تحذيرات المستثمرين تتزايد.. هل أصبح "ركود ترامب" مسألة وقت؟
11:51 - 14 مارس 2025
تشهد الولايات المتحدة الأميركية جدلاً متزايداً حول احتمال دخول اقتصاد البلاد في حالة ركود نتيجة السياسات التجارية التي يتبناها الرئيس دونالد ترامب، والتي تقوم على مبدأ فرض تعريفات جمركية على عدة شركاء تجاريين رئيسيين لأميركا.
وعلى الرغم من أن الحديث عن إمكانية حصول ركود في أميركا لا يزال في إطار التكهنات، خصوصاً مع استمرار المؤشرات الاقتصادية، في إظهار متانة نسبية في اقتصاد البلاد، إلا أن مصطلح "الركود" وتحديداً "ركود ترامب"، عاد بقوة إلى نقاشات الخبراء والمستثمرين في أكبر اقتصاد في العالم، وتحديداً بعدما تردد الرئيس الترامب في نفي إمكانية مواجهة اقتصاد أميركا لركود، بسبب سياسته الاقتصادية، وذلك خلال مقابلة أجرتها قناة "فوكس نيوز" مؤخراً، وهو ما زاد من نسبة التوتر في الأسواق.
أخبار ذات صلة
وبحسب تقرير أعدته صحيفة "وول ستريت جورنال" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فإن ترامب كان محقاً خلال مقابلته التلفزيونية، عندما أشار إلى أنه لا ينبغي على الرئيس الأميركي التركيز على ردود فعل المستثمرين قصيرة الأجل، تجاه السياسات الاقتصادية المصممة لدعم النمو على المدى الطويل، ولكن ومع ذلك، تبرز مؤشرات واضحة على تباطؤ الاقتصاد الأميركي، في ظل تصاعد مخاوف الأسواق من تأثير الرسوم الجمركية.
أخبار ذات صلة
وفي تصريحات نقلتها وكالة "رويترز"، أوضح بروس كاسمان، كبير الاقتصاديين في "جيه بي مورغان"، أن احتمال دخول الاقتصاد الأميركي في ركود، ارتفع من 30 في المئة في بداية العام، الى 40 في المئة حالياً، مشيراً إلى أن هذا الخطر قد يصل إلى 50 في المئة أو أكثر، إذا مضى ترامب قدماً في فرض الرسوم الجمركية، التي هدد بها بدءاً من إبريل 2025. وأعرب كاسمان عن قلقه المتزايد حيال الاقتصاد الأميركي، لافتاً إلى أن عدم اليقين بشأن سياسات الإدارة الحالية، قد يضعف ثقة المستثمرين في الأصول الأميركية.
ما الذي قاله ترامب وأثار مخاوف الركود؟
في الواقع، يتعلق الأمر بما لم يقله الرئيس، فهو سُئل على قناة فوكس نيوز عما إذا كان يتوقع ركوداً هذا العام، ليجيب ترامب: "أكره توقع مثل هذه الأمور، هناك فترة انتقالية".
أخبار ذات صلة
وهذه الإجابة دفعت وسائل الإعلام الأميركية إلى الإعلان عن أن ترامب لا يستبعد حدوث ركود.
ولكن في الوقت نفسه تقريباً، أصدرت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، بياناً قالت فيه إن "الاقتصاد الأميركي يتعافى بقوة"، مشيرةً إلى المكاسب الأخيرة في وظائف صناعة السيارات، في حين صرّح وزير التجارة هوارد لوتنيك بأنه لا يعتقد أن الركود وشيك.
ما هي فترات الركود، ومن يحدد موعد حدوثها؟
تُعرف فترات الركود عادةً بأنها فترات انكماش الاقتصاد المحلي لأكثر من بضعة أشهر. ولن يكون ترامب أو الحكومة الفيدرالية من يحدد موعد بدء وانتهاء فترات الركود، بل مجموعة غير ربحية من الاقتصاديين، ينتمون للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، وهي منظمة بحثية غير ربحية مقرها الولايات المتحدة.
ما مدى شيوع حالات الركود؟
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حدثت حالات ركود كل سبع سنوات في المتوسط، واستمرت حوالي عشرة أشهر لكل حالة، وكان أطولها خلال هذه الفترة، هو الركود الكبير بين عامي 2007 و2009، والذي استمر ثمانية عشر شهراً. أما أقصرها فكانت فترة الركود المؤقت لمدة شهرين والمرتبطة بجائحة كوفيد-19.
وبحسب المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، فإن معظم حالات الركود التي تحدث تكون قصيرة الأمد، وهي تجلب آثاراً مؤلمة على شكل تسريحات للعمال، وإفلاسات للشركات والأفراد، وتأخر في سداد الرهون العقارية، وغيرها من التداعيات، وكلما طالت فترة الركود كلما ازدادت الأضرر.
ولكن حالات الركود قد تؤدي أيضاً إلى تغييرات إيجابية، مثل انخفاض أسعار الفائدة، وفترة تهدئة للتضخم، وتقليص القطاعات الاقتصادية المتضخمة.
هل يُخاطر ترامب بالركود؟
ويقول الأستاذ الجامعي لويس حداد، حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن المستثمرين مصابون بالذهول، من الضرر الذي ألحقه ترامب بالاقتصاد الأميركي خلال شهرين فقط، فعندما تولى ترامب منصبه في 20 يناير، كان نمو الناتج المحلي الإجمالي قوياً بنسبة 2.5 في المئة، وكان معدل البطالة منخفضاً عند 4.1 في المئة، وكانت الأسهم في ارتفاع قوي، حيث توقع المستثمرون استمرار هذا الرخاء، ولكن ما حصل هو العكس تماماً، مشيراً إلى أن ترامب فرض رسوماً جمركية أكثر صرامة مما توقعه الجميع تقريباً، دون أن يُظهر أي قلق بشأن عمليات البيع المكثفة والمُقلقة في سوق الأسهم، فخسائر الأسواق المالية الأميركية تجاوزت الـ 8 تريليونات دولار في أول أسابيع الولاية الثانية لدونالد ترامب.
ويكشف حداد أن الشكوك تتزايد في أميركا، حول ما إذا كان جزء من خطة ترامب يتمثل بإجهاد الاقتصاد عمداً، خلال العام الأول من ولايته، فمعظم المستثمرين ظنّوا في البداية أن ترامب يُهدد بفرض رسوم جمركية صارمة، ليعود ويتراجع في النهاية تماماً كما حدث خلال فترة حكمه الأولى، إلا أن هذا السيناريو قد تبخر الآن، فترامب يزيد الرسوم الجمركية بشكل حاد، وبدلاً من تخفيفها لمنح الأسهم استراحة، فإنه يهدد بفرض المزيد وبشكل شبه يومي، وهذه التصرفات تخلق حالة من التوتر في الأسواق.
وبحسب حداد فإن الأغرب فيما يحصل، هو أن الرسائل التي يوجهها ترامب، إن كان خلال خطابه أمام الكونغرس في 4 مارس، أو خلال المقابلة مع قناة فوكس نيوز في 9 مارس، تشير بوضوح إلى أن الإدارة الأميركية، لا تمانع حدوث اضطرابات طفيفة في الأسواق، لتحقيق "الانتقال" الاقتصادي الذي تتصوره، والذي يضمن تحقيق مكاسب على المدى الطويل، فترامب لن يُخفف من التعريفات الجمركية لمجرد أن الأسواق تعاني، وحتى لو تسبب ذلك بفترة مؤلمة من اضطرابات في سلاسل التوريد، وارتفاع في الأسعار وانخفاض في الأرباح، وربما تسريح العمال، وهو يراهن على أن الذي سيحصل مستقبلاً سيكون لمصلحة الأميركيين.
ركود بايدن!
وشدد حداد على أنه من الصعب تخيّل أي رئيس عادي، يُحاول إضعاف اقتصاد بلاده عمداً، ولكن أجواء بعض المراقبين في أميركا تقول إنه من الأسهل على ترامب دفع الاقتصاد إلى الركود في بداية ولايته وإلقاء اللوم في ذلك على بايدن، وهو ما تشير إليه بالفعل تصريحات بعض أعضاء الإدارة الجديدة، حيث قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، أثناء محاولتها تفسير موجة البيع الحادة في سوق الأسهم، إن البلاد تمر في فترة انتقالية من الفوضى التي نشأت في عهد جو بايدن، في حين يؤكد الخبراء والبيانات الاقتصادية، أن الاقتصاد الأميركي لم يكن يعاني من حالة فوضى في نهاية عهد بايدن.
هل هناك اتفاق على أن الركود وشيك؟
من جهته يقول الخبير المصرفي بهيج الخطيب، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الأدلة على إمكانية حدوث ركود اقتصادي قليلة جداً، في المقابل نجد أن هناك بيانات اقتصادية إيجابية كثيرة، فصحيح أن الرسوم الجمركية تُحفّز الركود، إلا أن حدوث ذلك ليس أمراً ضرورياً، وعلى سبيل المثال فقد أصدر 16 خبيراً اقتصادياً يعملون في بنوك رئيسية، منها تشيس وويلز فارغو وبنك أوف أميركا، تقييماً مشتركاً للاقتصاد الأميركي في 7 مارس، حيث أشار هؤلاء إلى وجود رياح معاكسة للاقتصاد، بما في ذلك تأثير الرسوم الجمركية، إلا أنهم لم يتطرقوا إلى مخاوف اقتصادية عامة، مقدرين احتمالات حدوث ركود اقتصادي بنسبة 30 في المئة، مع توقعات بنمو اقتصادي حقيقي بنسبة 2.1 في المئة لكل من عامي 2025 و2026، كما توقعوا أن يبقى معدل البطالة في الولايات المتحدة في نطاق قريب من 4 في المئة.
أخبار ذات صلة
إنذارات كاذبة
وبحسب الخطيب فإن مؤشرات رئيسية مثل مؤشر داو جونز الصناعي، شهد تراجعاً مؤخراً، متأثراً بأخبار الرسوم الجمركية وهو انخفض في 10 مارس بنحو 900 نقطة، ولكن الحقيقة هي أن عمليات البيع الحادة في سوق الأسهم تحدث من حين لآخر، ولا تنذر بالضرورة بالركود، مشدداً على أن أفعال المستثمرين التي تدفع أسعار الأسهم صعوداً وهبوطاً، تُنذر أحياناً بتراجعات اقتصادية، ولكنها قد لا تصيب، فغالباً ما تكون الانخفاضات الحادة والمفاجئة إنذارات كاذبة، أو ردود فعل لعوامل أخرى، مثل التقييمات المرتفعة للغاية.
رهان ترامب لجعل أميركا عظيمة مرة أخرى
ويؤكد الخطيب أنه مما لاشك فيه، أن سياسة البيت الأبيض التجارية، القائمة على فرض رسوم جمركية على شركاء رئيسيين مثل كندا والمكسيك والصين، قد أثارت موجة من عدم اليقين في الأسواق، إذ من المتوقع أن تؤدي هذه الرسوم إلى ارتفاع أسعار بعض السلع، مما قد يُغذي التضخم، ويدفع العديد من الشركات إلى إعادة هيكلة عملياتها لمواجهة التكاليف المتزايدة، كما أن هذه الرسوم قد تستدعي إجراءات انتقامية من الدول المتضررة، ومع ذلك يراهن ترامب على أن التراجع الحاصل لن يطول، قبل أن يحقق وعده بجعل "أميركا عظيمة مرة أخرى"، من خلال تلك الضغوط التي ستُجبر الجميع على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وإقرار اتفاقيات تجارية جديدة، يرى أنها ستخدم الاقتصاد الأميركي والمستهلك على المدى الطويل، والواقع أن بعض الشركات الكبرى، مثل آبل وشركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات، استجابت لهذا التوجه بإعلان استثمارات بمئات المليارات من الدولارات داخل أميركا، وهي خطوة من شأنها أن تعزز قطاعي التكنولوجيا والتصنيع وتوفر فرص عمل، مما قد يُحدث أثراً إيجابياً على الاقتصاد الأميركي مستقبلاً.
