ما هي بنوك الظل؟ وما حجم تأثيرها بالاقتصاد الصيني؟
13:49 - 12 سبتمبر 2023يواجه الاقتصاد الصيني مجموعة من التحديات المتزامنة، التي تنعكس على مختلف القطاعات، بما في ذلك نظام الظل المصرفي، في ظل خطر التعثر الذي يهدد بعض المؤسسات العاملة بالقطاع.. فما هو "نظام الظل المصرفي"؟ وما حجم حضوره في الاقتصاد الصيني؟ وكيف تؤثر التطورات التي يشهدها على ثاني أكبر اقتصاد في العالم؟
نظام الظل المصرفي أو ما يُعرف أحياناً ببنوك الظل (Shadow Banking System) هو نظام مالي موازي يشمل مجموعة متنوعة من المؤسسات المالية والأنشطة التمويلية التي تقوم بوظائف تشبه إلى حد كبير وظائف البنوك التقليدية ولكنها ليست تحت نفس القوانين واللوائح الرقابية التي تنطبق على البنوك التقليدية.
بدأ نظام الظل المصرفي في التطور في العقود الأخيرة من القرن العشرين وازداد تطوره بشكل كبير في العقد الأخير. وهو يمثل نموذجاً بديلاً للتمويل التقليدي وأصبح له تأثير كبير على الاقتصادات العالمية.
وفي الصين، حيث المشاكل الاقتصادية المتصاعدة -لا سيما المرتبطة بالقطاع العقاري- تقود تلك الضغوطات إلى أزمات واسعة يواجهها نظام الظل المصرفي في البلاد، والذي كان يتمتع حتى وقت قريب بثقة المتعاملين كوسيلة استثمار آمنة، وهو ما يثير تخوفات بشأن أزمة مالية أوسع، ربما تمتد إلى اقتصادات أخرى تحت تأثير الدومينو.
يقول مستشار البنك الدولي، الدكتور محمود عنبر، إن نظام الظل المصرفي أو بنوك الظل (Shadow banks) هي مؤسسات تقدم الخدمات المالية والمصرفية كافة التي تقدمها البنوك العادية، لكن دون أن تكون بنكاً خاضعاً لنفس اللوائح والقوانين المُنظمة للعمل المصرفي، موضحاً أن تجربة تلك البنوك في عديد من البلدان "لم تحقق نجاحاً كبيراً".
تعثر بنوك صينية
ويشير إلى أن تعثر بنوك ظل في الصين يعطي نموذجاً على الصعوبات التي تواجه تلك النوعية من المؤسسات، والتي تواجه إشكالات في قدرتها على سداد الإلتزامات الخاصة بها، وذلك بالتزامن مع توقيت شديد الصعوبة يمر به الاقتصاد الصيني، تحت وطأة أزمة القطاع العقاري -الذي يعد قاطرة رئيسية لاقتصاد البلاد- علاوة على بعض الاختلالات الهيكيلة في الاقتصاد.
وكانت شركة Zhongrong التي تعد من بين أكبر بالمؤسسات العاملة بنظام الظل المصرفي في الصين وتدير أموالاً بقيمة 87 مليار دولار (حتى نهاية 2022)، قد تعرضت لموجة تعثر عن سداد مستحقات العملاء وعوائدهم في أغسطس الماضي، ما دفع بالعملاء إلى تنظيم وقفات احتجاجية أمام مكاتبها.
ويوضح أن "البنوك بشكل عام ليست مهمتها الأساسية تقديم الخدمات المالية والمصرفية فقط، إنما هي في النهاية من الأدوات القوية للسياسة النقدية لمعالجة المشاكل الاقتصادية، سواء التضخم أو الانكماش وغير ذلك، وتمارس سياسات مختلفة في للتعامل مع الأوضاع الاقتصادية المختلفة من خلال الالتزام بسياسات البنوك المركزية (..)".
ويضيف عنبر: "وجود بنوك الظل كعنصر فاعل في أي اقتصادي وإن كانت تقدم خدمات مصرفية، لا ينفي حقيقة عدم قدرة البنوك المركزية على السيطرة عليها ودفعها لممارسة سياسة نقدية معينة (وفق التحديات والظروف الاقتصادي) وبالتالي يُمكن أن تكون آثار ذلك كارثية، خاصة في المرحلة الحالية التي يعاني فيها الاقتصاد العالمي من حالة من التضخم المصحوب بالركود أو الركود التضخمي، وفيما يُعول على السياسة النقدية في كبح جماح التضخم".
وتبعاً لذلك، فإن "توسع هذا النوع من البنوك في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم دون وجود أية سيطرة من البنوك المركزية عليها يهدد بجعل السياسة النقدية ليست فعالة أو ليست قادرة عل معالجة المشاكل الاقتصادية".
أزمة الصين
ويواجه ثاني أكبر اقتصاد في العالم ضائقة اقتصادية متزايدة، ما يعني مشاكل كبيرة لصناعة الظل المصرفية في البلاد التي تبلغ قيمتها حوالي 3 تريليون دولار. فالأسر الصينية تنفق أقل، وإنتاج المصانع يتراجع، والشركات تستثمر بشكل أبطأ مقارنة بالعام الماضي، بحسب تقرير لشبكة CNN.
وقفزت معدلات البطالة بين الشباب بشكل كبير لدرجة أن بكين قررت التوقف عن نشر البيانات. وفي الوقت نفسه، تعاني سوق العقارات من أزمة مع انخفاض أسعار المنازل وتخلف بعض كبار المطورين عن السداد.. كما يشير التقرير أيضاً إلى أن:
- مقرضو الظل، بما في ذلك الشركات الائتمانية، يعملون خارج النظام المصرفي الرسمي. ويتم تنظيم بنوك الظل بشكل طفيف فقط، وهي جزء مهم للغاية من القطاع المالي في الصين.
- تسهل هذه المؤسسات حركة الأموال من المستثمرين إلى البنية التحتية والعقارات ومجالات الاقتصاد الأخرى.
- حافظت البنوك المدعومة من الحكومة الصينية لفترة طويلة على أسعار فائدة منخفضة على الودائع المصرفية، الأمر الذي مكن هذه الصناديق الائتمانية -التي تقدم غالباً أسعار فائدة تتراوح بين 6 إلى 8 بالمئة- من جذب المستثمرين بوعود عوائد أعلى.
- تمتعت بنوك الظل لسنوات عديدة بسمعة طيبة باعتبارها أدوات استثمار آمنة مع فكرة -فقدت مصداقيتها الآن- مفادها أنها محمية ضد خسارة رأس المال.
- أدت المشاكل الاقتصادية في الصين إلى فشل بعض الصناديق الائتمانية، وأثقلت كاهل بعضها الآخر بمخاطر تكبد خسائر مالية هائلة، ما ترك مليارات الدولارات تحت رحمة تباطؤ الاقتصاد. وأثارت المخاطر المتزايدة المخاوف من أن أزمة مالية أكبر تلوح في الأفق.
- يشعر الخبراء بالقلق من أن سقوط هذه الصناديق الائتمانية يمكن أن يؤدي إلى تأثير الدومينو، الذي ينتشر عبر الاقتصاد العالمي. وذلك لأن بنوك الظل لا تمثل مشكلة في الصين فحسب.
حضور واسع بالاقتصاد الدولي
من جانبه، يوضح أستاذ الاقتصاد الدكتور علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن بنوك الظل ليست قوة هيّنة بالاقتصاد الدولي، ذلك أنها تسيطر على نحو 160 تريليون دولار (بحسب بنك التسويات الدولية)، وبالتالي فلها قوة اقتصادية واسعة وتأثير كبير على الاقتصاد الدولي تبعاً لذلك.
ويشير إلى أن هذا المصطلح ظهر بشكل كبير مع الأزمة المالية العالمية، التي تولدت كرد فعل عليها عديد من الأدوات المالية، مثل العملات الرقمية، لتمارس تلك البنوك نفس دور البنوك التجارية المعروف، لكن دون أن تكون تحت مظلة البنوك المركزية، وقد عرف هذا النمط توسعاً في الصين بشكل خاص التي كانت من أوائل من أدخل ذلك النظام وبدأت التعامل به.
ويضيف الإدريسي: "الهدف من نظام الظل المصرفي كان يتمثل في مواجهة المشاكل الموجودة في النظام النقدي العالمي التقليدي والتي تفجرت بعد العام 2008"، لكنها فقدت الثقة نظراً للتطورات التي يشهدها العالم، لا سيما في الآونة الأخيرة، سواء على مستوى أسعار الفائدة والصرف والديون وغير ذلك، وهي الأزمات العصية على البنوك المركزية بالأساس الساعية للتعامل بكفء مع تلك التحديات، فكيف الحال بالنسبة لبنوك الظل؟
ويلفت إلى أن الصين في الفترة الأخيرة -والتي يصل فيها حجم القطاع إلى قرابة الثلاثة تريليونات دولار بحسب تقرير نشرته شبكة سي إن إن أخيراً- تعاني من عديد من الأزمات، لا سيما المرتبطة بالقطاع العقاري، وهو ما أثر بالسلب على مختلف الأنشطة الاقتصادية، وانعكس على الناتج المحلي الإجمالي وسعر اليوان وأسعار الأسهم والسندات، كما انعكس على بنوك الظل أيضاً.
بيانات مخيبة للآمال
يعاني الاقتصاد الصيني من بيانات مخيبة للآمال، أحدثها بيانات نمو قطاع الخدمات، والتي أظهرت تباطؤاً في أغسطس هذا العام. وانخفض مؤشر مديري المشتريات للخدمات إلى 51.8 نقطة الشهر الماضي من 54.1 نقطة في يوليو، وفق "مؤشر إس أند بي غلوبال كايشين"، منتصف الأسبوع.
كما أعلنت الصين، الخميس، تسجيل تراجع إضافي في صادراتها في أغسطس، في آخر مؤشر إلى تباطؤ ثاني أكبر اقتصاد في العالم، في وقت لا تزال الحكومة ترفض إقرار خطة إنعاش.
طبقاً لما تظهره البيانات الرسمية، فإن الاقتصاد الصيني نما بوتيرة ضعيفة في الربع الثاني، على الرغم من أن الرقم السنوي كان مشجعا بسبب التحفيزات الأساسية، مع تعثر الزخم العام بسرعة بسبب ضعف الطلب في الداخل والخارج.
وبحسب البيانات الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاء فقد نما الناتج المحلي الإجمالي الصيني بنسبة 0.8 بالمئة فقط في الفترة من أبريل إلى يونيو، مقارنة بالربع السابق، مقابل توقعات المحللين في استطلاع لرويترز بزيادة 0.5 بالمئة ومقارنة بنمو بـ 2.2 بالمئة كان قد سجل بالربع الأول من العام الحالي.
على أساس سنوي، نما الناتج المحلي الإجمالي في الصين بنسبة 6.3 بالمئة في الربع الثاني، متسارعًا من 4.5 بالمئة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام، لكن المعدل كان أقل بكثير من توقعات النمو البالغة 7.3 بالمئة.