لماذا تحولت الرقائق الإلكترونية إلى نفط المستقبل؟
13:07 - 03 أبريل 2023"نحن من اخترعها وسنستردها" بهذه العبارة قام الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال زيارته مصنعا لأشباه الموصلات في كارولينا الشمالية، برسم معالم الأحداث المرحلة المقبلة، التي ستشهدها صناعة الرقائق الالكترونية العالمية. فما قاله الرئيس الأميركي منذ أيام قليلة، ليس مجرد تفصيل صغير، بل هو يدل على النظرة الأميركية لمسار الأمور في هذه الصناعة خلال السنوات المقبلة.
من اخترع الرقائق؟
قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن الولايات المتحدة هي من اخترعت الرقائق الإلكترونية، بفضل برنامجها للفضاء، معتبراً أن أميركا وعلى مدى 30 عاماً، كانت تصنّع 40 في المئة من إجمالي إنتاج الرقائق العالمي، ومن ثم حدث شيء ما وانتقلت هذه الصناعة إلى خارج الحدود وكنتيجة لذلك، باتت أميركا تصنع اليوم نحو 10 بالمئة فقط من الإنتاج العالمي للرقائق الإلكترونية، وذلك على الرغم من ريادتها البحث والتصميم، في تكنولوجيا الرقائق الجديدة.
استرداد الصدارة في صناعة الرقائق
أكد الرئيس الأميركي جو بايدن أن إدارته تعمل على استرداد أميركا الصدارة في هذه الصناعة، وهو ما يفسر جميع الخطوات التي تتخذها واشنطن، في سبيل دعم انتقال مصانع الرقائق العالمية إلى أراضيها، إضافة إلى الإجراءات العقابية ضد الصين، والتي تهدف منها منعها من التفوق في هذا المجال.
ما هي هذه السلعة الاستراتيجية؟
الرقائق الإلكترونية هي عبارة عن قطعة معدنية مصنوعة من السيليكون، وتحتوي على طبقات متعددة مدمجة بحرفية، وتضم مجموعة مترابطة من الترانزيستورات، تمكنها من إنتاج الإشارات الإلكترونية اللازمة، لتشغيل وإيقاف الأجهزة الإلكترونية المختلفة وفق البرمجة المحددة لها، ومن دون هذه الشريحة لا قيمة لأي منتج ذكي في العالم، وهذا تحديداً ما حولها إلى سلعة استراتيجية في زمن تتحول فيه جميع أجهزة العالم إلى الرقمنة.
ويمكن للرقائق الإلكترونية أن تأتي بأحجام متعددة، وتتطلب عملية تصنيعها المعقدة، استخدام تقنيات متطورة، فهي بحاجة لمراقبة دقيقة، لناحية درجة الحرارة والضغط، وتركيز المواد والنظافة.
لا شيء يعمل دون الرقائق
وفي ظل التحول الرقمي الذي يشهده العالم، باتت الرقائق الالكترونية العصب الحيوي لصناعات متعددة، فمن دونها لا شيء يعمل، بدءاً بالأجهزة الكهربائية والهواتف المحمولة والسيارات والطائرات وشبكات الاتصالات، مروراً بمراكز البيانات والحواسيب وأجهزة الانتاج في المعامل والأجهزة الطبية الحديثة، وصولاً إلى أنظمة التسلح والطائرات والصواريخ الحربية بما في ذلك الأسلحة النووية.
وبالتالي فإن أي دولة تتطلع إلى لعب دور حاسم في المستقبل الرقمي للعالم، عليها أن تسيطر على جزء كبير من صناعة الرقائق العالمية، التي باتت صناعة حاسمة في كل جوانب الوجود البشري.
كيف خسرت أميركا مركزها؟
لطالما اعتبرت الولايات المتحدة في السابق من رواد صناعة الرقائق الالكترونية في العالم، فهي فعلاً وكما أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، كانت تسيطر على نحو 40 في المئة من هذه الصناعة في عام 1990، إلا أن حصتها في السوق تآكلت، لتصبح اليوم قرابة 10 في المئة، وهذا التراجع سببه انتقال إنتاج معامل الإنتاج من الأراضي الأميركية إلى الخارج، وتحديداً إلى دول شرق آسيا، وذلك بفعل انخفاض تكاليف الإنتاج والتشغيل هناك.
وفي ظل التحول الرقمي الذي يشهده العالم، أدركت أميركا متأخرة أهمية هذه الصناعة الاستراتيجية وهول الخطأ الذي ارتكبته، فرغم أن صناعة الرقائق الالكترونية لا تزال تحت السيطرة التامة لحلفائها، أي تايوان وكوريا الجنوبية، إلا أن واشنطن تريد إعادة هذه الصناعة إلى أراضيها، وإبعادها قدر الإمكان عن مناطق النفوذ الصينية.
من يسيطر على الصناعة حالياً؟
ويبلغ حجم سوق الرقائق الإلكترونية حول العالم، نحو 430 مليار دولار، وأبرز اللاعبين في هذه السوق، هي تايوان، كوريا الجنوبية، الصين، الولايات المتحدة الأميركية واليابان.
وفي الوقت الحالي، تنتج تايوان نحو 60 في المئة من سوق الرقائق في العالم، وهي تقوم ببيع 90 في المئة من هذا الانتاج إلى الولايات المتحدة، في حين تستهلك الصين الجزء الأكبر المتبقي من الإنتاج العالمي للرقائق الالكترونية، فهي تعمد لشراء ما أتيح لها من رقائق خصوصاً بعد التصدي الأميركي لها في هذا المجال.
لا قيمة لأي صاروخ أميركي دونها!
ويعتبر المحلل في شؤون التكنولوجيا هشام الناطور، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أنه في حال دققنا جيداً بالأرقام، لفهمنا سبب سعي الولايات المتحدة لنقل إنتاج صناعة الرقائق الإلكترونية إلى أراضيها، حيث أن 90 في المئة من حاجة أميركا لهذه الرقائق، يأتي من دولة تايوان التي لا تعترف الصين بوجودها، وتعتبرها أراض تابعة لها، وبالتالي فإن أي خطوة صينية للسيطرة على تايوان، يعني تعطل قدرة الولايات المتحدة في الحصول على القطعة المعدنية، التي من دونها لا قيمة لأي دبابة أو صاروخ أو معمل أو سيارة أو طائرة.
ويضيف الناطور إن ما يقوله الرئيس الأميركي جو بايدن صحيح، فأميركا هي من اخترع الرقائق، وهي حتى الساعة تسيطر على قسمين من أصل ثلاثة أقسام، تتألف منها صناعة الرقائق الالكترونية، فأميركا لا تزال تهيمن على ما نسبته 85 في المئة من مجالات البحث والتطوير والتصميم للرقائق، كما أنها تسيطر على كل ما هو مرتبط بمعدات وخطوط إنتاج الرقائق، في حين أنها خسرت القسم المتعلق بعملية الإنتاج والتعبئة والتوزيع لصالح تايوان.
كلما تقدمت أميركا كلما ضيقت الخناق على الصين
وبحسب الناطور، فإن على الجميع أن يدرك أن موضوع استعادة أميركا لريادتها، في صناعة الرقائق الإلكترونية، هو هدف لا يمكن لواشنطن العدول عنه، تحت أي ظرف كان، وهي ستسعى لتحقيقه عبر استخدام كل ما يمكن لها، لإيقاف الصين عند حدها، مشيراً إلى أن وتيرة الأحداث المرتبطة بهذه الصناعة تسارعت في 2022، وهي ستشهد المزيد من الأحداث خلال 2023، حيث أن مئات مليارات الدولارات التي تنفقها أميركا، على برامج لدعم وجذب مصنعي الرقائق الالكترونية إلى أراضيها، هو مجرد بداية في مسار طويل من الأحداث التي سيشهدها العالم في السنوات المقبلة، فكلما تقدمت أميركا في هذه الصناعة، كلما تمكنت من تضييق الخناق على الصين.
شروط أميركا
ومنذ أيام طلبت وزارة التجارة الأميركية، من الشركات المصنعة للرقائق الإلكترونية، والتي تريد الاستفادة من خطة الدعم الفيدرالي لصناعة الرقائق، والبالغة قيمتها 39 مليار دولار أميركي، التوقيع على اتفاق يمنع تلك الشركات، من رفع طاقتها الإنتاجية لأشباه الموصلات، في بعض الدول الأجنبية لمدة 10 سنوات، بعد الاستفادة من الدعم.
كما أنه سيتوجب على الشركات التي تلقت تمويلاً، ألا تشارك عن قصد، في أي بحث يتضمن تقنيات أو منتجات حساسة مع كيان أجنبي معني.
وإلى جانب الاستفادة من الدعم المالي، كشفت وزارة التجارة الأميركية عن خصم ضريبي يصل إلى 25 في المئة للمشاركين في البرنامج.
التقدم بفضل أموالنا، محصور بنا فقط
ويصف الناطور في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، الخطوة الأميركية بوضع شروط على كل من يريد الاستفادة من أموال خطة الدعم، بأنها دليل حسي على الطريقة التي باتت تفكر فيها أميركا، وهي كمن يقول إن التقدم الذي ستحققه هذه الصناعة بفضل أموالنا، يجب أن يكون محصور بنا فقط، ولا يحق لأي طرف الاستفادة منه.
خطوات استباقية أميركية ضد الصين
وبحسب الناطور فإنه على الجميع أن يدرك أن الصين وبوضعها الحالي، لا تشكل خطراً على أميركا في صناعة الرقائق، فالتفوق في هذه الصناعة حالياً، ليس بيد الصين بل تايوان وهي حليفة أميركا، إلا أن العقوبات والقوانين التي تفرضها واشنطن، والتي تحد من قدرة الصين على التقدم في صناعة الرقائق الإلكترونية، هي مجرد خطوات استباقية، هدفها إبطاء وتيرة تطور الصين في هذا المجال، ما يفسح المجال لأميركا في الانتقال إلى بر الأمان والسيطرة على هذه الصناعة.
ويشرح الناطور أن الصين هي المنافس الوحيد الذي لديه النية والقدرة على تحدي الولايات المتحدة في مجال صناعة الرقائق، فالحكومة الصينية تنفق أيضاً مئات مليارت الدولارات في سبيل دعم هذه الصناعة، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وهو أمر ستكون قادرة على تحقيقه مهما اشتدت عليها العقوبات الأميركية، لافتاً إلى أن الصين تضغط بشكل قوي للتفوق في هذا السباق، وهي طورت العديد من شركات تصميم الرقائق في السنوات الأخيرة، لكنها ما زالت غير قادرة على صنع الرقائق المتقدمة، اللازمة للصناعات الثقيلة.
مهما كانت هوية رئيس أميركا
ويختم الناطور حديثه، بالتأكيد على أن حرب الرقائق الإلكترونية بين الصين وأميركا لن تتوقف، مهما كانت هوية الرئيس الذي يحكم الولايات المتحدة، فالدولة الأميركية بجميع أركانها، تعتبر أن هذه المسألة مرتبطة بأمنها القومي، وأن وصول المنافس الصيني للمستوى التقني الأميركي، من شأنه أن يشكل تهديداً لقدراتها، ولذلك فإن جميع التوقعات تقول إن النزاع المرير بين الولايات المتحدة والصين، سيستمر لوقت طويل.
قضية حياة أو موت بالنسبة لأميركا
من جهته يقول المستشار في شؤون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عامر الطبش، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن موضوع الرقائق الالكترونية، بات بمثابة قضية حياة أو موت بالنسبة لأميركا، مشيراً إلى أن ترك الصين تتحكم بموضوع الرقائق الالكترونية، أو صناعة أشباه الموصلات هو كارثة بالنسبة لأميركا، في وقت تقف فيه الرقائق، خلف كل منتج ذكي في العالم، فاليوم لا توجد صناعة أساسية، لا تدخل هذه الشرائح في عملية تشغيلها، انطلاقاً من المركبات وصولاً إلى صناعة الاتصالات.
منعاً لتكرار سيناريو 5G الصيني
وبحسب الطبش فإن أميركا لا تريد أن تضع نفسها تحت رحمة الصين، وهذا ما يفسر الخطوات المتلاحقة التي تتخذها، لاسترجاع هذه الصناعة إلى أراضيها، وذلك منعاً لتكرار سيناريو التفوق الصيني، الذي حدث في تقنية الجيل الخامس، حيث أن فكرة تحكم الصين بإمدادات الرقائق الالكترونية يخيف أميركا، ولذلك فإنها تعتبرها مسألة أمن قومي، وهو ما يفسر تدخل الرئيس الأميركي شخصياً في هذا الموضوع، ومحاولة طمأنته الأميركيين أنهم لن يكونوا تحت سيطرة الصينيين في موضوع الرقائق الالكترونية.
الإنتاج أكثر كلفة في أميركا
ويشرح الطبش أن أميركا أعدت خطة محكمة لاستعادة ما تعتبر نفسها خسرته، فهذه الصناعة دقيقة جداً، وتحتاج لسنوات من التحضير، مشيراً إلى أن الإنتاج الأميركي للرقائق، سيكون أعلى كلفة بالنسبة للمستخدمين من الناحية المالية، فأميركا لا تملك المواد الأولية الخاصة بعملية تصنيع الرقائق، وهي بحاجة لشرائها من عدة موردين، في حين أن هذه المواد موجودة لدى الصين، وبعض الدول الآسيوية المنتجة للرقائق، وهو ما يخفّض من كلفتها هناك.
شبه موصّل = تمام الاستقلالية! ما علاقة تايوان؟