الأكبر منذ 2008.. تباين توقعات أوبك ووكالة الطاقة بشأن الطلب
11:19 - 12 مارس 2024خلصت دراسة أجرتها "رويترز" إلى أن التباين في توقعات أوبك ووكالة الطاقة الدولية إزاء نمو الطلب على النفط، وهما أهم جهتين يترقب العالم تقاريرهما في هذا الصدد، صار الأكبر منذ 16 عاما على الأقل.
وتعني هذه الفجوة بين منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، التي تمثل الدول المنتجة للنفط، ووكالة الطاقة الدولية، التي تمثل الدول الصناعية، أنهما ترسلان إشارات متباينة إلى التجار والمستثمرين عن قوة سوق النفط في عام 2024 وعن وتيرة تحول العالم نحو استخدام وقود أقل تلويثا للبيئة على المدى الطويل.
وتوقعت وكالة الطاقة الدولية في فبراير أن يرتفع الطلب بمقدار 1.22 مليون برميل يوميا في عام 2024، بينما توقعت أوبك في تقريرها في الشهر ذاته 2.25 مليون برميل يوميا. ويمثل هذا الفارق نحو واحد بالمئة من الطلب العالمي.
وقال نيل أتكينسون، وهو رئيس سابق لقسم أسواق النفط في وكالة الطاقة الدولية، "لدى الوكالة تصور قوي جدا بأن التحول في مجال الطاقة سيمضي قدما بوتيرة أسرع كثيرا... تتمسك كل منهما (الوكالة وأوبك) بموقفها، ولهذا السبب لديهما هذه الفجوة الهائلة فيما يتعلق بتوقعات الطلب".
ولوضع هذا الفارق في سياقه الصحيح، حللت رويترز التغييرات التي أجرتها كل من أوبك ووكالة الطاقة الدولية على توقعاتها للطلب على النفط من عام 2008 إلى عام 2023 وفي الشهرين الأولين من العام الحالي.
وتم اختيار هذه الفترة بهدف توافر سلسلة زمنية طويلة بما يكفي لاستخلاص النتائج ولأنها تضمنت تقلبات شديدة في الطلب على النفط، بدءا من الأزمة المالية عام 2008 وانتهاء بجائحة كورونا في 2020 وما تلاها من تعافي الطلب.
وفي شهر يوليو 2008، بلغت أسعار العقود الآجلة للنفط أعلى مستوياتها على الإطلاق إذ وصلت إلى نحو 150 دولارا للبرميل مقارنة بنحو 80 دولارا الآن.
وخلص تحليل رويترز لتقارير وكالة الطاقة الدولية وأوبك الشهرية على مدى 16 عاما إلى أن الفجوة البالغة 1.03 مليون برميل يوميا في فبراير كانت الأكبر من حيث القيمة للبرميل في تلك الفترة.
وقالت وكالة الطاقة الدولية، التي طُلب منها التعليق على توقعاتها لعام 2024، في رسالة بالبريد الإلكتروني إن التباطؤ هذا العام يعادل العودة إلى اتجاهات النمو التي شهدناها قبل الجائحة، وإن التباطؤ واضح بالفعل في بيانات تسليمات النفط.
أضافت الوكالة "نتوقع أن يستمر ذلك هذا العام إذ تشير مؤشرات التنقل إلى استقرار حركة مرور (الشحنات) البرية والجوية". وتابعت قائلة إنه ليس بوسعها التعليق على توقعات المنظمات الأخرى.
وردت أوبك أيضا على طلب للتعليق على هذه الفجوة وما إن كانت ترى أن توقعاتها أكثر دقة، وقالت إن توقعاتها لنمو الطلب في 2023 البالغة 2.5 مليون برميل يوميا تقل بقدر ضئيل جدا عن الرقم الأولي الذي أعلنته في يوليو 2022.
وقالت أمانة أوبك في فيينا، دون التعليق على توقعات المنظمة في 2024، "شهدت توقعاتنا للطلب على النفط في 2023 ثباتا كبيرا. بدأت جهات أخرى تصدر توقعاتها عند مستويات منخفضة ثم عدلوا باستمرار توقعاتهم لعام 2023".
التحول الأخضر للوكالة الدولية للطاقة
هناك اختلاف بين أوبك ووكالة الطاقة الدولية أيضا على الأمد المتوسط. وتتوقع الوكالة أن يبلغ الطلب على النفط ذروته بحلول عام 2030 مع تحول العالم إلى وقود أنظف. وترفض أوبك هذا التصور.
وجددت منظمة أوبك الاثنين توقعاتها بأن عام 2045 لن يشهد ذروة، مشيرة إلى نمو متوقع خارج دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية و"تراجع عن بعض السياسات الأولية المتعلقة بصافي الانبعاثات الصفري".
وتأسست وكالة الطاقة الدولية قبل 50 عاما حين حولت وكالة مراقبة الطاقة في العالم الصناعي تركيزها على أمن إمدادات النفط والغاز إلى دعم مصادر الطاقة المتجددة والعمل المناخي. وبعض أعضاء أوبك يرون أن هذا يقوض دورها كسلطة محايدة.
وقال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان في سبتمبر الماضي إن الوكالة تحولت من تقديم توقعات وتقييمات عن السوق إلى ممارسة دور سياسي.
وأعضاء وكالة الطاقة الدولية هم في الغالب مستهلكون كبار للطاقة، وقررت حكومات كثيرة منهم تسريع تطوير الطاقة المتجددة لتسريع التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون.
ويقول المحللون إن هذه الدول تريد من هيئتهم لمراقبة الطاقة أن ترشدهم إلى طريق لبلوغ ذلك. وفي المقابل، يواجه أعضاء منظمة أوبك الذين يعتمدون على عائدات الوقود الأحفوري، عواقب اقتصادية كارثية محتملة نتيجة للتحول السريع بعيدا عن النفط.
ووجد التحليل أن توقعات الوكالة والمنظمة متقاربة إحصائيا من حيث دقة التنبؤ، مما يجعل من الصعب تحديد أيهما سيكون صحيحا بناء على تتبع السجل.
وجمعت رويترز أيضا تقديرات من 26 محللا في البنوك وشركات الأبحاث لنمو الطلب في 2024. ويبلغ متوسط هذه التقديرات 1.3 مليون برميل يوميا، أو أقرب إلى وجهة نظر وكالة الطاقة الدولية.
ومن بين 20 محللا ردوا على سؤال حول ما إذا كان الطلب سيصل إلى ذروته بحلول عام 2030، أجاب 12 محللا بالنفي، مما يوحي بأن أوبك قد تكون محقة في هذه النقطة على الأرجح.
"تعديل بالزيادة"
تخضع توقعات الطلب على النفط، مثل غيرها من التوقعات الاقتصادية، للمراجعة، وتتأثر بعدة عوامل يستحيل التنبؤ بها.
ويستغرق ظهور البيانات الفعلية للطلب على النفط وقتا طويلا، مما يُصعّب التحدي.
وبحسب وكالة الطاقة الدولية، سينخفض نمو الطلب إلى النصف في عام 2024، وسيأتي الانخفاض جزئيا نتيجة لازدهار السيارات الكهربائية، وذلك رغم أن الوكالة رفعت تقديراتها لنمو الطلب خلال العام الحالي في توقعات يناير كانون الثاني والشهرين التاليين.
وقالت أمريتا سين، مؤسسة إنرجي أسبكتس، إن وكالة الطاقة الدولية تميل إلى تعديل توقعات الطلب بالزيادة، وهو ما يتفق معه أتكينسون.
وأضافت سين "توقعات الطلب على النفط الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية يجري تعديلها بالزيادة باستمرار.
"من المرجح أن تكون ذروة الطلب على النفط أعلى من توقعات وكالة الطاقة الدولية".
ووجد تحليل لرويترز أن وكالة الطاقة الدولية خلال الفترة من 2008 إلى 2023 قللت من تقديرات إجمالي الطلب في توقعاتها المبدئية بنحو 56 بالمئة مقارنة بنحو 50 بالمئة في تقديرات أوبك، وهو ليس فرقا كبيرا.
وقال أتكينسون إنه على الرغم من أن المؤسستين توقعتا تطورات الطلب بدقة، إلا أنه يعتقد، وتوافقه سين في ذلك، أن أوبك من المرجح أن تكون على حق فيما يتعلق بمسألة وصول الطلب إلى ذروته هذا العقد.
وأضاف "في مناسبات مختلفة، كانت توقعات كل من وكالة الطاقة الدولية وأوبك جيدة جدا".
"أعتقد أن وكالة الطاقة الدولية تعجلت في توقع وصول الطلب إلى ذروته بحلول عام 2030، وذلك نتيجة النمو في البلدان النامية".