الصين تشفط ذهب العالم وكأنه سيختفي من الأسواق
11:07 - 06 مايو 2024مع القفزات الكبيرة في أسعار الذهب هذا العام لتصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، انضم العديد من الصينين إلى هذه الموجة من خلال شراء أقساط شهرية من "حبوب" الذهب، وهي قطع صغيرة تشبه الحصى من المعدن النفيس.
بالنسبة لـ شياو لين، وهي عاملة إدارية تبلغ من العمر 25 عامًا في جنوب الصين، فإن حبات الذهب التي تبلغ قيمتها 80 دولارًا أمريكيًا - وهي صغيرة بما يكفي لتستقر على طرف الإصبع وتزن حوالي ثلاثين جزءًا من الأونصة (الأونصة تعادل 31.1 غرام) - كانت طريقة ميسورة التكلفة للمشاركة في شغف الذهب دون الحاجة إلى إنفاق كل المدخرات في المجوهرات أو سبائك الذهب أو العملات المعدنية. لقد خاضت شياو لين غمار الاستثمار في الأسهم في الماضي، لكنها تقول إن شراء الذهب، وخاصة بهذه الطريقة الممتعة، شجعها على الاستمرار في الاستثمار.
يُعتبر الذهب عادة استثمارًا آمنًا خلال فترات الاضطرابات الجيوسياسية والاقتصادية، وقد ارتفع سعره استجابةً للعمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا والحرب في قطاع غزة. لكن ارتفاع سعر الذهب إلى أعلى من 2400 دولار أميركي للأونصة أثبت أنه أكثر مرونة وثباتا بسبب النهم الصيني على المعدن الأصفر.
توجه المستهلكون الصينيون إلى الذهب مع تراجع ثقتهم في الاستثمارات التقليدية مثل العقارات أو الأسهم. في الوقت نفسه، يضيف البنك المركزي الصيني باستمرار إلى احتياطياته من الذهب، بينما يتخلص تدريجيا من حيازاته من سندات الخزانة الأميركية. ويزيد المضاربون الصينيون الذين يراهنون على وجود مجال أكبر للارتفاع من حدة الاهتمام بالذهب.
كانت الصين تُمارس بالفعل نفوذاً كبيراً في أسواق الذهب. لكن نفوذ البلاد أصبح أكثر وضوحًا خلال هذه الفترة الصعودية الأخيرة - حيث ارتفع السعر العالمي بنسبة تقارب 50 بالمئة منذ أواخر عام 2022. واستمر في الوصول إلى مستويات جديدة على الرغم من العوامل الرئيسية التي جعلت من الذهب استثمارًا تقليديًا أقل جاذبية بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وقوة الدولار الأميركي.
في الشهر الماضي، ارتفعت أسعار الذهب حتى بعد أن أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه سيبقي على أسعار الفائدة المرتفعة لفترة أطول. وقد استمرت في الارتفاع حتى مع ارتفاع الدولار الأميركي مقابل كل العملات الرئيسية تقريبًا في العالم هذا العام.
تراجعت الأسعار إلى حوالي 2300 دولار للأونصة، ولكن هناك شعور متزايد بأن سوق الذهب لم يعد محكومًا بالعوامل الاقتصادية، بل بأهواء المشترين والمستثمرين الصينيين.
وفقًا لـ "روس نورمان"، الرئيس التنفيذي لشركة MetalsDaily.com، وهي منصة معلوماتية عن المعادن النفيسة ومقرها لندن، فإن "الصين هي بلا شك المحرك الرئيسي لسعر الذهب". وأضاف: "تحول تدفق الذهب إلى الصين من مجرى ثابت إلى سيل عرم أي شديد الحركة."
ووفقًا لاتحاد الذهب الصيني، فقد ارتفعت عمليات شراء الذهب في البلاد بنسبة 6 بالمئة في الربع الأول مقارنة بالعام السابق. وجاء هذا الارتفاع بعد زيادة بنسبة 9 بالمئة في العام الماضي.
أصبحت الاستثمارات في الذهب أكثر جاذبية مع تراجع أداء الاستثمارات التقليدية. فلا يزال قطاع العقارات الصيني، الذي يُعد وجهة لمدخرات معظم العائلات، يعاني من الأزمة. كما لم تستعد ثقة المستثمرين في سوق الأسهم الصيني بالكامل. وقد انهارت سلسلة من صناديق الاستثمار الكبيرة التي تستهدف الأثرياء بعد رهانات فاشلة على العقارات.
ومع قلة البدائل الجيدة، تدفق المال إلى الصناديق الصينية التي تتداول بالذهب، ولجأ العديد من الشباب إلى جمع الذهب على شكل حبيبات صغيرة الحجم.
في موقع تاوباو التابع لشركة علي بابا، وهي واحدة من أكبر منصات التجارة الإلكترونية في الصين، باعت تاجرة حبوب الذهب على بث مباشر - يجمع بين شبكة التسوق المنزلي وأمازون. قالت إن شراء حبوب الذهب "يشبه التسوق، ولكنه استثمار".
تأتي حبوب الذهب الصغيرة بخمسة أشكال، بما في ذلك شكل يشبه الفول السوداني وشكل آخر يشبه البرسيمون (الكاكي). وأضافت أنه مقابل دفع 87 دولارًا أميركيًا لكل حبة، يمكن لأي شخص المشاركة في طفرة الذهب بسعر وجبة الـ Hot Pot (وهي وجبة صينية تُطهى بالغليان).
بدأت كيلي تشونغ، وهي معلمة في بكين، شراء الذهب في عام 2020 في بداية الوباء. لقد جمعت أكثر من 2 رطل (0.9 كجم) من سبائك الذهب، لكنها استثمرت أيضًا في المعدن الأصفر من خلال صناديق الاستثمار المتداولة. وقالت إنها استلهمت من مقولة قديمة: "اليشم في زمن الرخاء، والذهب في زمن الشدة"، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.
مع شعورها بأن العالم أصبح أكثر اضطرابا وفوضوية، أضافت تشونغ إلى مخزونها، مراهنة على أن أسعار الذهب سترتفع فقط. لقد توقفت عن الشراء ، لكنها ليست مستعدة للبيع. لا ترى أي سبب لذلك. لا يزال الاقتصاد الصيني يعاني، ولا يبدو أن العقارات أو الأسهم استثمارًا سليما.
وقالت: في النهاية يجب أن يتم ادخار المال في مكان ما.
المركزي الصيني يزيد احتياطياته للشهر 17 على التوالي
هناك مشتر كبير آخر للذهب في الصين وهو البنك المركزي للبلاد. في مارس، أضاف بنك الشعب الصيني إلى احتياطياته من الذهب للشهر السابع عشر على التوالي. وفي العام الماضي، اشترى البنك كمية من الذهب أكثر من أي بنك مركزي آخر في العالم، مضيفًا إلى احتياطياته أكثر مما أضافه في السنوات الخمسين الماضية تقريبًا.
تشتري بكين الذهب لتنويع صناديق احتياطياتها وتقليل اعتمادها على الدولار الأميركي، والذي يُعتبر منذ فترة طويلة العملة الأهم للاحتفاظ بها كاحتياطي.
وتقوم الصين بخفض حيازاتها من سندات الخزانة الأميركية. ففي مارس، كانت الصين تمتلك سندات حكومة أميركية بقيمة حوالي 775 مليار دولار، انخفاضًا من حوالي 1.1 تريليون دولار في عام 2021.
من جانبه، قال مازن سلهب، كبير استراتيجي الأسواق – BDSwiss MENA، في تصريحات خاصة لسكاي نيوز عربية: "كان واضحاً أن شراء الصين القوي للذهب في العام الماضي مرتبط بتموضع استراتيجي من بنك الشعب الصيني الذي يحاول رفع نسبة الذهب في هذه الاحتياطات، حيث يشكل الذهب فقط 4.3 بالمئة من احتياطات الصين للعملات الأجنبية مع نهاية الربع الأول 2024، بينما تصل هذه النسبة 69 بالمئة في ألمانيا، 26.2 بالمئة في روسيا 33.9 بالمئة لدى البنك المركزي الأوروبي".
وتابع قائلا: "في عملية التوسع الصيني الاقتصادية عالمياً لابد للصين من أن تتخلى عن تأثير الدولار الأميركي وتبتعد بهامش أعلى عن السيطرة الأمريكية، أمريكا التي تخسر من حصتها السوقية مقابل التوسع الصيني البطيء لكنه مستمر".
وأكد سلهب أن أميركا لا تزال الدولة الأولى في العالم باحتياطات الذهب بأكثر من 8130 طن، مشيرا إلى أن الصين بعيدة نسبياً مع فقط 2245طن أي أن الصين أمامها طريق طويل للحاق بأميركا وحتى بألمانيا مثلاً 3352طن، ومقتربة من فرنسا 2437 طن، وروسيا 2330 طن وكذلك إيطاليا 2451 طن.
وقال مازن سلهب: "في دولة محكومة بالحزب الواحد مثل الصين يبقى التضخم موضوعاً معقداً شعبياً واقتصادياً، حيث لا تريد الحكومة الصينية ايقاظ التذمر الشعبي فيما لو ارتفع التضخم خاصةً مع أزمة العقارات الأخيرة وهذا يعني أن الشعب الصيني الذي يتملك ثقافة تقليدية عميقة يهتم أكثر بالرهان على الأصول الحقيقية ومنها المعادن الثمينة أكثر من الأدوات الاستثمارية المالية المتقدمة".
"على الجهة الأخرى مع تراجع اليوان الصيني 1.5 بالمئة في 2024 مقابل الدولار الأمريكي وتقريباً -5 بالمئة في عام كامل، تبدو الصين مرتاحة لهذه النسب في مواجهة التنافس القاسي في آسيا مع اليابان (الين متراجع -10 بالمئة مقابل الدولار $ في 2024) و الهند (الروبية المتراجعة -0.5 بالمئة مقابل $ في 2024)، وحتى تحافظ الصين على هذه الهامش في تجارتها وصادراتها يلزمها عملة مستقرة وهذا بالضبط يتناسب مع استراتيجية الصين في بناء احتياطي أكبر من الذهب في عملية ستأخذ عقوداً حسب اعتقادنا"، بحسب مازن سلهب، كبير استراتيجي الأسواق – BDSwiss MENA.
وقال جوان تاو، كبير الاقتصاديين العالميين في BOC International في بكين، إنه عندما زادت الصين حيازاتها من الذهب في الماضي، كانت تشتريها محليًا باستخدام اليوان.
لكن هذه المرة فإن البنك المركزي الصيني يستخدم العملات الأجنبية لشراء الذهب - مما يقلل فعليًا من تعرضه للدولار الأميركي وعملات أخرى، بحسب جوان تاو.
بدأت العديد من البنوك المركزية، بما في ذلك الصين، بشراء الذهب بعد أن اتخذت وزارة الخزانة الأميركية خطوة نادرة بتجميد حيازات روسيا من الدولار بموجب العقوبات المفروضة على موسكو. وفرض حلفاء أميركيون آخرون قيودًا مماثلة على عملاتهم.
وقال جوان تاو إن العقوبات هزت "أسس الثقة بالنظام النقدي الدولي الحالي" وأجبرت البنوك المركزية على حماية احتياطياتها بمزيد من الحيازات المتنوعة.
وأضاف: "يمكننا أن نرى أن هذه الموجة من ارتفاع الذهب قد تكون مختلفة عن ما كان يحدث في الماضي".
على الرغم من أن بكين تشتري الذهب، إلا أن المعدن لا يمثل سوى حوالي 4.6 بالمئة من احتياطيات النقد الأجنبي الصينية. ومن حيث النسبة المئوية، تحتفظ الهند بنحو ضعف كمية ذهب الصين في احتياطياتها.
وقد أدى الجمع بين عمليات شراء التجزئة القوية من قبل المستهلكين الصينيين ومشتريات البنك المركزي إلى جذب اهتمام المضاربين في الأسواق في شنغهاي الذين يراهنون على أن هذا الاتجاه سيستمر، إذ تضاعف متوسط حجم تداول الذهب على بورصة شنغهاي للعقود الآجلة بأكثر من الضعف في أبريل مقارنة بالعام السابق.
وقال نورمان من موقع MetalsDaily "إنهم يسبحون مع التيار. تسيطر الصين الآن على سوق الذهب".
بالنسبة للصينية لين، فإن شراء حبوب الذهب أمر يجعلها راضية، كما قالت، لأنه يشبه التسوق غير الضروري ولكنها تستثمر أموالها بالفعل في شيء يمكنها لمسه. وأضافت أنها ستستمر في شراء المزيد من الحبوب الذهبية.
وقالت: "سعر الذهب يرتفع وينخفض دائمًا. لكن الارتفاع ضمن النطاق الذي يمكنني تحمله، لذلك أعتقد أنه لا بأس"، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.