هل تنجح الصين في شق الصف بين سيؤول وطوكيو وواشنطن؟
14:17 - 28 مايو 2024تُشكل منطقة شرق آسيا مسرحاً حيوياً للتنافس الجيوسياسي، حيث تسعى القوى الإقليمية والعالمية إلى تعزيز نفوذها وتوسيع دائرة حلفائها، وتبرز الصين كلاعب رئيسي في هذا المشهد، ساعية إلى ترسيخ مكانتها كقوة عالمية ومركز ثقل إقليمي.
وفي ظل تزايد التوترات بين الصين والولايات المتحدة، تبرز قمة سيؤول، التي جمعت بين زعماء الصين وكوريا الجنوبية واليابان، كحدث هام قد يُعيد رسم خرائط التحالفات في المنطقة، فهل تنجح الصين في توظيف هذه القمة لخلق فرص جديدة للشراكة مع كوريا الجنوبية واليابان على حساب علاقتهما الوثيقة مع الولايات المتحدة؟
وحثت الصين اليابان وكوريا الجنوبية على رفض "الحمائية" ودعم التجارة الحرة خلال قمة ثلاثية في سيؤول، ونقلت وسائل الإعلام الرسمية الصينية عن رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ قوله إنه "يعارض تحويل القضايا الاقتصادية والتجارية إلى ألعاب سياسية أو مسائل أمنية، وإن الدول الثلاث يجب أن تنظر إلى بعضها البعض على أنها شركاء وفرص للتنمية"، وذلك خلال لقائه برئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا والرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول.
واجتمع زعماء كوريا الجنوبيّة والصين واليابان، الاثنين، في سيؤول، في أوّل قمّة ثلاثيّة لهم منذ نحو خمس سنوات وجاءت بعد ساعات على إعلان بيونغ يانغ نيّتها إطلاق قمر اصطناعي تجسّسي جديد.
وفي هذا السياق، ذكر تقرير نشرته CNBC الأميركية واطلعت عليه سكاي نيوز عربية، أن هذه هي القمة الثلاثية التاسعة من نوعها بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية، ولكنها الأولى منذ أكثر من أربع سنوات في سعيهم إلى إعادة تنشيط العلاقات الاقتصادية والأمنية.
وفي بيان مشترك صدر بعد القمة، اتفق الزعماء الثلاثة على "إضفاء الطابع المؤسسي" على التعاون الثلاثي من خلال عقد القمة الثلاثية والاجتماعات الوزارية بانتظام"، كما اتفقوا على مواصلة المحادثات من أجل "تسريع المفاوضات" بشأن اتفاقية التجارة الحرة التي تهدف إلى أن تكون "عادلة وشاملة وعالية الجودة ومفيدة للطرفين".
ونقلت الشبكة الأميركية عن ستيفن ناجي، الأستاذ في الجامعة المسيحية الدولية في طوكيو قوله: "إن القمة كانت حاسمة لتحقيق الاستقرار في العلاقات بين الدول الثلاث، حتى لو لم تتحول إلى نوع من المبادرات الملموسة، فالصين تريد جذب كل من كوريا الجنوبية واليابان بعيداً عن المبادرات التي طرحتها الولايات المتحدة على الطاولة".
وأضاف "في عهد الرئيس جو بايدن، كان هناك نجاح هائل من حيث الجمع بين سيؤول وطوكيو وواشنطن من خلال مبادئ كامب ديفيد، وإن الصين تشعر بالقلق من هذا التعاون وتريد دق (إسفين) بين الولايات المتحدة وبين كل من كوريا الجنوبية اليابان".
بدوره، قال توبياس هاريس، نائب مدير برنامج آسيا في صندوق مارشال الألماني بالولايات المتحدة: "إن الصين سوق ضخمة ولا أعتقد أن أياً من اليابان وكوريا الجنوبية في وضع يسمح لهما بالتخلي عن السوق لصينية لبيع منتجاتها".
البيئة الحاضنة لتعاون الدول الثلاث
وفي حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله الشناوي أستاذ الاقتصاد في جامعة الزقازيق: "رغم أن تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين كل من الصين واليابان وكوريا الجنوبية يصب في مصلحة الدول الثلاث ويمثل خطوة هامة نحو تحقيق التكامل الاقتصادي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، الا انه يواجه العديد من الصعوبات والتحديات، ولكن تجدر الإشارة في البداية إلى بيان البيئة التي تحتضن آفاق التعاون الاقتصادي والتجاري بينهم وفق ما يلي:
- من حيث اغتنام الفرص الجديدة للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الثلاث يمكن القول إنه لم تتحقق الاختراقات القوية في هذا المجال ولكن الآن فقد خلقت الديناميكيات الإيجابية في طبيعة العلاقات بين الدول الثلاث ظروفاً مواتية جديدة لعلاقات اقتصادية أوثق فيما بينها.
- وجود حالة من الدفء في العلاقات الصينية اليابانية، حيث تحسنت العلاقات بينهما لسببين الأول وهو أن اليابان ستحصل على فوائد محدودة حال اعتمدت سياساتها على الولايات المتحدة فقط. والثاني وهو أن اليابان تود تعزيز اقتصادها من خلال تنمية الصين، حيث إنها استنفدت سياسات التحفيز حيث عانى الاقتصاد الياباني من الانكماش، وتناقص الإنتاجية، ونقص عدد السكان، وهي قضايا يمكن حلها عن طريق التعاون مع الصين وما توفره من خدمات مالية وسوق كبير.
- نمو التجارة البينية بين الصين واليابان، حيث ارتفعت صادرات اليابان إلى الصين بمعدل 6.8 بالمئة في عام 2018، رغم ما يعتريها من تقلبات بسبب التحرش التجاري (الاحتكاكات التجارية) المتزايد بين الصين والولايات المتحدة.
- تعميق التفاهم الأمني المتبادل بين الصين واليابان.
- تحسن وإصلاح العلاقات بين الصين وكوريا الجنوبية بشكل متزايد، وتمثل ذلك في نمو التجارة البينية بمعدل زيادة 11.9 بالمئة، ويرجع ذلك إلى اعتماد كل من الاقتصاد الصيني والكوري على بعضهما البعض بشكل كبير، حيث تمثل الصين أكبر شريك تجاري لكوريا، ويعد الاقتصاد الكوري ثالث أكبر شريك تجاري مع الصين، ورابع أكبر وجهة للتصدير، واستفادة كوريا من السوق الصيني الكبير.
- بداية ذوبان الجليد في العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية وهذا يتيح بيئة مناسبة لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري.
صعوبات وتحديات
وحتى تستطيع الصين اجتذاب اليابان وكوريا عن سياسات واشنطن ضد الصين يجب على الصين ضرورة مراعاة مجموعة من التحديات التي يجب أخذها في الاعتبار مع العمل على تلافيها قدر المستطاع وتتمثل هذه التحديات وفقاً للدكتور الشناوي في:
- وجود التغيرات في الترابط الاقتصادي والتجاري بين الدول الثلاث، حيث يضعف هذا الترابط ويخرج عن التوازن، وقد حفزت الأزمة المالية العالمية اهتمام الصين واليابان وجمهورية كوريا للتعاون واستكشاف إنشاء منطقة تجارة حرة للتخفيف من الصدمات الخارجية وتحسين رفاهيتها بشكل عام، ومنذ ذلك الحين، استمرت التجارة بين الصين واليابان وجمهورية كوريا في النمو من حيث القيمة المطلقة، ولكن حصص كل منها في التجارة العالمية تغيرت بشكل كبير. وفي عام 2007، شكلت تجارة السلع بين الصين واليابان وبين الصين وجمهورية كوريا 13.47 بالمئة و8.24 بالمئة من إجمالي تجارة الصين على التوالي. وفي عام 2018، انخفضت الأرقام إلى 12 بالمئة و6.1 بالمئة. وقد انخفض اعتماد الصين على اليابان وجمهورية كوريا في التجارة، بينما اعتمدت اليابان وجمهورية كوريا بشكل أكبر على السوق الصينية.
ومن عام 2007 إلى عام 2018، ارتفعت حصة التجارة مع الصين في إجمالي تجارة اليابان من 17.74 بالمئة إلى 21.37 بالمئة، في حين ارتفعت حصة التجارة مع الصين في إجمالي تجارة كوريا من 19.9 بالمئة إلى 23.56 بالمئة. خلال نفس الإطار الزمني، شهدت التجارة بين اليابان وجمهورية كوريا انخفاض حصتها من 6.1 بالمئة إلى 5.69 بالمئة في التجارة الخارجية لليابان، ومن 11.2 بالمئة إلى 7.42 بالمئة في التجارة الخارجية لجمهورية كوريا الجنوبية، وهو انخفاض طفيف في التجارة الدولية لكل منهما. وبالإضافة إلى ذلك، كان نمو التجارة البينية بين الصين واليابان وجمهورية كوريا الجنوبية أقل من 20 بالمئة لفترة طويلة، وهو أقل كثيراً من 64 بالمئة في الاتحاد الأوروبي، و50 بالمئة في اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، و24 بالمئة في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان).
- التنافس الكثيف بين الدول الثلاث في القطاعات الصناعية، حيث تعد الدول الثلاث من القوى الصناعية العالمية مثل صناعة الإلكترونيات وصناعات أخرى.
- -تعقد البيئة الجيوسياسية والاقتصادية، حيث تنظر أميركا إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ وخاصة شرق آسيا على اعتبار أنها حدود استراتيجيتها العالمية.
عوامل نجاح الصين لاحتواء اليابان وكوريا الجنوبية
وأشار أستاذ الاقتصاد في جامعة الزقازيق إلى أن عوامل نجاح الصين لاحتواء اليابان وكوريا عن سياسات واشنطن تتمثل في:
- ظلت الصين نشطة في تنسيق التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الثلاث. ولم يتم حل السبب الجذري لهذا الصراع الاقتصادي والتجاري بين اليابان وجمهورية كوريا. وقد تم تأجيلها في الوقت الحالي، مما يجعل من الصعب على العلاقات بينهما تحقيق أي تحسن جوهري على المدى القصير. وعلى النقيض من ذلك، ظلت علاقات الصين مع اليابان وجمهورية كوريا تتحسن بشكل مضطرد.
- تعتمد اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير على السوق الصينية ولديهما طلب قوي على التعاون الصناعي. إن تأثير وباء كوفيد-19 على الإلكترونيات والسيارات وغيرها من الصناعات يسلط الضوء مرة أخرى على الدور المحوري للصين في سلسلة القيمة في المنطقة.
- تحرص اليابان وكوريا على التخفيف من تأثير سياسات الحماية التجارية الأميركية وتسعى إلى أن يكون لها دور أكبر في وضع قواعد جديدة للتجارة الدولية.
كيف يمكن إبعاد اليابان وكوريا عن سياسات واشنطن؟
وأوضح الخبير الاقتصادي أنه يمكن للصين إبعاد اليابان وكوريا عن سياسات واشنطن من خلال عدد من الآليات هي:
- توسيع مجالات جديدة للتعاون الثلاثي في مجالات جديدة مثل التجارة الرقمية. وقد تتسارع مفاوضات التجارة الحرة بين الصين واليابان وكوريا، ولكن من الصعب التوصل إلى اتفاقية تجارة حرة شاملة في المستقبل القريب. وبصرف النظر عن القضايا السياسية والتاريخية، لا تزال لدى الدول الثلاثة توقعات متباينة بشأن التحرير والتسهيل في مجالات مثل التجارة في السلع والتجارة في الخدمات والاستثمار الثنائي.
- تعزيز التعاون الثلاثي بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية من خلال آليات متعددة الأطراف مثل الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (حيث يرتبط مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الثلاث ارتباطاً وثيقاً بعملية التكامل الاقتصادي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. يمكن أن توفر الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية للدول الثلاثة تسهيلات التجارة والاستثمار وتحريرها بما يعادل منطقة تجارة حرة، وتساعد في تخفيف أو تخفيف القيود المفروضة على التجارة والاستثمار.
- خلق التآزر بين مبادرة الحزام والطريق وخطط التنمية الإقليمية لليابان وكوريا وفي الاستجابة لمبادرة الحزام والطريق، تحولت اليابان وكوريا من الشكوك والمخاوف إلى المشاركة والتفاعل وفي هذا الصدد، يمكن تحسين مبادرة الحزام والطريق في جوانب ثلاثة وهي الشفافية وتفعيل التنافسية ومبادئ السوق وينبغي تطوير نماذج مبتكرة للمنافسة والتعاون في أسواق الطرف الثالث لتجنب العمليات الحصرية. وبناء المؤسسات، فقد تستكشف الصين إمكانية بناء آليات التفاعل والتعاون مع اليابان وكوريا في تخطيط المشروعات وتشغيلها وإدارتها.
- إذا نجحت الصين في الحصول على دعم من اليابان وكوريا الجنوبية في مواجهة الجهود الأميركية لزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، بما في ذلك السيارات الكهربائية. وباعتبارها الشريك التجاري الأكبر لكل من كوريا الجنوبية واليابان، لابد أن تسعى الصين إلى الاستفادة من قوتها الاقتصادية لخلق انقسامات في نظام التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، في محاولة لجذب الدول إلى جانبها.
- استفادة الصين من نظرة معظم الكوريين إلى تدهور العلاقات الكورية الصينية باعتباره أحد أكبر أسباب تدهور الاقتصاد الكوري.
ولا شك أن الصين ستسعى إلى إثناء اليابان وكوريا الجنوبية عن الانضمام إلى الجهود التي تقودها واشنطن لزيادة تقييد صادرات معدات الرقائق المتقدمة إلى الصين، ويرجع السبب إلى قيام اليابان بسن قانون تعزيز الأمن الاقتصادي للحد من التبعية الاقتصادية من خلال تنويع سلاسل التوريد وفرض إجراءات صارمة على صادات التكنولوجيا الحساسة، بحسب تعبيره.
الارتباط الأقوى
من جهته، قال الرئيس التنفيذي لمركز "كروم للدراسات الاستراتيجية" طارق الرفاعي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "لن تنجح الصين في إبعاد كوريا الجنوبية واليابان عن سياسات واشنطن، فاليابان وكوريا الجنوبية مرتبطتان تماماً مع سياسة الولايات المتحدة الأميركية وكذلك هم مرتبطون اقتصادياً، والصين بالفعل تحاول جذبهما لكنها لن تستطيع".
صحيح أن التبادل التجاري بين الصين وكل من اليابان وكوريا الجنوبية جيد، ولكن ذلك ليس أقوى من ارتباطهما بالولايات المتحدة، بحسب الرفاعي الذي يرى أن كل من اليابان وكوريا الجنوبية لن يقتربا من الصين على حساب بعدهما عن الولايات المتحدة في المدى المنظور.
وأرجع الرفاعي الرابط القوي بين كل من اليابان وكوريا الجنوبية بالولايات المتحدة إلى أن الأخيرة تتحكم تاريخياً بسياسة هاتين الدولتين إذ بعد الحرب العالمية الثانية سيطرت أميركا على اليابان، وكذلك بعد الحرب الكورية سيطرت على كوريا.