ضربة مباغتة.. هل أعاقت اليابان صعود الصين كقوة تكنولوجية؟
12:37 - 18 أبريل 2023يبدو أن عام 2023 سيشهد تسارعاً غير متوقعٍ في أحداث الصراع متعدد الأطراف، الذي يهدف للسيطرة على إمدادات صناعة أشباه الموصلات والرقائق في العالم، حيث قررت اليابان ومن خلال قرار اتخذته مؤخراً، إعادة خلط الأوراق في هذه الصناعة، بشكل قد يؤدي إلى تبدل جوهري في موازين القوى.
فاليابان التي تعد من أهم منتجي المعدات التي تدخل في صناعة أشباه الموصلات والرقائق في العالم، أصدرت قراراً منعت بموجبه الشركات اليابانية من بيع 23 نوعاً من هذه المعدات، إلى أي جهة في العالم قبل الحصول على إذنٍ من سلطات اليابان، حيث ستكون الشركات الصينية المستهدفة من هذا القرار.
ويعتبر هذا الإجراء أكثر صرامة، من الإجراءات التي فرضتها الولايات المتحدة على الصين، بما يتعلق بصناعة أشباه الموصلات، وهو بمثابة ضربة قاسية غير متوقعة، كونه يُجهِض الحلول التي أوجدها الصينيون، لتطوير صناعتهم الخاصة من أشباه الموصلات والرقائق.
ويتطلب تصنيع الرقائق الإلكترونية وجود معدات حديثة ومتطورة، تضمن جودتها ومتانتها وموثوقيتها، حيث تعتبر كل من اليابان وهولندا الدولتيْن الرئيسيتيْن في إنتاج هذه الأنواع من المعدات.
متى لجأت الصين إلى اليابان؟
ومنذ أن بدأت أميركا بفرض قيودها، التي تهدف إلى منع الصين من الحصول على الرقائق الإلكترونية المتطورة، لجأت بكين إلى الشركات اليابانية لشراء معدات تصنيع أشباه الموصلات، ما أتاح لها البدء بتطوير صناعة الرقائق الخاصة بها، ليأتي القرار الياباني الأخير ويضع حداً لإمكانية تحول الصين إلى قوة مستقلة في عالم إنتاج الرقائق.
هكذا يفهم قرار اليابان
يقول مهندس الاتصالات عيسى سعد الدين، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن اليابان قررت أن تلعب دوراً محورياً في صراع أشباه الموصلات ورقائقها، وذلك لصالح حليفتها أميركا، فقرار تقييد اليابان لصادرات 23 نوعا من معدات تصنيع أشباه الموصلات، لا يمكن فهمه سوى أنه موجه ضد الصين، وذلك رغم أن السلطات اليابانية حاولت أن تُظهِر أن قرارها موجه إلى مختلف الدول، وليس ضد دولة محددة، في خطوة كانت تهدف إلى التخفيف من احتمالية غضب الصين.
الرد الصيني على اليابان
بحسب سعد الدين فإن الرد الصيني على الإجراء الياباني كان حاداً، حيث أبلغ وزير الخارجية الصيني تشين جانج نظيره الياباني، أن الضوابط التي فرضتها طوكيو على صادرات معدات تصنيع أشباه الموصلات، هدفها فقط منع الصين من الاعتماد على ذاتها، وتقييد وصولها إلى هذه التكنولوجيا، مدفوعة من أميركا التي تكرر حيلها لقمع الصين، مؤكداً أن الخطوة اليابانية ستحفز الصين على الاعتماد على نفسها، وتخطي الصعوبات التي يتم وضعها في طريقها.
أسباب الغضب الصيني العارم
ويرى المهندس سعد الدين أن أسباب الغضب الصيني العارم من اليابان، مرده إلى أن طوكيو ومن خلال قرارها، تكون قد ذهبت أبعد مما قامت به أميركا، ففي حين أن أغلب القيود التي فرضتها واشنطن، تهدف إلى منع الصين من الحصول على الرقائق الإلكترونية المتطورة أو الرائدة، التي تم تصميمها وفقاً لتقنية أدنى من 10 نانوميتر، أتى القرار الياباني ليشمل معدات تصنيع الرقائق القديمة، والتي يتم تصنيعها وفقا لتقنية أدنى من 20 نانوميتر، وهو ما سيضع الصين في ورطة حقيقية، وسيعيق صعودها كقوة تكنولوجية عظمى.
شبه موصّل = تمام الاستقلالية! ما علاقة تايوان؟
ويشرح سعد الدين أنه في أواخر التسعينات كانت الرقائق الإلكترونية تنتج وفقاً لتقنية 250 نانوميتر، ومع التطور التقني الذي وصلنا اليه اليوم، باتت هذه الرقائق تصنع وفقاً لتقنية تقل عن 10 نانوميتر، وهذا يعني أنها باتت أكثر قوة وكفاءة، وأن المنتجات التي ستعمل من خلالها، ستكون فائقة من حيث قدرات الذكاء الاصطناعي، وهذا يشمل مختلف المنتجات من أجهزة ومعدات، مثل السيارات والطائرات والهواتف والغسالات والأسلحة الحربية، وغيرها من المنتجات، وبالتالي فإن منع الصين من الوصول لتكنولوجيا تصنيع الرقائق بتقنية أقل من 20 نانوميتر، يعني أن المنتجات الصينية ستصبح متخلفة وخاصة تلك المرتبطة بالتكنولوجيا، إذ لن تمتلك قدرات تمكنها من منافسة منتجات باقي الدول.
ويضيف سعد الدين أنه من المفترض أن يتم تطبيق القيود اليابانية الجديدة، بدءاً من يوليو 2023، ولذلك فإنه لا يزال هناك متسع من الوقت أمام طوكيو، للتخفيف من وطأته عبر إصدار استثناءات تجاه الصين، مشيراً إلى أنه في حال إصرارها على تنفيذه، فإن الصين لن تقف مكتوفة الأيدي أمام محاولات تكبيل يديها من حلفاء أميركا، إذ من الممكن أن نشهد خطوات صينية على الساحة التايوانية، التي تلعب دوراً محورياً في صناعة الرقائق.
من جهته، يقول المطور التكنولوجي فادي حيمور في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه من الواضح أن اليابان انضمت إلى الجهود، التي تقودها الولايات المتحدة لتقييد تقدم الصين في صناعة أشباه الموصلات والرقائق، حيث ستحتاج أي شركة يابانية تنتج معدات تصنيع أشباه الموصلات، لنيل موافقة وزارة التجارة في البلاد قبل عقد أي صفقة بيع للخارج، لافتاً إلى أنه مما لا شك فيه، أن تصرفات اليابان ستساهم في وضع حد لطموحات الصين في عالم إنتاج الرقائق الإلكترونية.
ويضيف حيمور أن الضوابط اليابانية، سبقتها قيود مماثلة فرضتها هولندا التي تتشارك مع طوكيو زعامة تصنيع معدات إنتاج أشباه الموصلات والرقائق، وبالتالي فإنه عند الجمع بين الإجراءات الأميركية واليابانية والهولندية، نجد أن الصين باتت في ورطة حقيقية عندما يتعلق الأمر بأشباه الموصلات، وعليها أن تعتمد على نفسها حتى في عملية تصنيع المعدات التي تصنع الرقائق، مشيراً إلى أن التقدم الذي أحرزته شركة هواوي في هذا المجال يعد كبيراً، وخاصة لناحية القدرة على إنتاج رقائق إلكترونية بتقنية 14 نانوميتر، ولكن يبقى السؤال حول ما إذا كانت هواوي، قادرة على إنتاج كميات كبيرة من هذه الرقائق، تلبي الطلب الكبير في السوق الصينية.
ويختم حيمور حديثه بالإشارة إلى أن الظلام بدأ يخيم فوق صناعة أشباه الموصلات في العالم، والجديد فيها أن هذه الصناعة، أصبحت نقطة توتر رئيسية في العلاقات بين الصين واليابان ثاني وثالث أكبر اقتصادين في العالم، لافتا إلى أن الولايات المتحدة نجحت من خلال التعاون الهولندي والياباني، في السيطرة على أنواع معدات أشباه الموصلات، لتبقى الأنظار مشدودة الآن نحو الصين، وكيفية ردها على هذه الخطوة بطريقة تضمن تفوقها الاقتصادي والتكنولوجي.