كيف يتأثر الاقتصاد الروسي بتمديد العقوبات الأوروبية؟
08:57 - 30 يناير 2025بعد تراجع هنغاريا عن تهديدها باستخدام حق النقض، وفق الاتحاد الأوروبي أخيراً على تجديد العقوبات التي يفرضها التكتل على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، وهو القرار الذي يأتي بعد تصريحات من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه لا تراجع عن القيود الأميركية المفروضة على موسكو ردا على الصراع في أوكرانيا المستمر منذ فبراير 2022.
تبنى رئيس الوزراء هنغاريا، فيكتور أوربان، المقرب من روسيا، موقفاً مناوئاً للعقوبات، وهدد بالسماح بانتهاء تلك العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي في نهاية الشهر إذا قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب تخفيف القيود التي تفرضها بلاده.
غير أن ترامب أكد الأسبوع الماضي على أنه مستعد لفرض تدابير إضافية إذا لم تتوصل روسيا إلى اتفاق لإنهاء الحرب قريباً. ليوافق وزير خارجية هنغاريا بيتر سيارتو، يوم الاثنين، على تمديد الاتحاد الأوروبي للعقوبات التي يفرضها التكتل.
تشمل العقوبات، التي يتعين تمديدها كل ستة أشهر بموافقة إجماعية، تجميد أصول روسية بقيمة 190 مليار يورو في الاتحاد الأوروبي.
وبحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز البريطانية"، فقد ذكرت كبيرة الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، بعد الإعلان عن تمديد العقوبات مرة أخرى، أن "هذا الأمر من شأنه أن يحرم موسكو من الإيرادات اللازمة لتمويل حربها. ويتعين على روسيا أن تدفع ثمن الأضرار التي تسببها"، على حد قولها.
أي تأثير على روسيا؟
من جانبه، يقول الاستاذ بكلية موسكو العليا للاقتصاد، الدكتور رامي القليوبي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن:
- "العقوبات المفروضة على روسيا لن تكون ذات تأثير كبير على سياساتها".
- روسيا تمكنت من تجاوز أكثر من 15 حزمة عقوبات دون تغيير مسارها في سياستها تجاه أوكرانيا.
- هنغاريا تراجعت عن موقفها بعد حصولها على ضمانات أوروبية في مجال الطاقة.
ويوضح القليوبي أن العقوبات لم تؤدِّ إلى تغيير سياسات دول مثل كوريا الشمالية وإيران، وبالتالي من غير المرجح أن تؤثر على سياسات دولة كبيرة مثل روسيا، مضيفاً أن هناك انطباعاً بأن الغرب يناور في هذا الملف؛ فهو من جهة يفرض العقوبات على روسيا لتأكيد دعمه لأوكرانيا وحفظ ماء الوجه، لكنه من جهة أخرى يسعى لتجنب استبعاد روسيا من الخريطة الاقتصادية العالمية.
ويشدد على أن مثل هذا السيناريو سيؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط والغاز، وهو ما سيؤثر سلباً على الاقتصادات الغربية بالدرجة الأولى أكثر من تأثيره على الاقتصاد الروسي.
أزمة الغاز الروسي
وكان أوربان قد ربط الأسبوع الماضي تمديد عقوبات الاتحاد الأوروبي باستئناف أوكرانيا لنقل الغاز الروسي، فضلاً عن حماية آخر خطوط الأنابيب المتبقية التي لا تزال تحمل النفط والغاز الروسي إلى أوروبا من هجمات الطائرات بدون طيار الأوكرانية.
ويشار إلى أن صفقة نقل الغاز بين أوكرانيا وشركة الطاقة الروسية العملاقة المملوكة للدولة غازبروم كانت قد انتهت في الأول من يناير الجاري.
ورغم أن هذه الخطوة كانت متوقعة إلى حد كبير، فإنها أحدثت ضجة في هنغاريا وسلوفاكيا، وهما دولتان غير ساحليتين تعتمدان إلى حد كبير على واردات الغاز من روسيا، وتتمتعان بحكومتين من أكثر الحكومات ودية تجاه روسيا في الاتحاد الأوروبي.
فيما ذكرت المفوضية الأوروبية، في بيان الاثنين، "مواصلة المناقشات مع أوكرانيا بشأن الإمدادات إلى أوروبا من خلال نظام خطوط أنابيب الغاز في أوكرانيا"، مع إشراك هنغاريا وسلوفاكيا في هذه العملية، فضلاً عن "التواصل مع أوكرانيا لطلب ضمانات بشأن صيانة نقل النفط عبر خطوط الأنابيب إلى الاتحاد الأوروبي".
وقال وزير الخارجية الهنغاري بيتر سيارتو على منصة التواصل الاجتماعي "إكس" إن هنغاريا "تلقت الضمانات التي طلبتها بشأن أمن الطاقة في بلادنا".
خسائر محتملة
المحلل الروسي تيمور دويدار، يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- "لا جديد في تمديد العقوبات؛ فهو ببساطة تمديد وتجميد للأصول الروسية في أوروبا التي تُقدّر بحوالي 200 مليار يورو، بالإضافة إلى الأصول المجمدة في الولايات المتحدة الأميركية.
- الخسائر تمتد أيضاً إلى انعدام التبادل التجاري مع الاتحاد الأوروبي وغياب توريدات قطاع الطاقة، مما يترتب عليه خسائر مادية كبيرة للغاية.
ويشير في الوقت نفسه إلى أن "هناك أنباء تفيد بأن الصين والهند قلّلتا بشكل كبير اعتمادهما على المحروقات الروسية بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على ناقلات النفط الروسية. هذا يزيد الوضع سوءاً بالنسبة لروسيا".
وذلك في إشارة إلى ما ذكره متعاملون منتصف الشهر الجاري، بشأن أن شركات التكرير الصينية والهندية ستشتري كميات أكبر من النفط من الشرق الأوسط وإفريقيا والأميركتين، بعد العقوبات الأميركية على على شركات إنتاج النفط والناقلات الروسية.
أما عن تمديد العقوبات الأوروبية، يوضح دويدار أن الأمر كان محط جدل، خاصة في ظل الموقف الغامض من فيكتور أوربان، رئيس وزراء هنغاريا، الذي كان يعارض تمديد العقوبات قبل أن توافق بلاده عليها في اللحظة الأخيرة. وعلّق قائلاً: "هناك تكهنات حول أسباب تراجع هنغاريا عن موقفها، فمنهم من يعزو ذلك إلى تأثير عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وآخرون يرون أن هناك عوامل أخرى غير معلنة.. لكن في جميع الأحوال، فيما يخص الخسائر المادية لروسيا، فهي واضحة كالشمس"، على حد تعبيره، في إشارة إلى حجم التعقيدات الاقتصادية والسياسية التي تواجه روسيا في ظل هذه العقوبات المستمرة.
قلق روسي
ونقلت "رويترز" في وقت سابق عن خمسة مصادر مطلعة، قولهم إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يشعر بقلق متزايد إزاء التشوهات في الاقتصاد الروسي في زمن الحرب، وذلك في الوقت الذي يسعى فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الصراع في أوكرانيا.
- سجل الاقتصاد الروسي، الذي تدعمه صادرات النفط والغاز والمعادن، نمواً قويا خلال العامين الماضيين على الرغم من جولات متعددة من العقوبات الغربية التي فرضت بعد الحرب في أوكرانيا.
- لكن النشاط المحلي أصبح متوترا في الأشهر الأخيرة بسبب نقص العمالة وأسعار الفائدة المرتفعة التي تم إدخالها لمعالجة التضخم، والذي تسارع في ظل الإنفاق العسكري القياسي.
- وقد أسهم ذلك في تعزيز وجهة النظر داخل قطاع من النخبة الروسية القائلة بأن التوصل إلى تسوية تفاوضية للحرب أمر مرغوب فيه، وفقاً لمصدرين مطلعين على التفكير في الكرملين.
وتعهد ترامب، الذي عاد إلى منصبه يوم الاثنين قبل الماضي، بحل الصراع في أوكرانيا سريعاً، وهو الأكبر في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وقال هذا الأسبوع إن فرض المزيد من العقوبات ، فضلاً عن التعرفات الجمركية ، على روسيا أمر محتمل ما لم يتفاوض بوتين، مضيفًا أن روسيا تتجه نحو "متاعب كبيرة" في الاقتصاد. وقال مسؤول كبير في الكرملين إن روسيا لم تتلق حتى الآن أي مقترحات محددة للمحادثات.
ووفق أوليج فيوجين، نائب رئيس البنك المركزي الروسي السابق، فإنه "من المؤكد أن روسيا مهتمة اقتصاديا بالتفاوض على نهاية دبلوماسية للصراع"، مشيرا إلى خطر التشوهات الاقتصادية المتزايدة مع قيام روسيا بزيادة الإنفاق العسكري والدفاعي.
وكانت رويترز قد ذكرت في وقت سابق أن بوتين مستعد لمناقشة خيارات وقف إطلاق النار مع ترامب لكن يجب قبول المكاسب الإقليمية التي حققتها روسيا في أوكرانيا ويجب على أوكرانيا أن تتخلى عن مساعيها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي العسكري بقيادة الولايات المتحدة.