بريطانيا.. انهيار الرهن العقاري "يقترب" مع نمو المتأخرات
16:04 - 14 سبتمبر 2023تُظهر بيانات بنك إنجلترا مدى عمق الأزمة التي يواجهها القطاع العقاري بالبلاد؛ لا سيما بعد أن قفزت متأخرات الرهن العقاري في الربع الثاني من العام الجاري 2023 بنسبة 13 بالمئة، وهو أعلى مستوى مُسجل منذ العام 2016، وبما يكشف عن حجم الضغط الذي يشهده القطاع.
وثمة عديد من العوامل "الخانقة" التي قادت "الرهن العقاري" بالمملكة المتحدة إلى تلك المستويات، على رأسها أثر السياسة النقدية المتشددة (الرامية لكبح جماح التضخم منذ العام الماضي) وارتفاع أسعار الفائدة، علاوة على أثر ارتفاع معدلات البطالة خلال الأشهر الأخيرة، وبما فرض ضغوطاً على دخول الأسر، الأمر الذي أجبرهم على خفض أو تعليق أقساط الرهن العقاري الشهرية.
على الجانب الآخر، فإن مسددو الرهن العقاري، الذين اشتروا عقاراتهم بهدف التأجير، لم يسلموا أيضاً من حجم الضغوطات الملقاة على المتعاملين بالقطاع في أجزاء مختلفة من البلاد، لا سيما مع معاناة المستأجرين من أزمة تكلفة المعيشة الحالية، وبما يؤثر على التزامهم بالسداد.
- بحسب بنك انجلترا، فإن القيمة الإجمالية لأرصدة الرهن العقاري التي عليها بعض المتأخرات ارتفعت إلى 16.9 مليار جنيه إسترليني، بزيادة 29 بالمئة عن العام السابق، وهي الأعلى منذ الربع الثالث من العام 2016.
- تعتمد متأخرات الرهن العقاري على أرقام توضح عدد المقترضين الذين فشلوا في سداد دفعات تعادل 1.5 بالمئة على الأقل من رصيد الرهن العقاري المستحق أو عندما يكون العقار في حيازة.
- تضررت القروض العقارية أيضاً في الربع الثاني، حيث انخفض إجمالي القروض بمقدار 6.3 مليار جنيه إسترليني إلى 52.4 مليار جنيه إسترليني.
- على أساس سنوي، تراجعت عمليات الإقراض العقاري بنحو الثلث، إلى أدنى مستوى منذ أسوأ انهيار للإقراض بسبب كورونا في الربع الثاني من العام 2020.
انهيار محتمل
هذا ما أورده تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، والتي أشارت إلى تصريحات مؤسس شركة Shaw للخدمات المالية ومقرها مانسفيلد، لويس شو، لوكالة الأنباء Newspage، قوله إن "انهيار الرهن العقاري" يقترب، ما لم يغير بنك إنجلترا نهجه".
أضاف شو: "إن السرعة التي تتزايد بها متأخرات الرهن العقاري أمر مرعب وينبغي أن يكون ذلك سبباً للتوقف عند الاجتماع القادم لبنك إنجلترا بشأن سعر الفائدة.. هذه بيانات رهيبة، ونحن نعلم أن الأمر على وشك أن يصبح أسوأ بكثير مع وجود 1.6 مليون حامل رهن عقاري من المقرر تجديدهم على مدى الـ 12 شهراً المقبلة بمعدلات أعلى بكثير مما اعتاد عليه أي شخص منذ أكثر من عقد من الزمن".
كما نقل التقرير عن الشريك الإداري في الذراع المالية لشركة نايت فرانك للوساطة العقارية، سايمون جامون، قوله إنه في حين أنه من المرجح أن يقوم أصحاب المنازل بإجراء تخفيضات على الإنفاق الآخر قبل التخلف عن سداد أقساط الرهن العقاري، إلا أن أصحاب العقارات الذين يشترون للتأجير قد يكون لهم وجهة نظر مختلفة.
"من المرجح أن نرى متأخرات في قطاع الشراء للتأجير، حيث يواجه الملاك مجموعة فريدة من التحديات.. إذا وجد المالك أن رهنه العقاري لم يعد في المتناول، أو أن الإيجار لم يعد يغطي مصاريفه، فليس أمامه سوى خيارين - البيع أو التخلف عن السداد. إذا اختاروا البيع، فقد يضطرون إلى الانتظار لمدة تصل إلى عام حتى ينتهي عقد الإيجار، إلا إذا كانوا على استعداد للبيع مع وجود عقد إيجار قائم، وهو أمر أكثر صعوبة".
وأضاف: "من المرجح أيضاً أن يختار الملاك التخلف عن السداد أكثر من أولئك الذين يعانون من رهن عقاري مضمون مقابل مسكنهم الرئيسي، لذا فإن هذا مجال يجب مراقبته"، وفق جامون.
أزمة تكاليف المعيشة
من جانبه، فإن خبير العقارات في بريطانيا، جوناثان رولاند، يشير في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن أزمة متأخرات الرهن العقاري تعود في الأساس لعدد من الأسباب الرئيسية، على النحو التالي:
- ارتفاع تكاليف المعيشة بالبلاد (في ظل ارتفاع معدلات التضخم).
- بطء نمو الأجور في المملكة المتحدة.
- الزيادة السريعة في أسعار الفائدة من جانب بنك انجلترا.
- صعوبة البيع، حيث لم يتمكن بعض الأشخاص من التخارج قبل الوقوع في فخ الديون.
وشهد الاقتصاد البريطاني أكبر انكماش له في أغسطس منذ مطلع العام 2021، عندما كانت البلاد في حالة إغلاق بسبب جائحة كوفيد، فيما بدأ يظهر تأثير ارتفاع أسعار الفائدة، وفقا لمؤشر مديري المشتريات المركب في المملكة المتحدة. وهذا أول تباطؤ في النشاط في المملكة المتحدة منذ يناير، وفقا لهذا المؤشر الرئيسي الصادر الأربعاء عن "إس أند بي غلوبل".
وكان معدل التضخم في بريطانيا قد تراجع خلال يوليو، كما كان متوقعا، ليصل إلى أدنى معدلاته السنوية منذ فبراير 2022، على الرغم من وجود المزيد من المؤشرات التي يراقبها بنك إنجلترا وتعكس ضغوطا على أسعار السلع الأساسية والخدمات.
وارتفع معدل البطالة في بريطانيا في الأشهر الثلاثة حتى نهاية يوليو إلى 4,3 في المئة، بحسب ما أظهرت بيانات رسمية، فيما بقي ازدياد الرواتب عند مستوى قياسي. وبلغ معدل البطالة نسبة 4,2 في المئة بنهاية الربع الثاني من العام الجاري.
وسجل متوسط الأجور من دون احتساب المكافآت زيادة بنسبة 7,8 بالمئة على أساس سنوي في الفترة من مايو إلى يوليو، في أسرع وتيرة ارتفاع منذ بدء تسجيل هذه البيانات في العام 2001.
ضغوط على القطاع
ويشير رولاند، في معرض حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن "هناك ضغوطاً في سوق الرهن العقاري، لكن يتم تخفيف ذلك من خلال تسامح البنوك (الإجراءات التخفيفية) بما أدى إلى تجنب عمليات الاستعادة الجماعية للملكية".
ويوضح الخبير العقاري أن السوق تتباطأ والأسعار تنخفض لكن ببطء نسبياً. ويمكن أن يستمر هذا لبعض الوقت دون إحداث فوضى، موضحاً أن الأسعار لا تزال في المتوسط أعلى بمقدار 40 ألف جنيه إسترليني عما كانت عليه قبل كورونا.
السياسات النقدية
وكانت نائبة محافظ بنك إنجلترا الجديدة، سارة بريدين، قد قالت إنها تتفق مع زملائها في لجنة السياسة النقدية، التي تحدد أسعار الفائدة في المملكة المتحدة، على أن التضخم قد ينخفض بوتيرة أبطأ في العام المقبل مما كان متوقعاً، مما يجبر البنك المركزي على الحفاظ على أسعار الفائدة، لجهة تكلفة الاقتراض أعلى لفترة أطول من المتوقع، مشيرة إلى "خطر تفاقم النمو والبطالة".
وذكرت أمام لجنة الخزانة بالبرلمان في جلسة استماع: "سأكون، بعد نوفمبر المقبل -بعد شغلها المنصب رسمياً- حذرة للغاية في الموازنة بين هذين العاملين: خطر التضخم الذي يصبح متأصلا من خلال تأثيرات الجولة الثانية الأكثر استمراراً، فضلا عن تأثير التشديد القادم".
وإلى ذلك، يشر الرئيس التنفيذي في مركز كوروم للدراسات الاستراتيجية طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أنه "مع ارتفاع أسعار الفائدة نرى تأثيرها على السوق العقارية خاصة في دولة مثل المملكة المتحدة التي تعتمد بشكل كبير على القطاع العقاري".
ويضيف: "الآن بدأنا نرى تأثيرات لرفع أسعرالفائدة بشكل واسع، لكن ذلك لن يكون معناه أن بنك انجلترا سيوقف عن رفع الفائدة في المستقبل.. ربما يتم وقفها في الاجتماع المقبل فقط، لكن من الواضح أن الاتجاه العام لا يزال لجهة رفع الفائدة عموماً، ضمن محاولات البنك السيطرة على معدلات التضخم المرتفعة تاريخياً".
ويلفت إلى أن البنك يسعى إلى الانخفاض المستدام والمستمر في معدلات التضخم، مثلما يحدث في الولايات المتحدة، وبالتالي فهو يسعى لكبح جماح تلك المعدلات وبما يعني اتجاهه للرفع، وبما يؤثر بشكل واسع على تراكم الضغوطات بالقطاع العقاري".
ويشير تقرير الغارديان، إلى أنه من المتوقع أن ترفع لجنة السياسة النقدية أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة إلى 5.5 بالمئة في 21 سبتمبر الجاري، بما يرفع متوسط أقساط الرهن العقاري بمقدار 3000 جنيه إسترليني سنوياً للأسرة التي تعيد تمويل منتج ثابت لمدة عامين. وقالت بريدين إنها تتوقع أن يكون التضخم "حول هدف بنك إنجلترا البالغ 2 بالمئة في غضون عامين".
ورفع بنك إنجلترا معدل الفائدة الرئيسي للمرة الرابعة عشرة مطلع أغسطس إلى 5,25 بالمئة، في محاولة لتهدئة ارتفاع الأسعار في المملكة المتحدة.