ماذا فعلت 3 سنوات من الحرب في اقتصاد روسيا؟
11:26 - 24 فبراير 2025خلال ثلاث سنوات من الحرب، ظل الاقتصاد الروسي محط أنظار العالم، إذ يواجه عواصف العقوبات الغربية ويعيد رسم ملامح علاقاته التجارية، مبدياً صلابة نسبية، في وقت لم تكن فيه الطريق سهلة؛ إذ دخلت موسكو في سباق محموم للحفاظ على توازنها المالي، مستفيدة من قنوات بديلة للتجارة ومتكئة على تحالفات اقتصادية جديدة.
وسط هذه التحولات، برز قطاع الدفاع كمحرك أساسي للنمو، حيث أدى الإنفاق العسكري المتزايد إلى تعزيز الطلب الداخلي، مما خلق فرص عمل واسعة، ولو بشكل مؤقت.
ومع ذلك، تظل التحديات الاقتصادية تلوح في الأفق، بدءاً من التضخم المتصاعد وضعف العملة، وصولاً إلى أزمة العمالة وتقلص الموارد.. وبينما تستمر موسكو في التكيف مع المشهد الاقتصادي العالمي المتغير، يبقى السؤال مطروحاً: هل ستتمكن روسيا من مواصلة هذا النهج في ظل الضغوط المتزايدة، أم أن اقتصادها يقف الآن أمام نقطة تحول كبرى؟
موسكو تنجو من الفخ!
يشير تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية إلى أن:
- المقاييس القياسية للنمو الاقتصادي تصب في صالح موسكو.
- الناتج المحلي الإجمالي لروسيا انكمش في بداية الحرب، لكنه تعافى منذ ذلك الحين ليسجل 3.6 بالمئة في كل من العامين الماضيين، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
- انخفض الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا بنسبة 36 بالمئة بحلول صيف عام 2022 قبل أن ينهي العام منخفضاً بنسبة 28.3 بالمئة قبل أن يرتفع إلى 5.3 بالمئة في عام 2023 و 3 بالمئة في عام 2024.
- على الرغم من العقوبات واسعة النطاق، استمرت المصانع الروسية في توفير المكونات والمواد الخام اللازمة لتشغيل آلة الحرب.
- كما سمح تدفق الأموال من البيع غير المشروع للنفط (عبر أسطول الظل)، وبدرجة أقل الغاز الطبيعي والنيكل والبلاتين، بتوسيع جهاز الدولة الذي بدا قبل 18 شهراً على وشك الانهيار.
تغير العلاقات التجارية
في هذا السياق، يشير تقرير لـ "دويتشه فيله"، إلى أنه على مدى السنوات الثلاث التي مرت منذ "بدء الحرب في أوكرانيا" لم يتغير شيء على المستوى الاقتصادي بالنسبة لموسكو بقدر ما تغيرت علاقاتها التجارية مع بقية العالم.
- في العام 2021، ذهب ما يقرب من 50 بالمئة من صادرات روسيا إلى الدول الأوروبية، بما في ذلك بيلاروسيا وأوكرانيا، وفقاً لبيانات(OECD) ، وكان الجزء الأكبر من هذه الصادرات عبارة عن منتجات طاقة، في المقام الأول النفط الخام والغاز .
- بحلول نهاية العام 2023، أي بعد أقل من عامين من بدء "الحرب"تغيرت الصورة تماماً.
- تُظهِر الأرقام التي نشرتها منظمة التعاون الاقتصادي أخيراً للعام 2023 عن أن الصين والهند في المقدمة باعتبارهما السوقين الرئيسيتين لصادرات روسيا، حيث تمثلان 32.7 و16.8 بالمئة على التوالي، وبما يشكلان معاً نصف الإجمالي تقريباً (بينما في العام 2021، شكلت الصين 14.6 بالمئة من الصادرات الروسية، والهند 1.56 بالمئة فقط).
- بينما استحوذت الدولتان على حصة سوق التصدير التي كانت تحتلها الدول الأوروبية في السابق، تظهر أرقام العام 2023 أن الدول الأوروبية تمثل ما يقرب من 15 بالمئة من الصادرات الروسية، وهو انخفاض كبير مقارنة بنحو 50 بالمئة قبل عامين.
وفي حين لم تنشر منظمة التعاون الاقتصادي بعد أرقامها للعام 2024، فإن البيانات من مصادر أخرى، مثل متتبع التجارة الخارجية الروسية الذي نشره مركز بروغل للأبحاث الاقتصادية في بروكسل، تشير إلى أن وجهات التصدير تظل متماشية إلى حد كبير مع أرقام عام 2023.
وتعتمد البيانات التجارية المتاحة على الإحصاءات الرسمية فقط، وهذا يعني أن النفط الذي ينقله "أسطول الظل" الروسي لا يتم تضمينه في الإحصاءات. وإذا كان من الممكن تضمين تلك السفن القديمة التي تبحر بدون التأمين الغربي القياسي للصناعة، فمن المرجح أن يظهر ذلك أن الصين والهند تستوردان المزيد من روسيا.
ووفقاً لمدرسة كييف للاقتصاد، فإن ما لا يقل عن 70 بالمئة من إجمالي صادرات روسيا من النفط الخام المنقولة بحراً تتم عبر أسطول الظل، حيث تمثل الهند والصين وتركيا ما يصل إلى 95 بالمئة من المشتريات.
ويمكن إرجاع الصورة المتغيرة لصادرات روسيا منذ العام 2022 إلى عاملين، هما: تحول الاتحاد الأوروبي بشكل كبير بعيدًا عن شراء النفط والغاز الروسيين، واستبدالهما الصين والهند كمشترين رئيسيين.
وانخفضت واردات الاتحاد الأوروبي من النفط الخام الروسي بنسبة 90 بالمئة منذ بدء الحرب بينما قلصت بشكل كبير كمية الغاز الروسي الذي تستورده، من 40 بالمئة من إمداداتها في عام 2021 إلى 15 بالمئة في العام 2024.
الاعتماد على الصين
وينقل التقرير عن زولت دارفاس، وهو أحد الباحثين في مركز بروغل والذي يعمل على مشروع تعقب التجارة الروسية، قوله:
- كان هناك تحويل كبير للتجارة بعيداً عن الغرب إلى هذه البلدان.
- إن الدول التي لم تفرض عقوبات على روسيا، وأبرزها الصين وأيضا تركيا وكازاخستان وبعض الدول الأخرى، زادت تجارتها مع روسيا بشكل كبير للغاية.
ويرى دارفاس أن موسكو تعتمد بشكل متزايد على الصين في توريد مختلف المكونات والسلع عالية التقنية ومنتجات التصنيع في مواجهة العقوبات الغربية، موضحاً أن "روسيا دولة كبيرة ولكنها لا تمتلك القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي. لذا، يتعين عليها الحصول على هذه المنتجات من مكان آخر".
عقوبات "غير دولية"
من جانبه، يقول الاستاذ بكلية موسكو العليا للاقتصاد، رامي القليوبي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن:
- العقوبات الغربية المفروضة على روسيا منذ ثلاث سنوات هي عقوبات أحادية الجانب وليست دولية، مما يعني أنها غير ملزمة لأي طرف آخر، إذ لم تمر عبر مجلس الأمن، حيث كانت ستُواجه حتمًا بالفيتو الروسي أو الصيني.
- هذه العقوبات، رغم تأثيرها في خسارة روسيا للسوق الأوروبية جزئياً، إلا أنها أعطت موسكو الفرصة لتعزيز علاقاتها التجارية مع دول آسيا، وعلى رأسها الصين والهند والدول العربية والإفريقية. حيث إن النفط الروسي الذي كان يُصدَّر إلى أوروبا أصبح يتجه بشكل رئيسي إلى الصين والهند، فيما تأتي تركيا في المرتبة الثالثة بين مستوردي النفط الروسي.
- موسكو نجحت في إيجاد بدائل للمنتجات الأوروبية، سواء من خلال استبدال الواردات وتطوير الصناعات الوطنية، أو عبر الاستيراد من الصين، بل وحتى استمرار استيراد بعض المنتجات الغربية عبر آلية الاستيراد الموازي دون الحاجة إلى وكلاء معتمدين.
ويؤكد أن حتى الدول الأوروبية لم تتمكن من قطع علاقاتها الاقتصادية مع روسيا بشكل كامل، حيث لا تزال تشتري الغاز الطبيعي الروسي والغاز الطبيعي المسال، رغم توقف الترانزيت عبر أوكرانيا، إذ عززت روسيا إمداداتها عبر مسار تركيا، مشيراً إلى أن السنوات الأخيرة أثبتت أن قوة اقتصادية كبرى مثل روسيا لا يمكن شطبها من الخريطة الاقتصادية العالمية.
النفقات العسكرية تقود النمو
اعتمد الاقتصاد الروسي بشكل متزايد على قطاع الدفاع. فيما يشير تقرير لـ "المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية"، اطلع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عليه، إلى أن "الاقتصاد الروسي عند نقطة تحول"، مشيراً إلى أن:
- الإنفاق العسكري الضخم أدى إلى ارتفاع حاد في الطلب الكلي، حيث قُدر الأثر المالي للفترة 2022-2024 بنحو 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي لروسيا، ما دفع الاقتصاد للنمو بنسبة 3.6 بالمئة في 2023، مدفوعًا بخلق مليوني وظيفة، أغلبها في قطاع الدفاع.
- غير أن هذا النمو بلغ حدوده، مع انخفاض البطالة لمستوى تاريخي عند 2.3 بالمئة، وظهور أزمة حادة في سوق العمل، تفاقمت بسبب تقلص الفئة العمرية 20-65 عاماً بمعدل مليون شخص سنوياً، إلى جانب تراجع الهجرة العمالية لأدنى مستوى في عقد.
- ورغم ارتفاع الأجور بنسبة 19 بالمئة في 2024، خاصة في المجمع الصناعي العسكري، قفز التضخم الأساسي مدفوعاً بضعف الروبل وتكاليف الاستيراد المرتفعة بسبب العقوبات الغربية.
- لمواجهة التضخم، رفع البنك المركزي الروسي أسعار الفائدة تدريجياً (..) ورغم ذلك، لم يتراجع التضخم، مما أثار مخاوف من الركود التضخمي.
- مع تباطؤ الاقتصاد، من المتوقع أن يتلاشى نمو الأجور، لكن نقص العمالة سيحول دون ارتفاع البطالة بشكل كبير. ومع ذلك، قد تتزايد حالات الإفلاس، خاصة بين الأسر المثقلة بالديون.
- الميزانية العامة ستواجه ضغوطًا مع تراجع الإيرادات الضريبية، ومع خفض البنك المركزي توقعاته للنمو في 2025 ، مما قد يدفع وزارة المالية لخفض الإنفاق غير العسكري وتأجيل الاستثمارات.
تحديات
ورغم هذه التحديات، فإن قدرة روسيا على مواصلة الحرب في أوكرانيا تعتمد على نجاح جهود التجنيد وكفاءة المجمع الصناعي العسكري، خاصة في ظل تناقص مخزون المعدات السوفيتية، مما قد يفرض ضغوطًا إضافية على الإنتاج العسكري بحلول 2025، بحسب التقرير.
ويشير التقرير أيضاً إلى أن مسار الاقتصاد الروسي يرتبط إلى حد كبير بأسعار النفط في 2025، حيث سيؤدي أي انخفاض في عائدات التصدير إلى تفاقم الأزمة، وسط تجميد الاحتياطيات الروسية بفعل العقوبات الغربية، ما يعني أن انهيار الروبل والتضخم والركود سيكون حتمياً.
كما يظل الاقتصاد أكثر عرضة لمزيد من العقوبات، خاصة إذا تم تشديد القيود على صادرات النفط والغاز والأسمدة، إلى جانب تكثيف الضغط على الدول والشركات التي تزوّد موسكو بتكنولوجيا غربية عبر أطراف ثالثة، مثل الصين.
العقوبات
يقول الاستاذ المساعد في معهد العلاقات الدولية والتاريخ العالمي بجامعة لوباتشيفسكي الحكومية الروسية، الدكتور عمرو الديب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن:
- الاقتصاد الروسي لم ينج من تأثير العقوبات الغربية، بل على العكس، فإنه عانى ويعاني بشكل متزايد.
- استمرار هذه العقوبات (الغربية) سيؤدي إلى مزيد من التدهور.
- صمود الاقتصاد الروسي حتى الآن يعود إلى حصة روسيا الكبيرة في سوق الطاقة العالمية، سواء في مجال الغاز الطبيعي والغاز المسال أو النفط.
- المرحلة المقبلة من العقوبات الغربية ستستهدف بشكل أكبر الأساطيل الروسية الناقلة للنفط، لا سيما إلى لأسواق الهندية والصينية، وهو ما يشكل عاملاً أساسياً في بقاء الاقتصاد الروسي صامداً.
- أي اضطراب في أسعار الطاقة العالمية، سواء في النفط أو الغاز، سيؤدي إلى إظهار علامات ضعف كبيرة وسريعة في الاقتصاد الروسي.
ويؤكد الديب أن العقوبات الغربية المفروضة على روسيا هي عقوبات غير مسبوقة تاريخياً، إذ لم يسبق أن فُرضت عقوبات بهذا الحجم على أي دولة. كما يشدد على أن استمرار هذه العقوبات سيؤدي إلى ضعف اقتصادي كبير، خاصة مع توجيه جزء كبير من الناتج المحلي الروسي إلى تمويل الآلة العسكرية والميزانية الدفاعية، مما يزيد من الضغط على الاقتصاد..
ويشير إلى أن التباطؤ الاقتصادي والمشاكل الاقتصادية الروسية قد يتفاقم بشكل مفاجئ ومتتابع إذا لم يكن هناك تأثير على أسعار الطاقة العالمية، معتبرًا أن هذه هي النقطة الأكثر حساسية التي قد تؤثر بشكل حاسم على الاقتصاد الروسي.
ويلفت إلى أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مجدداً قد تسهم في إبطاء وتيرة هذه الضغوط الاقتصادية على روسيا، لكنه يؤكد أن الاقتصاد الروسي يعاني بالفعل، مشددًا على أن إنكار هذه المعاناة لا يعكس الواقع، إذ أن العقوبات وحجمها الكبير تؤثر بوضوح على الاقتصاد الروسي.