حظر تصدير التكنولوجيا إلى الشركات الصينية.
- منذ العام 2019، بدأت الصين في تحديث أدوات حظر تصدير المواد الاستراتيجية، في إطار حربها التجارية مع الولايات المتحدة.
- في تطور لافت، أنشأت الصين قائمة "الكيانات غير الموثوقة"، التي تضم أسماء شركات صناعات دفاعية أميركية.
- فرضت الصين حظراً على صادرات المعادن الحرجة اعتباراً من 3 ديسمبر 2024، بما في ذلك الغاليوم الجيرمانيوم، الأنتيمون، ومنتجات الغرافيت إلى الولايات المتحدة، وذلك لأسباب تتعلق بحماية الأمن القومي. هذه الخطوة أجبرت واشنطن على البحث عن مصادر بديلة في إفريقيا وأميركا الجنوبية.
- تمكنت الصين من تعزيز نفوذها وسيطرتها على المعادن الأساسية لبرامج الانتقال إلى الطاقة المتجددة وتحقيق الحياد الكربوني، عبر ضخ استثمارات في شركات ومؤسسات صينية تعمل في مجالات التعدين والمعالجة والتكرير خارج الصين.
ويضيف: في عام 2023، بلغ حجم الاستثمارات الصينية في إفريقيا 22 مليار دولار، حيث تُعَدّ القارة مصدراً غنياً بالكوبالت، الليثيوم والنيكل والعناصر النادرة، وهو ما يفوق حجم الاستثمارات الأميركية في المنطقة. فقد استثمرت الولايات المتحدة خلال العام ذاته 300 مليون دولار فقط في مشاريع التعدين في إفريقيا (من إجمالي7.4 مليار دولار استثمارات أميركية أفريقيا).. ومع احتدام المنافسة، يُتوقع أن نشهد مزيداً من الاستثمارات الأميركية في قطاع التعدين خلال السنوات المقبلة.
المعادن الصينية
يتوقع خبراء أن يستمر الاعتماد على الصين في هذا المجال (المعادن النادرة) لفترة طويلة. وبحسب دراسة أجرتها وكالة المواد الخام الألمانية (ديرا) وأعلنت نتائجها في برلين قبيل أيام، فإن السبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى انخفاض أسعار المعادن النادرة في السوق العالمية حاليا.
زقال معد الدراسة، هارالد إلسنر: "جميع الشركات التي تقوم حاليا بتعدين أو معالجة المعادن النادرة تعاني من مشكلات اقتصادية، بما في ذلك شركات في الصين"، موضحا أن هذا يجعل من الصعب التنقيب عن مخزونات جديدة في بلدان أخرى، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه غالبا ما تكون البنية التحتية اللازمة لاستخراج ومعالجة المواد غير متوفرة خارج الصين.
ويتوقع إلسنر أن الطلب على المعادن النادرة، التي تستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية وطواحين الهواء، سيزداد بشكل كبير في المستقبل، مشيرا في المقابل إلى أنه "لا يزال هناك القليل من الأدلة على ذلك في السوق"، موضحا أن مشاريع التنقيب الجديدة خارج الصين سوف تواجه لذلك صعوبات من حيث الجدوى الاقتصادية، بحسب وكالة أسوشيتد برس.
تصاعد التوترات
وإلى ذلك، يؤكد أستاذ الاقتصاد الدولي، الدكتور علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن:
- تصاعد التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة يدفع بكين إلى تعزيز تمويلها الحكومي للمعادن الاستراتيجية، مثل الليثيوم والتنجستن، بهدف تعزيز سيطرتها على سلاسل التوريد العالمية.
- هذه الخطوة تأتي كرد فعل مباشر على القيود التي فرضتها واشنطن على التكنولوجيا الصينية، حيث ردت بكين بفرض قيود على تصدير بعض المعادن النادرة، مما يعكس تصعيدًا جديدًا في الحرب الاقتصادية بين القوتين العظمتين.
- في المقابل، تسعى الولايات المتحدة إلى تقليل اعتمادها على الصين عبر دعم إنتاج المعادن محلياً والتعاون مع شركاء مثل أستراليا وكندا، في محاولة لضمان استقرار إمدادات هذه المعادن الحيوية لصناعاتها.
ويحذر الإدريسي من أن هذه المنافسة الشرسة قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار المعادن الإستراتيجية، مما سيؤثر بشكل مباشر على قطاع التكنولوجيا وصناعة السيارات الكهربائية، ويزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي العالمي في ظل هذا التصعيد المستمر.