بعد انكماش قطاع التصنيع.. هل تنهي بريطانيا 2023 بركود؟
12:26 - 09 نوفمبر 2023في الوقت الذي يشهد فيه قطاع التصنيع في بريطانيا أطول فترة انكماش منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، هل تنهي المملكة المتحدة عام 2023 بركود اقتصادي؟ سؤال بات يتصدر اهتمامات الخبراء والمحللين الاقتصاديين.
وفيما توقع خبراء اقتصاد في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" بأن ينزلق الاقتصاد البريطاني نحو الركود مع نهاية العام الحالي، نتيجة ضعف قطاعي الخدمات والتجزئة إلى جانب انكماش قطاع التصنيع، يذهب آخرون إلى أن البلاد ستتفادى بالكاد الوقوع في الركود، مستندين في ذلك إلى توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.4 بالمئة نهاية 2023، وبين 0.5 و0.6 بالمئة في عام 2024.
وسجل إنتاج المصانع في بريطانيا أطول فترة انخفاض منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، حيث ارتفع مؤشر (S&P Global/CIPS) المجمع لمديري المشتريات من 44.3 في سبتمبر الماضي ليصل إلى 44.8 في أكتوبر الماضي، ولكن المؤشر جاء أقل من التوقعات السابقة بتسجيل قراءة تقدر بحوالي 45.2 مما يشير إلى تراجع النشاط الصناعي للشهر الخامس عشر على التوالي.
وعلى الرغم من ارتفاع مؤشر النشاط الرئيسي من 44.3 في سبتمبر الماضي، إلا أن الإنتاج الصناعي انكمش للشهر الثامن على التوالي، وهي أطول فترة من نوعها منذ الأزمة المالية العالمية في 2008-2009.
وبحسب استطلاع أعدته شركة "S&P Global"، "أدت ظروف السوق الصعبة وغير المؤكدة إلى زيادة الحذر بين المصنعين وعملائهم على حد سواء، وقلص العملاء في الداخل والخارج طلباتهم، واستغنى المصنعون عن الموظفين، وانخفض قدر من التفاؤل في القطاع إلى أدنى مستوياته هذا العام".
مشاكل اقتصادية بالجملة
في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" يقول الدكتور ممدوح سلامة خبير الاقتصاد والنفط العالمي المقيم في بريطانيا: "منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي واقتصادها يواجه مشاكل بالجملة من حيث انخفاض حجم التجارة ونقص إمدادات السلع والمواد الغذائية وارتفاع الأسعار، ليأتي التضخم المالي ليزيد من ضعف اقتصاد البلاد، حيث وصل التضخم إلى أكثر من 11 بالمئة في عام 2022، ثم بدأ بالانخفاض، ولكنه لايزال مرتفعاً نسبياً، إذ يبلغ حالياً 6.7 بالمئة مما حفز بنك إنجلترا لرفع أسعار الفائدة إلى رقم قياسي يصل إلى 5.25 بالمئة".
ويضيف سلامه أن أكبر عامل يؤثر على اقتصاد بريطانيا هو ارتفاع أسعار الطاقة سواء النفط، أو الغاز أو الفحم أو الكهرباء، ويأتي هذا التأثير بشكل مباشر على الصناعة البريطانية وعلى القوة الشرائية لأفراد الشعب البريطاني، ما تسبب في انحسار القطاع الصناعي مثله في ذلك مثل الانحسار الكبير في القطاع في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
كما يرى الدكتور سلامة أن الاقتصاد البريطاني وفقاً لذلك بالكاد سينجو من الركود إذ سينمو هذا العام بنسبة 0.4 بالمئة، ومتوقع له أن ينمو في عام 2024 بنسبة 0.5 بالمئة.
ووفقاً لمكتب الإحصاء الوطني البريطاني، فإن المعدل السنوي لتضخم أسعار المستهلكين في بريطانيا ارتفع إلى أعلى مستوياته في 41 عاماً عند 11.1 بالمئة في أكتوبر 2022، وحتى سبتمبر 2023 بقي معدل التضخم في المملكة المتحدة عند 6.7 في المئة، وكان من المتوقع أن ينخفض إلى 6.5 في المئة لكن أسعار البنزين في المملكة المتحدة حالت دون انخفاضه.
وكانت الحكومة البريطانية قد تعهدت بالحصول على معدل التضخم الرئيسي إلى 5 في المئة بحلول نهاية العام الحالي، وهدفها على المدى الطويل هو 2 في المئة.
وأبقى بنك إنجلترا بداية شهر نوفمبر الجاري أسعار الفائدة الرئيسية دون تغيير، للمرة الثانية على التوالي، حيث ثبتها للمرة الأولى في اجتماعه خلال سبتمبر الماضي، لتبقى عند مستوى 5.25 بالمئة، وذلك بعد أن رفعها 14 مرة منذ بدأ سياسة التشديد النقدي في ديسمبر 2021، من أجل كبح التضخم المرتفع.
كما خفض بنك إنجلترا توقعاته للنمو الاقتصادي في بريطانيا، وقال إن التضخم يمكن أن يظل مرتفعا لفترة أطول، وبحسب توقعات اقتصادية جديدة من لجنة السياسة النقدية، من المتوقع أن يظل اقتصاد المملكة المتحدة ثابتا العام المقبل بنسبة نمو تبلغ صفر بالمئة على مدار عام 2024 بتراجع من زيادة بنسبة 0.5 بالمئة توقعها في أغسطس الماضي.
اقتصاد هش
من جهته، يشير الرئيس التنفيذي لمركز كروم للدراسات في لندن، طارق الرفاعي، إلى أن المؤشر الصناعي "PMI" يستخدم لقياس قوة الإنتاج المصانع، فعندما يكون المؤشر أقل من 50 نقطة فهذا يعني أن القطاع يعاني من الانكماش أما إذا كان فوق 50 نقطة فهذا يعني أن القطاع في حالة نمو، ومؤشر القطاع الصناعي في بريطانيا حالياً عند قرابة 45 نقطة وعلى الرغم من أنه شهد انتعاشاً بعض الشيء مقارنة بـ 43 نقطة في شهر أغسطس إلا أن القطاع لا يزال في حالة انكماش".
ويؤكد الرفاعي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن الاقتصاد البريطاني يتجه نحو الركود ليس بسبب انكماش قطاع التصنيع فقط، بل أيضاً بسبب انكماش قطاع الخدمات، وهو ما دفع بنك إنجلترا لعدم رفع أسعار الفائدة خلال اجتماع الأسبوع الماضي، خوفاً من تأثر اقتصاد البلاد الذي وصفه الرفاعي بـ "الهش".
ويوضح الرفاعي أن الربع الأخير من العام يعد الأهم بالنسبة لقطاع التجزئة نتيجة الأعياد التي تشهدها البلاد، لكنه استبعد أن يشهد القطاع انتعاشاً نتيجة ما يتعرض له البريطانيون من ضغوطات لجهة ارتفاع نسبة التضخم وتكاليف السكن والمعيشة.
ويضيف الرئيس التنفيذي لمركز كروم للدراسات: "بنك إنجلترا في موقف صعب، وكان عليه رفع أسعار الفائدة لأن معدل التضخم لا يزال مرتفع تاريخياً عند 6.7 بالمئة وهو ضعف معدل التضخم في الولايات المتحدة (3.6 بالمئة)".
تزايد خطر الركود
بدوره، يقول علي حمودي، الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في "ATA Global Horizons" في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "يتعرض الاقتصاد البريطاني لخطر متزايد من الركود، حيث أظهرت أرقام الصناعة الأخيرة أكبر انخفاض شهري في نشاط القطاع الخاص، خارج جائحة كوفيد ومنذ الأزمة المالية، حيث تفسر استطلاعات الأعمال الضعيفة الأخيرة لمؤشر مديري المشتريات (PMI) في المملكة المتحدة سبب عدم قيام البنك برفع أسعار الفائدة في سبتمبر الماضي وهذا الشهر".
"من الواضح من بيانات مؤشر مديري المشتريات الضعيفة أن تأثير الزيادات السابقة في أسعار الفائدة بدأ يؤثر على الاقتصاد ويتجلى ذلك في الضعف قطاع الخدمات الرئيسي، إلى جانب الضعف المستمر في التصنيع، بحسب حمودي الذي أوضح أن إجمالي الأعمال الجديدة في القطاع الخاص انخفض للشهر الثالث على التوالي، مع تحذير الشركات من أن ضغوط تكلفة المعيشة وارتفاع تكاليف الاقتراض، إلى جانب التخفيضات في قطاعي العقارات والبناء تؤثر على نشاط القطاع.
صعوبة توسع الأعمال وخلق وظائف
ويضيف حمودي: "ولكن على الرغم من ذلك فإن المملكة المتحدة ستتفادى بالكاد الوقوع في الركود مع نهاية هذا العام والعام المقبل، حيث من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بالكاد بنسبة 0.4 بالمئة نهاية 2023، على أن ينمو بين 0.5 و0.6 بالمئة في عام 2024، وهو أضعف من النمو المتوقع لألمانيا وفرنسا بنسبة 0.9 بالمئة و1.3 بالمئة على التوالي ما يعني أن المملكة المتحدة ستكون أبطأ اقتصاد نمواً بين مجموعة الدول السبع في العام المقبل ما يعني صعوبة توسع الأعمال وخلق وظائف".
وتعكس هذه التوقعات الضعيفة حاجة بنك إنجلترا إلى إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول للحد من معدل التضخم الذي لا يزال مرتفعا في بريطانيا والآثار اللاحقة لارتفاع أسعار الطاقة والضعف العام للجنيه الاسترليني على مدى العامين الماضيين، طبقاً لما قاله حمودي.