هل تستطيع البنوك معالجة أزمة تغير المناخ؟
19:52 - 17 مايو 2024تلعب البنوك دوراً رئيسياً في المجتمعات لتمويل الاقتصاد ودعم النمو الاقتصادي. ومع التغيرات المناخية المتسارعة التي تواجه العالم اليوم، أصبح لديها دور أكبر وأكثر تحدياً في مواجهة هذه التحديات.
يعد تغير المناخ واحداً من أكبر التحديات التي يواجهها العالم، إذ يؤثر على جوانب الحياة كافة، لا سيما البيئية والاقتصادية.. وفي هذا السياق، يمكن للبنوك أن تلعب دوراً فعّالاً في تعزيز الاستدامة ومواجهة آثار تغير المناخ.
تتنوع أدوار البنوك في عددٍ من المحاور الرئيسية، من بينها تمويل المشاريع الخضراء، مع تعزيز المسؤولية المجتمعية، ودعم الاستثمار المستدام والمسؤول، جنباً إلى جنب ودعم الابتكار والأبحاث في هذا السياق، مع مساندة مشاريع تعزيز الوعي والتثقيف.
لكن هل يُمكن اعتبار البنوك "أدوات خارقة" للتغيير وحل أزمة المناخ العالمية؟
عن ذلك المحور الرئيسي المرتبط بدور البنوك في مواجهة أزمة تغير المناخ، تحدثت كاتي مارتن، في صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، مشيرة إلى أنه في العام 2021، تعاون العشرات من المصارف في تحالف الخدمات المصرفية صفرية الانبعاثات، الذي تقوده الأمم المتحدة (..) وتعهدوا بمسارات للوصول إلى صافي الصفر بحلول العام 2050 أو قبل ذلك.
لكن على الرغم من أنهم قد يبذلون قصارى جهدهم، إلا أن التأثير محدود، كما تشير دراسة جديدة، استعرضتها كاتبة المقال، بالإشارة إلى أن كلاً من بارينثا ساستري من كلية كولومبيا للأعمال، وإميل فيرنر من كلية سلون للإدارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وديفيد ماركيز إيبانيز من البنك المركزي الأوروبي، نشروا كتاباً بعنوان "العمل كالمعتاد: التزامات البنوك الصافية الصفرية والإقراض والمشاركة" في نهاية العام الماضي، وقاموا بتحديثه في أبريل ببيانات إضافية تغطي تمويل المشاريع.
يمكن تلخيص النتائج الرئيسية على النحو التالي:
- "لا يوجد دليل" على أن البنوك الموقعة (ضمن التحالف) توقفت عن إقراض المقترضين غير البيئيين.
- البنوك لا تقلل من عرض الائتمان للقطاعات التي تستهدفها لإزالة الكربون ولا تزيد تمويل مشاريع الطاقة المتجددة.
- "من غير المرجح أن يقوم المقترضون من البنوك المذكورة بتحديد أهداف لإزالة الكربون أو تقليل انبعاثاتهم التي تم التحقق منها".
- الالتزامات المناخية لا تؤدي إلى تغييرات ذات معنى في سلوك البنك.
وقالت كاتبة المقال إن تتبع أسعار أسهم الشركات الكبرى المدرجة، سواء كانت تنتج الكربون أو خضراء "أمر سهل"، كما يمكن القول إن الإقراض المصرفي أكثر تأثيرا، وخاصة في أوروبا، حيث يشكل جزءا أكثر أهمية من تمويل الشركات، لكن مراقبته أكثر صعوبة.
- تستخدم الدراسة ما وصفته ساستري بمجموعات فريدة من البيانات من البنك المركزي الأوروبي والتي مكنت الباحثين من تتبع الإقراض في منطقة اليورو (..).
- وجد الباحثون أن البنوك التي تتبنى أهداف الانبعاثات الصفرية، مقارنة بنظرائها من غير الذين يتبنون تلك الأهداف "لا تعيد تخصيص الإقراض بعيدا عن الشركات العاملة في القطاعات المستهدفة".
- ومن ناحية أخرى، فإن الزيادة في الإقراض للشركات التي تستوفي المعايير الخضراء بموجب تصنيف الاتحاد الأوروبي ضئيلة، وتزداد تكلفة الاقتراض للقطاعات "البنية" مثل التعدين بدرجة ضئيلة.
- إذا لم تقم البنوك ذات العقلية الخضراء (الداعمة للمناخ) بإقراض الشركات الملوثة، فإن المقرضين الآخرين الذين لا يهتمون حقاً سوف يكونون سعداء بسد الفجوة!
لكن تلك التطبيقات العملية التي تكشف مدى التزام البنوك بمسار التمويلات الخضراء بشكل عملي، لا تنفي الدور القوي الذي يُمكن للبنوك التوسع فيه، في وقت أصبح دورها حاسماً في مواجهة تغير المناخ لتحقيق التنمية المستدامة.
يمكن للبنوك أن يكون لها تأثير كبير في تعزيز الاستدامة البيئية والحد من تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات والاقتصادات على المدى الطويل.
وفي تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، تحدث خبراء ومختصون في قضايا المناخ عن أبرز الأدوار التي يُمكن للبنوك القيام بها في هذا السياق، والمشاريع ذات الصلة.
دور هام مع أزمات التمويل العالمية
استشاري التغيرات المناخية بالأمم المتحدة وعضو الهيئة الدولية لتغير المناخ، سمير طنطاوي، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن البنوك الوطنية داخل كل دولة لها دور كبير في تمويل المناخ، مشدداً على أنها في الفترة الأخيرة شهدت اهتماماً كبيراً بالتغيرات المناخية، وبدأت في تخصيص إدارات ائتمانية مخصصة للمشاريع المناخية سواء تخفيف الانبعاثات والتكيف مع المتغيرات المناخية.
ويشير إلى أن دور البنوك حيوي في كل دولة في إطار عمليات تمويل المناخ وداعم للمنظمات الدولية والصناديق الدولية المخصصة لذلك، موضحاً أن هذا الدور يتضاعف في ضوء الأزمة العالمية في تمويل المناخ وصعوبة في الوصول إلى التمويلات المناخية المتاحة من خلال الصناديق الدولية التي تم إنشاؤها لتمويل المناخ.
بالإضافة إلى صعوبة الوصول إلى تمويلات من خلال المنظمات الدولية، الأمر الذي يتطلب إعداد مقترحات محددة فيما في إطار صيغة معينة، وهو ما تفتقر معظم الدول النامية إليه، مع افتقادها بعض الخبرات والدراسات اللازمة وفقا لشروط الجهات المانحة.
دور البنوك
وإلى ذلك، يقول عضو البرلمان العالمي للبيئة، وفيق نصير، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن دور البنوك في المساهمة في معالجة أزمة المناخ يتضمن عدة جوانب، بالإشارة إلى أهمية دور البنوك الحيوي في المساهمة في معالجة أزمة المناخ من خلال توجيه الاستثمارات نحو الاستدامة البيئية وتمويل المشاريع التي تقلل من الانبعاثات الضارة بالبيئة.
- تمويل الأنشطة البيئية: تلعب البنوك دورًا مهمًا في توجيه الاستثمارات نحو مشاريع تعزز الاستدامة البيئية وتقليل الانبعاثات الضارة بالبيئة.
- تحفيز الشركات على الاستدامة: من خلال تقديم تسهيلات ائتمانية ودعم مالي للشركات التي تتبنى ممارسات بيئية أكثر استدامة، إذ تسهم البنوك في تعزيز الشركات الصديقة للبيئة.
- دعم التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون للوصول إلى صفر كربون بحلول 2050، وهو الهدف الذي تم التأكيد عليه خلال Cop28، بالإشارة كذلك إلى أهمية دور البنوك في تمويل البنية التحتية والصناعات التي تعمل على تحويل القطاعات الإنتاجية إلى أنظمة "منخفضة الكربون"، مما يسهم في تقليل الانبعاثات الضارة بالبيئة.
- تعزيز الاستدامة البيئية: عبر توجيه الاستثمارات نحو مشاريع تعزز الاستدامة البيئية وتحد من الانبعاثات، حيث تلعب البنوك دورًا حيويًا في معالجة أزمة المناخ والحفاظ على البيئة.
التمويل المسؤول والمستدام
ويؤكد استشارى تغير المناخ والتنمية المستدامة، السيد صبرى، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن البنوك ومؤسسات التمويل الدولية لها دور هام فى تشجيع تمويل المشروعات الخضراء التى تسهم فى الحد من الانبعاثات الكربونية.
ويضيف: من بين أهم تلك المشروعات مشروعات الطاقة المتجددة، ومنها الطاقة الشمسة، وكذا الزراعة الذكية، ومشاريع الإدارة المتكاملة للمياه، بالإضافة إلى عدد آخر من المشاريع مثل التكنولوجيا النظيفة وكل هذا تحت مسمى التمويل المستدام وكذلك التمويل المسؤول.
ومن جانبه، يرى عضو مجلس الطاقة العالمي، ماهر عزيز، أن:
- البنوك بمفردها لا تستطيع حل أزمة المناخ؛ لأن هذا الحل يحتاج تضافر الدول كافة في العالم أجمع بما في ذلك المؤسسات السياسية والاقتصادية الوطنية والدولية على المستويات المختلفة.
- بالإضافة إلى دور المجتمعات المدنية والجمعيات الأهلية في أنحاء العالم، والأكاديميات والصناعة ورجال الأعمال والشعوب كافة، لمواجهة مثل هذه الأزمة.
- على الرغم من ذلك تقف البنوك في صدارة الجهات الفاعلة في حل أزمة المناخ ؛ لما لها من ملاءة مالية كبيرة وحوافظ متعددة من أساليب تمويل المشروعات في مساري مقاومة التغير المناخي الرئيسيين، التخفيف والتكيف.
فيما يؤكد أستاذ التكنولوجيا الحيوية البيئية، الدكتور تحسين شعلة، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن البنوك دورها محوري مع الأمم المتحدة في التغيرات المناخية، لتوجيه التمويل للمشاريع التي تخدم الطاقة الجديدة والمتجددة، موضحاً أن هذا الدور المحوري يتنوع بين القدر على تمويل مشاريع ممثلة في:
- المشاريع التي تخدم الاقتصاد الأخضر مثل الهيدروجين وإنتاج الطاقة الكهربائية من الرياح.
- دعم المشاريع الابتكارية لإنتاج الطاقة النظيفة والمتجددة كتوجه استراتيجي في جميع دول العالم وتقليل ملوثات البيئة.
- إعادة تدوير المخلفات بما يخدم البيئة مثل البلاستيك والزجاج.