هل يحفز قادة الصين الاقتصاد بالوعود والآمال؟
14:21 - 06 مارس 2024يعود موضوع تحفيز الاقتصاد الصيني إلى الواجهة من جديد مع انطلاق الدورة السنوية للبرلمان الصيني التي يترقبها المستثمرون والمدخرون المحليون عن كثب بحثاً عن إشارات تمكن الاقتصاد من تجاوز المشكلات التي يعاني منها وأدت إلى تباطؤ وتيرة نموه، إذ سجل الناتج المحلي الإجمالي لعام 2023، أقل معدل نمو منذ عام 1990 عند 5.2 بالمئة وذلك إذا استثنينا فترة انتشار "كوفيد-19".
وخلال افتتاح أعمال الاجتماعات السنوية للبرلمان والتي توُصف عادة باجتماع "الدورتين"، تم إعلان أهداف الناتج المحلي الإجمالي والمؤشرات الاقتصادية الأخرى، وفقاً لـ "تقرير عمل الحكومة" الذي تم تقديمه إلى الهيئة التشريعية الوطنية لمداولته وذلك كما يلي:
- 5 بالمئة نمو الناتج المحلي الإجمالي المستهدف لعام 2024.
- تخطط الصين لاستهداف معدل البطالة في المناطق الحضرية بنحو 5.5 بالمئة، وخلق 12 مليون فرصة عمل جديدة في المناطق الحضرية.
- تحديد نسبة العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3 بالمئة لهذا العام، بانخفاض عن 3.8 بالمئة المعدلة العام الماضي.
- التخطيط لإصدار سندات خزانة خاصة طويلة الأجل بقيمة تريليون يوان (138.9 مليار دولار) هذا العام لتمويل مشاريع كبرى تتماشى مع الاستراتيجيات الوطنية.
- في حين سيتم إصدار 3.9 تريليون يوان من سندات الأغراض الخاصة للحكومات المحلية هذا العام.
- تحديد هدف التضخم الاستهلاكي عند 3 بالمئة.
- التعهد بإزالة القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي في التصنيع.
ويشكك خبراء اقتصاديون وماليون في أن تبصر هذه المؤشرات والتوقعات النور، مشيرين إلى أنها غير مبنية على أسس واضحة وشفافة، وأنه لا يتوفر أية بيانات أو حتى تفسيرات من القادة الصينيين حول كيفية الوصول إلى هذه المستهدفات!
حتى أنه لم تفلح حتى الآن تعهدات السلطات الصينية على مدى الأشهر الماضية بدعم سوق العقارات المتعثر من خلال الإيفاء باحتياجات التمويل المعقولة للشركات العقارية، وكذلك إجراءات وقف اضطرابات الأسواق مثل ضخ السيولة عبر خفض نسبة متطلبات الاحتياطي الإلزامي للبنوك، ومنع عمليات بيع الأسهم على المكشوف، لم تفلح في إعادة بناء جسور الثقة مع اللاعبين الأساسيين في السوق.
ويعاني ثاني أكبر اقتصاد في العالم من جملة من التحديات أبرزها مشكلات القطاع العقاري وتقلبات سوق الأوراق المالية، وضعف إنفاق المستهلكين وضعف ثقة المستهلكين، وتراكم الديون لدى الحكومات المحلية، إلى جانب مساهمة الركود في سوق العقارات الضخم وانخفاض الطلب العالمي على الصادرات الصينية في انخفاض مستويات معنويات المستهلكين والشركات.
سياسة مالية استباقية
ونقلت شبكة CNBC عن لويز لو، كبيرة الاقتصاديين في "أكسفورد إيكونوميكس" قولها: "يستثني العجز في الميزانية السندات الخاصة وسندات البنوك السياسية وديون أدوات تمويل الحكومات المحلية"، في حين قال بروس بانغ، كبير الاقتصاديين في شركة الاستشارات العقارية JLL: "لن يتم تضمين سندات الخزانة الخاصة طويلة الأجل للغاية الصادرة على أساس تجريبي في العجز، ويمكن إصدارها في وقت مناسب بناءً على ظروف السوق والظروف الاقتصادية".
وجاء في تقرير العمل: "علينا أن نعزز بشكل مناسب كثافة سياستنا المالية الاستباقية ونحسن جودتها وفعاليتها"، وكان تقرير لصندوق النقد الدولي قد قال في وقت سابق من هذا العام إن محادثاته مع المسؤولين الصينيين تشير إلى أنهم ينظرون إلى السياسة المالية العام الماضي على أنها استباقية".
مؤشرات تحتاج إلى تفسير
وفي حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قال الدكتور نضال الشعار، كبير الاقتصاديين في شركة "ACY" بأستراليا: "إن تصريحات القادة الصينيين حول معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي المستهدف للعام 2024 بنحو 5 بالمئة تحتاج إلى تفسير وخصوصاً أنه ذات المعدل تقريباً الذي تحقق في العام الماضي والبالغ 5.2 بالمئة، والأمر هنا يحتاج إلى توضيح حول كيفية تحقيق النمو المستهدف ذلك أن المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد في العام الحالي أكبر من مشكلات العام الماضي، وبشكل خاص مع استمرار أزمة القطاع العقاري إضافة إلى مشكلات الانكماش وانخفاض معدلات التصدير، وتفاقم مشاكل الديون، ولكن للأسف ليس لدينا البيانات التي يمكن الاعتماد عليها لفهم كيفية التوصل إلى رقم النمو المستهدف".
وأوضح الدكتور الشعار أن محاولة تفسير القرارات الاقتصادية الصينية ليس بالأمر السهل لأي محلل مالي أو اقتصادي لأسباب متعددة، تعود في مجملها إلى سيطرة الحزب الواحد على كل مرافق وفعاليات الدولة وبالتالي فإن معرفة البيانات الاقتصادية التفصيلية ليست متاحة مثل الدول الغربية وغيرها، بحسب الدكتور الشعار.
وعود وآمال
وأضاف الخبير الاقتصادي الشعار: "إن تصريحات القادة عبارة عن وعود وآمال بتحقيق مستويات محددة للتصدير والنمو الصناعي ونمو الناتج المحلي الإجمالي وغيرها من المؤشرات، إلى جانب تشجيع الاستثمار الأجنبي والتمويل من خلال إصدار سندات خزانة خاصة طويلة الأجل، ولكن دون أن نعلم كيف سيتم تحقيق هذه المستهدفات وخصوصاً في ضوء السياسة النقدية المتبعة في البلاد بما يخص سعر صرف اليوان الصيني مقابل العملات الأخرى".
"كما لاحظنا اللغة القاسية من القادة الصينيين في المؤتمر تجاه تايوان وهذا له تبعات اقتصادية يمكن أن تظهر على شكل عقوبات غربية على الصين أو على شكل منع التصدير والاستيراد، ولاحظنا أيضاً زيادة ميزانية الدفاع بنسبة 7 بالمئة وهي نسبة كبيرة جداً، وعلى الرغم من ذلك تنادي الصين باستقطاب الاستثمارات الأجنبية للبلاد، هذا الأمر محير جداً في الواقع إن لم نقل متناقض"، بحسب كبير الاقتصاديين في شركة "ACY" بأستراليا.
وذكر أن "الحديث عن معدل البطالة يعتبر نوعاً من الوعود إذ تخطط الصين لاستهداف معدل البطالة في المناطق الحضرية بنحو 5.5 بالمئة وهذا الرقم في دولة مثل الصين كبير في حين نراه في الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال عند 3.7 بالمئة".
قد تظهر في الأيام المقبلة أحاديث وآراء وتفسيرات من وراء كواليس هذه الاجتماعات يمكن أن نفهم من خلالها مآلات الوعود التي تم الحديث عنها، وخصوصاً أن هذه الاجتماعات يحضرها أكثر من 2800 نائب، طبقاً لما قاله الدكتور الشعار.
الأزمة العقارية تجعل النمو المستهدف صعب المنال
بدوره، قال الرئيس التنفيذي لمركز كوروم للدراسات الاستراتيجية في لندن، طارق الرفاعي، في تصريح لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية: "تعاني الصين الآن من أزمة عقارية وهو ما أدى إلى ضعف الثقة بقادة الصين، لأن تدخلات الحكومة لمحاولة دعم الاقتصاد لم تكن كافية لإعادة النمو إلى المستوى المستهدف، وقبل أن تدخل البلاد في هذه الأزمة العقارية، فإن نمو الاقتصاد يشهد تباطؤاً في الأعوام الأخيرة إذ لم نعد نسمع أرقام النمو الكبيرة التي كانت تتراوح بين 8 و10 بالمئة، فهذه المرحلة (أي مرحلة النمو السريع) يبدو أنها قد انتهت، والمرحلة الحالية يمكن أن نسميها مرحلة النمو المعتدل، حيث أن هدف الحكومة الصينية للنمو الاقتصادي في 2024 هو 5 بالمئة".
ويرى الرفاعي حتى أن هذا الهدف لنمو الاقتصاد صعب المنال بسبب الأزمة العقارية التي تعيشها البلاد حالياً، إذ أن الاقتصاد الصيني يحتاج إلى نمو أكثر من 5 بالمئة نتيجة نسبة الديون للشركات وخصوصاً العقارية منها، وذلك لمحاولة إعادة الهيكلة وإعادة بناء الثقة مع المستثمرين المحليين والخارجيين".
التحديات تتطلب الشفافية لبناء الثقة مع المستثمرين
من جهته، ذكر الخبير الاقتصادي حسين القمزي في حديث سابق لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية أن التحديات الاقتصادية التي تواجهها الصين تتطلب الشفافية لبناء الثقة مع المستثمرين الخارجيين والمحليين، مشيراً إلى أن القطاع العقاري يقلق المستثمرين والمراقبين وهو يحتاج إصلاحات جذرية.
كما قال القمزي: "إن الصين بحاجة إلى نقلة نوعية نحو تعزيز الاستهلاك المحلي بدلاً من الاعتماد المفرط على الصادرات، كما يجب تبني استراتيجيات تشمل تعزيز الاستقرار القانوني والاستثمار في الابتكار والتكنولوجيا، وتحسين البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية، وتعزيز التواصل والتعاون مع المجتمع الدولي، فالتركيز على هذه الجوانب سيساعد الصين على مواجهة تحدياتها الاقتصادية بفعالية وبناء ثقة قوية مع المستثمرين المحليين والدوليين".