وقف الهجمات على الطاقة في أوكرانيا وروسيا "تحت الاختبار"
11:36 - 21 مارس 2025
أعلنت روسيا أخيراً عن موافقتها على وقف محدود لإطلاق النار من شأنه أن يوقف الهجمات على البنية التحتية للطاقة، وهو اقتراح أبدت كييف استعدادها له.
ورغم تبادل البلدين في الساعات الأخيرة الاتهامات بانتهاك الاتفاق الذي يقضي بعدم استهداف البنية التحتية للطاقة، فإن هذا الاتفاق يعد أول خطوة مهمة نحو خفض التصعيد منذ اندلاع الحرب الشاملة قبل أكثر من ثلاث سنوات.
وتبادلت أوكرانيا وروسيا ، الأربعاء، الاتهامات بشن هجمات على البنية التحتية للطاقة لدى كل منهما، بعد يوم واحد من الإعلان عن الاتفاق المقترح، مما يسلط الضوء على انعدام الثقة بين البلدين ومدى هشاشة أي اتفاق.
ويشير تقرير لـ "نيويورك تايمز" إلى أن:
- الهجمات على منشآت الطاقة شكّلت جزءاً أساسياً من جهود كلا البلدين لإضعاف الآخر.
- يقول خبراء إن روسيا شنّت هجمات متكررة على شبكة الكهرباء الأوكرانية لتقويض مجهودها الحربي بجعل حياة المدنيين صعبة قدر الإمكان.
- أما بالنسبة لأوكرانيا، فتهدف الهجمات على المنشآت الروسية إلى خفض عائدات صناعة النفط الروسية المترامية الأطراف، والتي تُستخدم لتمويل جيش البلاد.
- بدأت روسيا بمهاجمة البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا في أكتوبر 2022 بعد أن اتضح فشل خطتها الأولية لتحقيق نصر سريع. فاختارت موسكو حرب استنزاف، أصبحت فيها البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا هدفاً رئيسياً.
- وبدأت أوكرانيا باستهداف البنية التحتية للطاقة الروسية بشكل متكرر في أوائل عام 2024، في محاولة لإلحاق الضرر بقلب الاقتصاد الروسي - صناعة النفط والغاز - والحد من إمدادات الوقود لجيشها .
- ويبدو أن هدف كييف كان مزدوجاً، كما يقول الخبراء: خفض عائدات النفط الروسية، التي تُستخدم لتمويل جيشها، وإحداث تأثير نفسي من خلال إشعال حرائق واسعة النطاق في منشآت البنية التحتية الحيوية.
- كانت الهجمات الروسية على البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا جزءاً أساسياً من جهود موسكو لإخضاع البلاد . ويقول خبراء الطاقة إن الهدف كان خنق موارد الطاقة التي تُغذي اقتصاد أوكرانيا، وفي نهاية المطاف، مجهودها الحربي. ولكن يبدو أيضًا أن الهدف كان جعل حياة الناس لا تُطاق - بدفعهم إلى البرد والظلام - مما يُحطم معنوياتهم.
كيف أثرت الهجمات على روسيا؟
على مدار العام الماضي، تسللت طائرات أوكرانية مُسيّرة إلى عمق الأراضي الروسية، مُستهدفةً مصافي نفط ومستودعات ووحدات تخزين وأنابيب ومحطات ضخ. وقد أدت هذه الهجمات إلى تعطيل تدفقات النفط التي تمر عبر محطات النفط البحرية الروسية وخط أنابيب دروغبا، الذي ينقل النفط الخام إلى بعض الدول الأوروبية.
وقد هدد ذلك بتقليص عائدات موسكو من مبيعات الطاقة في الخارج. ولم يتسن تحديد حجم تأثر عائدات النفط الروسية بالهجمات بشكل مستقل.
وتسببت الهجمات على مصافي النفط في خفض قدرة التكرير في البلاد بنحو 10 بالمئة في مرحلة ما، بحسب رويترز، التي كانت تحسب تأثير الأضرار. لكن شركات النفط الروسية العملاقة تمكنت أيضًا من إصلاح بعض الأضرار بسرعة.
صعّدت أوكرانيا هجماتها منذ يناير، لكن تأثيرها كان محدوداً بشكل عام، وفقاً لوسائل إعلام روسية. تُعدّ مصافي النفط شركات عملاقة، ورغم أن هجمات الطائرات المسيّرة تسببت في حرائق يصعب إخمادها، إلا أنها غالبًا ما فشلت في إلحاق الضرر بالبنية التحتية الحيوية.
كيف أثرت الهجمات على أوكرانيا؟
منذ خريف عام 2022، استخدمت موسكو مرارا وتكرارا الطائرات بدون طيار والصواريخ لضرب محطات توزيع الكهرباء، ومحطات الطاقة التي تولدها، ومؤخرا منشآت الغاز.
تُقدّر كلية كييف للاقتصاد أن الأضرار التي لحقت بقطاع الطاقة في أوكرانيا بلغت 14.6 مليار دولار على الأقل. وقد دُمِّرت عدة محطات للطاقة الكهرومائية والحرارية بالكامل جراء الهجمات.
أجبر نقص الكهرباء أوكرانيا على فرض انقطاعات كهربائية متواصلة على مستوى البلاد لتخفيف الضغط على الشبكة . في بعض الأيام، لم تصل الكهرباء إلا لأربع ساعات فقط في أحياء كييف، العاصمة الأوكرانية. لجأ العديد من المدنيين إلى الشموع لإضاءة منازلهم، واعتمدوا على مصابيح هواتفهم المحمولة للتنقل في الشوارع المظلمة.
تعطلت أنظمة ضخ المياه أحيانًا، مما صعّب حياة المواطنين، إذ قطع تدفق المياه الجارية إلى منازلهم. خلال الشتاء الأول من الحرب، اصطف السكان في طوابير طويلة أمام آبار كييف، حاملين جرار الماء إلى شققهم غير المُدفأة.
مع ذلك، فشلت روسيا في محاولاتها لتدمير نظام الطاقة الأوكراني بالكامل. وقد صمد النظام الأوكراني في وجه الهجمات، بفضل الدفاعات الجوية الغربية التي مكّنته من اعتراض المزيد من الصواريخ الروسية تدريجيًا، وعمل المهندسين المتواصل على إصلاح المعدات الحيوية، وإبداع السكان في توفير الطاقة .
كما اعتمدت أوكرانيا على محطاتها النووية الثلاث العاملة، والتي تجنبت روسيا استهدافها لمنع وقوع كارثة نووية، لتلبية ما يصل إلى نصف احتياجات البلاد من الكهرباء خلال فترات معينة.
ما الذي يعنيه الاتفاق بالنسبة لأسواق النفط؟
يعتبر خبير اقتصاديات الطاقة من لندن، نهاد إسماعيل، أن الخطوة نحو اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا تمثل تطوراً إيجابياً، إلا أن وقف إطلاق النار الجزئي والمؤقت، الذي يقتصر على عدم استهداف منشآت النفط والغاز والمصافي والبنية التحتية، لن يؤدي إلى تغيير ملحوظ في أسواق النفط.
ويوضح في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن الأسعار قد تشهد انخفاضاً طفيفاً، لكن المشهد العام يظل محفوفاً بالمخاطر. كما يشدد على أن هذا الاتفاق لن يكون كافياً لتحفيز الاستثمار في قطاع الطاقة الأحفورية، في حين أن اتفاق سلام دائم سيعيد النفط الروسي للأسواق العالمية، مما سيرفع الإمدادات ويدفع الأسعار نحو الانخفاض.
ويضيف إسماعيل: "من الواضح أن موسكو ليست مستعدة لأي اتفاق سلام دائم ما لم يكن متوافقاً مع شروطها، وهي شروط غير مقبولة بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا. لذلك، فإن عدم استهداف البنية التحتية للطاقة لمدة 30 يوماً لن يكون له تأثير جوهري على الأسواق، لكنه قد يكون خطوة جيدة إذا تُوج باتفاق دائم ورفع العقوبات عن قطاع الطاقة الروسي."
ومع ذلك، يحذر خبير اقتصاديات الطاقة من أن موسكو "تؤكد أنها ستواصل الحرب بعد انتهاء مهلة الثلاثين يومًا، مما يعني العودة إلى نقطة الصفر".
في هذا السياق، نقل تقرير لـ "ماركت ووتش" عنتيري هاينز من منظمة بانجيا بوليسي، قوله إن وقف الهجمات على الطاقة والبنية الأساسية مهم إلى حد كبير لأنه " يقلل من احتمال وقوع أخطاء نووية، سواء كانت حقيقية أم لا، ويسمح للمدنيين بالتنفس بشكل أسهل، على الأقل مؤقتاً".
ارتباك الأسواق
من جانبه، تؤكد أستاذة الاقتصاد والطاقة، الدكتورة وفاء علي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن "الاتفاق الذي تم برعاية الولايات المتحدة مع روسيا، على وقف إطلاق النار على المنشآت النفطية والبنية التحتية الطاقوية ضمن الحرب في أوكرانيا، لم يبدد حالة الارتباك التي تسيطر على المشهد الاقتصادي العالمي".
وتوضح أن المصالح الجيوسياسية المتشابكة تثير تساؤلات جوهرية؛ أبرزها: "هل سيعود النفط الروسي إلى الأسواق العالمية؟"، مشيرة إلى أن أسعار النفط، وفق القراءة الفنية قصيرة الأجل، تواجه ضغوطاً سلبية، حيث تسجل تراجعاً هامشيًا يعكس ضعف المعنويات في أسواق الطاقة، التي باتت تتسم بحالة من الجمود مع تراجع شهية المخاطرة وتزايد عمليات البيع.
وفيما يتعلق بصادرات روسيا، تشير إلى أن موسكو تعتمد على "أسطول الظل" في توجيه شحناتها إلى الأسواق المستهدفة من جانبها، لكنها تشدد على أن التحدي الأكبر وبالنسبة لأوروبا يكمن في استمرار سياسات العقوبات، والتي تتزامن مع تصاعد مخاطر الركود التضخمي، ما يهدد معدلات النمو ويؤثر على دوران العجلة الاقتصادية.
وتضيف: "أسعار النفط ستظل تحت ضغط، خصوصاً مع ارتفاع المخزونات النفطية، بينما يبقى المشهد العام مرهوناً بترقب القرارات المستقبلية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، في ظل تسارع التطورات الاقتصادية والجيوسياسية، مما يستوجب التعمق في البيانات لتحديد بوصلة الاتجاه المقبل للأسواق."