رسالة باول المشفرة.. هل يعيد الفيدرالي حساباته تجاه الفائدة؟
21:20 - 02 مايو 2024
مع عناد التضخم في الولايات المتحدة على مدى ثلاثة أشهر متتالية وإبقاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الأربعاء معدلات الفائدة دون تغيير، للمرة السادسة، يرسل جيروم باول رئيس المجلس رسالة طمأنة للأسواق بأن أسعار الفائدة من المرجح أن تتجه نحو الانخفاض هذا العام!
هذه الرسالة دفعت المهتمين من مستثمرين ومحللين للتساؤل فيما إذا كان باول يضلل الأسواق رغم تأكيده مراراً وتكراراً بأن بوصلته في تحديد السياسة النقدية هي البيانات، أم أن الفيدرالي فعلاً سيعيد حساباته لمسار الفائدة وتنحية البيانات جانباً؟
لكن قد لا تؤدي الرسالة المطمئنة التي أرسلها باول عقب اجتماع السياسة النقدية للبنك المركزي إلى تهدئة مستثمري الأسهم والسندات الأمريكية المنهكين، حيث تعمل حالة عدم اليقين بشأن مسار التضخم على تكثيف التركيز على البيانات القادمة، وفقاً لمقال تحليلي نشرته "رويترز" بعنوان "لهجة باول الهادئة قد لا تكون كافية للأسواق التي تعاني من التضخم".
أخبار ذات صلة
وأشار المقال إلى أنه "على الرغم من اعتراف بأول بعدم إحراز تقدم مؤخراً في معركة الاحتياطي الفيدرالي ضد ارتفاع أسعار المستهلكين، إلا أنه كرر وجهة النظر القائلة بأن أسعار الفائدة من المرجح أن تتجه نحو الانخفاض هذا العام، إذ كان ذلك بمثابة ارتياح لأولئك الذين يشعرون بالقلق من أن الفيدرالي قد يتطلع إلى المزيد من زيادات أسعار الفائدة بعد ثلاثة أشهر متتالية من التضخم أقوى من المتوقع.
ومع ذلك، يعتقد بعض المستثمرين أن السوق من غير المرجح أن تصدق كلمة باول هذه المرة بعد أن أعقب التحول الحذر الذي تم الترحيب به كثيراً في ديسمبر عدة أشهر من المفاجآت الصعودية بشأن التضخم والتوظيف، وقالوا إن سلسلة أخرى من البيانات الاقتصادية القوية يمكن أن تحيي المخاوف من رفع أسعار الفائدة وتزيد من الاضطرابات في الأسهم والسندات، بحسب المقال.
وأبقى مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الأربعاء على معدلات الفائدة دون تغيير للمرة السادسة على التوالي عند مستوى 5.25 و5.5 بالمئة، بينما توقف عن رفع الفائدة للمرة الأولى في سبتمبر 2023، وذلك بعد زيادتها 11 مرة منذ مارس 2022.
وفيما حقق الفيدرالي تقدماً لافتاً في تراجع معدلات التضخم خلال العام الماضي نزولاً من أعلى مستوى سجله في أكثر من 40 عاماً عند 9.1 بالمئة في يونيو 2022، إلى أنه البيانات خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2024 جاءت صادمة وغير متوافقة مع توقعات الأسواق وأبعدت التضخم عن المستوى المستهدف عند 2 بالمئة.
وتسارع معدل التضخم السنوي في الولايات المتحدة خلال شهر مارس الماضي، بأكثر من التوقعات، وسط ارتفاع تكاليف البنزين والمعيشة، حيث ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين إلى 3.5 بالمئة في مارس، من 3.2 بالمئة في فبراير.
وعكست تقلبات السوق الأربعاء قلق المستثمرين، حيث أغلق مؤشر S&P 500 منخفضاً بنسبة 0.3 بالمئة بعد الارتفاع الذي شهده بأكثر من 1 بالمئة خلال المؤتمر الصحفي لباول. وانخفضت العائدات على سندات الخزانة القياسية لأجل 10 سنوات، والتي تتحرك عكسيا مع الأسعار، بنحو 10 نقاط أساس.
من يقود قرار الفيدرالي
وقال مازن سلهب، كبير استراتيجي الأسواق في "BDSwiss MENA" في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، "مجدداً، أبقى جيروم باول على سؤال مهم مفتوحاً على الاحتمالات دون جواب واضح.. من يقود حالياً قرار الفيدرالي الأميركي، هل تقوده الأسواق وتتحكم به أو أن البنك المركزي (الفيدرالي الأميركي) هو فعلاً صاحب القرار الأساسي في جميع الحالات سواءً تراجع التضخم أو بقي مرتفعاً بتأثير عوامل مختلفة؟".
لا جواب واضح حتى الآن، لكن الأهم هو حقيقة مفادها أن ما كان يقوم به الفيدرالي الأميركي من سياسات نقدية في ثمانينات القرن الفائت على زمن فولكر ومن ثم غرينسبان لم يعد هو الأساس حالياً، بمعنى تحول الفيدرالي من ربّان السياسة النقدية الأمريكية الى لاعب مهم في الأسواق عموماً (وهذا ليس سيئاً بالضرورة) وفقاً لسلهب.
لا تضليل للأسواق
ويرى سلهب أن باول لا يحاول تضليل الأسواق، بل كان واضحاً بأن القرار المقبل لن يكون رفعاً للفائدة بل الاتجاه إلى مستوى أدنى للفائدة تدريجياً، وهذا أرسل رسالة ايجابية اتجاه الأصول العالية المخاطر دون أن يغير من اعتماده على البيانات الأميركية أولاً و آخراً متجنباً الدخول في لعبة التوقيت التي يحبها الكثير من المضاربين.
واعتبر كبير استراتيجي الأسواق في "BDSwiss MENA" أن جيروم باول كان ناجحاً الى حد كبير في التواصل مع الأسواق مؤخراً دون تغيير أساسيات القرار المقبل للفيدرالي الأميركي والذي سيراعي تراجع التضخم إلى 2 بالمئة هدف الفيدرالي المعلَن (يستقر التضخم حالياً عند 3.5 بالمئة ومؤشر إنفاق الاستهلاك الشخصي الأمريكي عند 2.7 بالمئة في شهر مارس مرتفعاً من 2.5 بالمئة في يناير).
كما أن تكاليف التوظيف الأميركي ارتفعت بأعلى وتيرة في عام كامل تقريباً في الربع الأول من 2024 وهذا التكاليف تشير إلى ضغوط التكلفة على الشركات الأميركية والذي بدوره قد يقود إلى تضخم في الخدمات والبضائع التي يتم إنتاجها، بحسب تعبيره.
وأردف سلهب "قد يكون الأجدى بالفيدرالي أن يتخلى عن هدفه السابق للتضخم عند 2 بالمئة آخذاً بعين الاعتبار تغير الديموغرافية الأميركية، تغير سلاسل الإنتاج العالمية في العقود الأخيرة، سلوك المستهلك الأميركي وأخيراً التجارة الدولية وعولمتها التي باتت مختلفة عما كانت عليه قبل ثلاثة عقود.
أخبار ذات صلة
تخفيض الفائدة لن يكون سريعاً
إن تخفيض الفائدة لن يكون سريعاً وهذا سيقود أميركا الى ركود تضخمي في أسوء السيناريوهات دون تجنب هكذا سيناريو طبعاً في الربع الأخير من 2024 أو الربع الأول 2025.ـ إذ كان الحذر واضحاً في كلام جيروم باول وهذا سيستمر في الأشهر المقبلة لأنه لا يريد إعطاء رسالة خاطئة ولا يريد الدخول في سيناريوهات غير مفضلة للفيدرالي مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في الربع الأخير من هذا العام، طبقاً لما قاله سلهب.
التوجهات بشأن المستقبل لم تتغير
من جهته، يرى الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في "ATA Global Horizons"، في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" علي حمودي أن الحقائق التي يجب على جيروم باول أن يأخذها في الاعتبار هي أن الاقتصاد الأميركي لا يزال مرناً وينمو، وأن سوق العمل أيضاً لا يزال قوياً وأن معدل التضخم لا يزال أعلى من الهدف، لذلك عندما يتعلق الأمر بسياسة أسعار الفائدة، فإن مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الحقيقة لم يغير شيئاً بالأمس ولم يخرج عما كان متوقعاً منه
والأهم من ذلك أن التوجهات بشأن المستقبل لم تتغير كثيراً أيضاً، لأن محافظي الفيدرالي أضافوا جملة جديدة إلى بيانهم الصادر عن الاجتماع الأخير في مارس للاعتراف بأنه "في الأشهر الأخيرة، كان هناك عدم إحراز تقدم نحو هدف معدل التضخم الذي حددته اللجنة بنسبة 2 بالمئة"، ومن الواضح أن هذا يجعل من الصعب خفض أسعار الفائدة بشكل وشيك، لذا فإن ذكر ذلك بشكل صريح له بعض الأهمية. ومع ذلك، فإن الفيدرالي لا يقول سوى ما يمكن للجميع والأسواق رؤيته بوضوح بالفعل، بحسب تعبيره.
وأضاف محلل الأسواق حمودي: "فكيف يترجم هذا الآن إلى احتمالات خفض أسعار الفائدة؟ لقد دخلت الأسواق يوم أمس وهي تستسلم لتخفيضات أقل بكثير هذا العام مما كان متوقعاً في السابق، تم الآن تسعير خفض واحد فقط لسعر الفائدة بالكامل من قبل سوق العقود الآجلة لأسعار الفائدة الفيدرالية، بحلول ديسمبر".
والآن أصبح الأمر واضحاً جداً كان السوق على حق في تقليص آماله في التخفيضات، لكنه لم يكن بحاجة إلى القلق بشأن أي زيادات أخرى في أسعار الفائدة، ما لم يحدث شيء كبير أو غير متوقع، كما هو الحال أثناء الجائحة وفقاً للرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في "ATA Global Horizons".
السوق حذرة .. وتنتظر البيانات
بدوره، قال ستيف هوكر، مدير الحفظة في شركة «نيوفليت أسيت مانجمنت»: «إذا كان الاحتياطي الفيدرالي سيعتمد على البيانات كما يدعي، فسوف تقوم السوق بفحص كل نقطة بيانات لمعرفة ما إذا كان ذلك يعني ارتفاعاً لفترة أطول أو احتمال عودة رفع أسعار الفائدة إلى الطاولة".
تأتي أول نقطة بيانات رئيسية يوم الجمعة، مع تقرير التوظيف الأميركي الذي يحظى بمتابعة وثيقة. مزيد من الأدلة على أن سوق العمل أقوى من المتوقع يمكن أن يستمر في تآكل التوقعات بشأن مدى عمق خفض الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة هذا العام. ويقوم المستثمرون الآن بتسعير التخفيضات بنحو 35 نقطة أساس في عام 2024، مقارنة بأكثر من 150 نقطة أساس تم تسعيرها في يناير، وستتبع البيانات المتعلقة بكل شيء بدءاً من التضخم وحتى مبيعات التجزئة في وقت لاحق من مايو الجاري.
وعلى الرغم من أن الأسهم ليست بعيدة عن الارتفاعات القياسية التي سجلتها في وقت سابق من هذا العام، إلا أن ارتفاعها قد تذبذب مع تلاشي توقعات خفض أسعار الفائدة في الأسابيع الأخيرة، مما دفع مؤشر S&P 500 إلى تحقيق أسوأ أداء له منذ سبتمبر الشهر الماضي، وظل مستثمرو السندات يكافحون لعدة أشهر، مع ارتفاع عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بمقدار 70 نقطة أساس منذ بداية العام حتى الآن.
من جهته، قال بول ميلكزارسكي، رئيس الاستراتيجية الكلية العالمية في «برانديواين غلوبال»: «لقد تأرجحت توقعات السوق من طرف إلى آخر، بطبيعة الحال فإن السوق حذرة بعض الشيء، وتنتظر البيانات لتؤكد وجهة النظر الأساسية لبنك الاحتياطي الفيدرالي بأن التضخم يمكن أن ينخفض إلى 2 بالمئة دون الحاجة إلى الركود".
هل ينفد الوقت لدى الفيدرالي؟
ويخشى بعض المستثمرين أن الوقت قد ينفد بالنسبة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة، على الرغم من أنه في وقت مبكر نسبياً من العام، وترى بليرينا أوروتشي، كبيرة الاقتصاديين الأميركيين في «تي روي برايس» بأن الفيدرالي سيحتاج إلى بيانات أضعف من المتوقع لمدة 3 أشهر على الأقل ليكون واثقاً بما يكفي لخفض أسعار الفائدة، إذا لم نر الضعف في أسعار الإيجارات في القطاع الخاص يترجم إلى بيانات أسعار المستهلك، فإلى أي مدى يجب أن تكون لدينا ثقة في أن الدافع الانكماشي سيستمر في الحدوث؟ ... لا أعتقد بأن هذا الانعكاس في اتجاه التضخم سيحدث بالسرعة الكافية".
ويشعر آخرون بالقلق من أن المعدلات المرتفعة ستبدأ قريباً في الضغط على بعض الشركات الأميركية، إذ يفضّل جوناثان دوينسينغ، رئيس الدخل الثابت الأميركي في شركة «أماندي يو إس»، ديون الشركات من الدرجة الاستثمارية جزئياً؛ لأنه يرى بأن فترة طويلة من أسعار الفائدة المرتفعة يمكن أن تخلق بعض الضغط في الشركات ذات التصنيف المنخفض، وذكر أنه كان متفائلاً بشأن سندات الخزانة التي من المحتمل أن تستفيد من محاولة الطيران إلى الجودة في حالة تعثر الاقتصاد في المستقبل.
وهذا لا يعني أن المستثمرين قد فقدوا الأمل تماماً في تخفيض أسعار الفائدة، وحسبما يرى توني ويلش، كبير مسؤولي الاستثمار في «سيغنتشير إف دي»، فإن معظم الارتفاع في التضخم في وقت سابق من هذا العام جاء بسبب أسعار السلع الأساسية، التي ارتفعت جزئياً؛ بسبب المخاوف من اتساع نطاق الصراع في الشرق الأوسط.
