كيف تحولت فيتنام إلى مركز تصنيع عالمي؟
15:01 - 22 فبراير 2024تحولت فيتنام خلال السنوات الأخيرة إلى واحدة من أبرز المراكز العالمية للتصنيع، حيث تستقطب شركات التكنولوجيا والسيارات والإلكترونيات، والملابس بشكل متزايد، ومن المتوقع أن تشهد هذه الدولة التي تعد من أسرع الاقتصادات الآسيوية نمواً، تزايداً هائلاً في الثروة خلال العقد المقبل، مع تعزيز مكانتها كقاعدة تصنيع عالمية، ما دفعنا لتسليط الضوء على العوامل التي ساهمت في تحقيق فيتنام هذا التطور الاقتصادي؟
ورجح تقرير صدر أخيراً عن شركة معلومات الثروة العالمية "New World Wealth" وشركة الاستشارات العالمية Henley & Partners، أن تشهد فيتنام الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا زيادة في الثروة بنسبة 125 بالمئة خلال الأعوام العشرة المقبلة، ليكون ذلك أكبر توسع في ثروة أي بلد من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وعدد أصحاب الملايين، وفقا لتحليل الشركة، التي أكدت أن فيتنام تعزز مكانتها كمركز عالمي للتصنيع.
وسجلت فيتنام نمواً في الناتج المحلي الإجمالي بلغت نسبته 5.05 بالمئة خلال عام 2023، بحسب مكتب الإحصاء العام، حيث يمثل التصنيع ربع الناتج المحلي الإجمالي في البلاد.
الخيار الأفضل لشركات التصنيع
وفي حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" يقول الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله الشناوي: "إن الاقتصاد الفيتنامي حقق نمواً بنحو 8 بالمئة في عام 2022 بعد كوفيد 19، لكنه واجه تباطؤاً في الصادرات بسبب السياسات النقدية المتشددة وبطيء التعافي بعد الوباء في الصين، وعلى الرغم من ذلك برزت فيتنام كمركز للتصنيع من قبل شركات رأت فيها الخيار الأفضل لإنشاء مصانعها أو نقل مرافق التصنيع الموجودة في الصين إليها نتيجة النزاعات التجارية بين أميركا والصين".
ويشير الشناوي إلى سبعة عوامل تقف نمو الاقتصاد الفيتنامي وخاصة في مجال التصنيع وهي:
• الاستثمار في البنية التحتية، حيث انفقت فيتنام نحو 6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لها على البنية الأساسية، ويعتبر ذلك من أعلى المعدلات في منطقة الآسيان، حيث الطرق السريعة والموانئ البحرية والتجمعات الصناعية وخاصة تجمعات الإلكترونيات، وقد ساهمت البنية الأساسية واللوجستية بحوالي 4.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
• المشاركة الفعالة في البيئة التجارية العالمية، وذلك عن طريق المشاركة بعقد اتفاقيات تجارية ثنائية، وبالتالي فإن جودة المنتج والتصنيع وضمان حقوق العمال في ظل تلك الاتفاقيات ساعد فيتنام بأن تصبح مركزاً عالمياً للتصنيع وتوسيع قاعدة التصدير، وقد ساهمت سياسات فيتنام الصديقة للمستثمرين في جذبهم إلى الاستثمار فيها، وخلق بيئة حرة ومحايدة وتحقيق التفاعل الأعمق مع المستثمرين الحاليين والمحتملين، إذ يشير البنك الدولي إلى أن الصناعات التحويلية لعبت دوراً هاما كمساهم رئيسي في نمو الاقتصاد الفيتنامي بنسبة بلغت 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
• سيادة الأجور التنافسية والإنتاجية المرتفعة، حيث تمتلك فيتنام قوة عاملة شابة ومتقنة وتتسم بأخلاقيات العمل الدؤوب ما جعل تكاليف العمالة تنافسية، وأيضا تمتلك أكثر من 40 بالمئة من خريجي الجامعات متخصصين في الهندسة والعلوم، وهو ما وفر للشركات الساعية الفرص للإنتاج الكفء والفعال من حيث التكلفة وكذلك بيئة الأعمال المواتية ما جعل من فيتنام وجهة جاذبة للاستثمار في التصنيع.
• قرب فيتنام من الأسواق الناشئة، حيث تمتلك موقعاً جغرافياً استراتيجيا ًوقد تمكن الاقتصاد الفيتنامي من أن يكتسب مكانة متقدمة كمركز إنتاج عالمي من بين 6 مراكز في قائمة الموردين المرغوبين لشركة (Apple) على سبيل المثال. بالإضافة إلى تزايد الرغبة في البلاد كموقع للتصنيع حيث تبحث الشركات عن بديل للصين مثل شركات (Apple ،Samsung).
• بروز الاقتصاد الفيتنامي كحلقة وصل هامة في سلاسل التوريد العالمية، حيث بلغت صادراته من إجمالي صادرات السلع فائقة التقنية حوالي 19.4 بالمئة في 2022، وبلغت صادراته من أجهزة الكمبيوتر 71.93 بالمئة وبرزت بقوة كقاعدة لصناعة الإلكترونيات ومكونات الهواتف المحمولة.
• تمتع الشركات بحزم حوافز حكومية، وتتمثل هذه الحوافز بتخفيض معدلات الضريبة على دخول الشركات، أو تخفيض رسوم الاستيراد للأصول الثابتة، وبعض الإعفاءات أو التخفيضات في إيجارات الأراضي ورسومها.
• توافر البيئة الملائمة للأعمال التجارية، حيث تمكنت من تنفيذ الاستراتيجيات الفعالة لإدارة المخاطر، ومواجهة التحديات في عمليات التصنيع، واتباع احكام قوانين العمل والامتثال للوائح البيئية.
توقعات مستقبلية للنمو
أما عن توقعات نمو الاقتصاد الفيتنامي يضيف أستاذ الاقتصاد الدكتور الشناوي: "لقد استمر اقتصاد فيتنام في إظهار علامات الانتعاش في عام 2023 حيث حقق نمواً بلغ 5.05 بالمئة، ويمكن تفسير عودة الاقتصاد الفيتنامي إلى الانتعاش بشكل إيجابي إلى محركات نمو ثلاثة وهامة والمتمثلة في الاستثمار – التصدير – الاستهلاك، إذ أن مصادر الاستثمار العام والاستثمار الأجنبي المباشر والاستثمار الخاص جيدة، وفيما يخص التصدير من المتوقع أن تتعافى الأسواق الرئيسية للشركاء الرئيسيين في فيتنام عام 2024، في حين لا يزال الطلب الاستهلاكي هو المساهم الرئيسي في النمو الاقتصادي في عام 2024، وزيادة حزم الاستثمار وحزم تحفيز التصدير".
وعن تقارير وكالات التصنيف الائتماني مثل (فيتش) والتي أصدرت توقعات متفائلة عن النمو الاقتصادي لفيتنام والتي أشارت فيه أن السياسات النقدية والمالية قد ساهمت في دعم الاقتصاد بشكل كبير، وتتوقع تحقيق معدل نمو 6.3 بالمئة في 2024، وقد يصل إلى 7 بالمئة في 2025، وعلى الرغم من تقارير وكالات التصنيف الائتماني المتفائلة، فهناك تحديات تنتظر الاقتصاد الفيتنامي تتمثل في عدم الاستقرار المالي الناشئ عن تعاظم الديون المعدومة في سوق العقارات والسندات، بحسب الشناوي.
ويرى الخبير الاقتصادي أنه حتى يحقق الاقتصاد الفيتنامي استدامة النمو والحفاظ على تصدره كمركز تصنيع عالمي يجب دعمه عن طريق، تحقيق الاستقرار الكلي، والسيطرة على التضخم، والحفاظ على ثقة المستثمرين والمستهلكين وتطوير محركات النمو الاقتصادي من خلال تشجيع الاستثمار في البحوث والتطوير، وتشجيع الابتكار والاختراعات والابداع في الصناعات، ودعم الكيانات الإنتاجية والتجارية وخاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مثل اتباع سياسات إقراض تفضيلية وتعزيز أسواق السلع والخدمات لتحفيز الطلب الاستهلاكي وزيادة التنوع الاقتصادي.
وجهة رئيسة للاستثمار الدولي
ونقلت شبكة CNBC عن أندرو أمويلز، محلل "New World Wealth" قوله: "تعد فيتنام قاعدة تصنيع ذات شعبية متزايدة لشركات التكنولوجيا المتعددة الجنسيات والسيارات والإلكترونيات والملابس والمنسوجات، حيث تضم حالياً 19400 مليونير و58 مليونيراً تتجاوز ثروة كل منهم 100 مليون دولار، كما يُنظر إليها على أنها دولة آمنة نسبياً، مقارنة بالدول الأخرى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ما يوفر للشركات حافزاً إضافياً لإنشاء عمليات تصنيع فيها".
في حين قالت شركة "ماكينزي" الاستشارية في تقرير: "إن الموقع الاستراتيجي للبلاد التي تتقاسم الحدود البرية مع الصين ووجودها بالقرب من طرق التجارة البحرية الرئيسية، وانخفاض تكلفة العمالة، فضلاً عن البنية التحتية التي تدعم صادرات البلاد، كلها عوامل حولت فيتنام إلى وجهة رئيسية للاستثمار الدولي".
وبحسب البنك الدولي، فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في فيتنام كان قبل 10 أعوام 2190 دولاراً، وهو ما تضاعف تقريباً إلى 4100 دولار.
من جانبه، قال أندي هو، كبير مسؤولي الاستثمار في مجموعة "VinaCapital" الاستثمارية: إن فيتنام تتطور بسرعة جداً، الأمر الذي سيستفيد منه معظم السكان، وتستفيد فيتنام من التوترات التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين، حيث تقوم العديد من الشركات متعددة الجنسيات بتنويع التصنيع في فيتنام كجزء من استراتيجية "الصين زائد واحد"، وشهدت باستمرار استثمارات أجنبية مباشرة قوية من الشركات متعددة الجنسيات".
بدوره، يرى الخبير الاقتصادي ونائب رئيس مايبانك المساعد بريان لي: " إن قصة النمو في فيتنام تعود للتصنيع القائم على التصدير، مدفوعاً بثلاث موجات من الاستثمارات الأجنبية المباشرة على مدى العقود الثلاثة الماضية، والبلاد على شفا موجة رابعة".
وارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر في فيتنام بنسبة 32 بالمئة في 2023 مقارنة بالعام السابق.
تعزيز دور فيتنام في صناعة الرقائق
وفي حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" يقول عضو مجلس أمناء مركز الشرق الأوسط للدراسات الاقتصادية هاشم عقل: "كان الهدف الرئيسي لحرب فيتنام منع انتشار النفوذ الشيوعي المتمثل في الاتحاد السوفيتي آنذاك والصين عن طريق منع الدول من الوقوع في شباك الشيوعية، وفيتنام هي إحدى هذه الدول، وقد فشلت القوة الخشنة في مهمتها لكن التكنولوجيا ومصانع الإلكترونيات والرقائق الأميركية نجحت فيما فشلت فيه الجيوش، نجحت في ربط عديد من الدول القريبة من الصين بالولايات المتحدة الأميركية عن طريق العمل في تلك المصانع والحصول على أجر كبير بمقياس تلك الدول وصغير بمقياس أميركا".
وقد ساعدت التغيرات الجيوسياسية في عام 2023، والموقع الحيوي والمركزي لجنوب شرق آسيا والميل إلى البحث العلمي والتطوير، صناعة الرقائق في فيتنام على الانطلاق في الوقت المناسب والبيئة والأرض المواتية مع وجود شعب متناغم، لكن كان من الأهمية بمكان المزيد من التدريب للموارد البشرية ذات الجودة العالية إلى جانب تطوير الموارد البشرية الذكية وخلق البيئة المناسبة للشركات الناشئة في مجال رقائق أشباه الموصلات، وإصدار سياسات تفضيلية لأنشطة شرائح أشباه الموصلات، بحسب عقل.
ويضيف عقل: "لم يتوقف الأمر بين الولايات المتحدة وفيتنام عند هذا الحد، بل قاما في العام الماضي بالارتقاء بعلاقتهما الثنائية إلى شراكة استراتيجية شاملة، حيث أكد البلدان في بيان مشترك بإمكانية فيتنام لتصبح دولة رئيسة تشارك في صناعة أشباه الموصلات، وستكون موجة سلاسل التوريد المتغيرة لصناعة أشباه الموصلات فرصة لفيتنام للمشاركة تدريجياً في سلسلة صناعة أشباه الموصلات، ومن هنا، يتم فرض زيادة الإنتاجية والجودة والقيمة المضافة في المنتجات بالإضافة إلى الدخل".
ويشير عضو مجلس أمناء مركز الشرق الأوسط للدراسات الاقتصادية إلى خطط الولايات المتحدة لجمع كبرى شركات الرقائق في فيتنام لتعزيز الدور العالمي لفيتنام في قطاعات مختلفة من صناعة الرقائق، كجزء من استراتيجية واشنطن الأوسع لتقليل تعرض القطاع للمخاطر المرتبطة بالصين، بما في ذلك القيود التجارية والتوترات بشأن تايوان.