حقبة جديدة.. ماذا تعني هرولة المسؤولين الأوروبيين إلى الصين؟
20:03 - 05 أبريل 2023في ظل وضعية سياسية مُعقدة، يُهرول مسؤولون أوروبيون إلى الصين، أحدثهم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي وصل بكين في زيارة دولة تستمر ثلاثة أيام، بحثاً عن بارقة أمل لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وكذلك من أجل بناء "شراكة استراتيجية متوازنة".
تكشف تلك الزيارات الأوروبية إلى بكين عن تطلع دول القارة العجوز إلى "حقبة جديدة مع العلاقات مع الصين"، على أساس تطوير العلاقات الاقتصادية، ولا سيما في ظل الضغوطات التي تواجهها الاقتصادات الأوروبية تحت وطأة تداعيات الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا.
تصطدم تلك التطلعات بخطاب أميركي مناهض للصين، الأمر الذي تُطرح معه عديد من الأسئلة حول مدى تأثير العلاقات الأميركية الأوروبية على دخول العلاقات الأوروبية مع الصين حقبة جديدة، وعلى مجالات التعاون الاقتصادي المشترك.
وعبرت رئيسة المفوضية الأوروبية، في خطاب لها نهاية الأسبوع الماضي، عن هذه المعضلة، مُقرة بأن العلاقات مع بكين "أصبحت أكثر بعداً وصعوبة في السنوات القليلة الماضية"، لكنها في الوقت نفسه تسافر إلى الصين رفقة الرئيس ماكرون. وفي السياق، قال رئيس الدبلوماسية الأوروبية، جوزيب بوريل، الذي يتوجه إلى الصين الأسبوع المقبل، إن "كثيراً من الأوروبيين سيذهبون إلى الصين (..) لديهم رسالة واضحة".
ترتبط تلك الرسالة بشكل أساسي بالموقف الصيني من الحرب في أوكرانيا، لكنها تحمل عدداً من التطلعات الاقتصادية لتطوير العلاقات مع بكين، طبقاً لمحللين تحدث معهم موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، شددوا على تبعات الأزمة التي تواجهها الاقتصادات الأوروبية على الانفتاح على بكين التي لا يُمكن العمل بعيداً عنها في ظل ما تمثله كقوة اقتصادية دولية مؤثرة ورئيسية.
- ارتفع إجمالى حجم التجارة بين الاتحاد الأوروبي والصين بنسبة حوالي 23 بالمئة في 2022 مقارنة بالعام 2021، ليصل إلى 856.3 مليار يورو (912.6 مليار دولار)، بحسب يوروستات.
- بلغ حجم التجارة الثنائية بين الصين وفرنسا في 2022 أكثر من 81.2 مليار دولار أميركي.
- الصين هي أكبر شريك تجاري لفرنسا في آسيا، وسادس أكبر شريك على مستوى العالم.
- فرنسا هي أكبر شريك تجاري للصين داخل الاتحاد الأوروبي. كما أن باريس كانت أول دولة تنشئ آلية مع الصين للتعاون بين الشركات في كلا البلدين في إطار مبادرة الحزام والطريق.
"أزمة اقتصادية".. ماذا تريد أوروبا من الصين؟
يقول مؤسس حزب التجمع الوطني الفرنسي، إيلي حاتم، في تصريحات لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن هناك أزمة كبيرة في فرنسا وعموم أوروبا، ونوع من الخوف من تفاقم تلك الأزمة مع ضغوطات التضخم الحالية بسبب الحرب في أوكرانيا، والانعكاسات الواسعة على الداخل الأوروبي والتي تعبر عنها التظاهرات الممتدة في فرنسا وأسبانيا وحتى ألمانيا وعديد من الدول الأوروبية الأخرى.
ويتابع: "تعرف فرنسا أن من مصلحتها ومن مصلحة الاتحاد الأوروبي فتح جسر مع العالم الجديد الذي يُبنى في سياق الأزمة الراهنة، وهو عالم متعدد الأقطاب"، موضحاً أن هذه المساعي "لها أبعاد تجارية مالية وأيضاً سياسية، على اعتبار أنه من الصعب بعد العقوبات المفروضة على روسيا أن يفتح الاتحاد الأوروبي جبهة ثانية مع الدول الأخرى (الصين تحديداً)".
وبناءً على ذلك "فتح الرئيس ماكرون الباب، وذهب إلى الصين، إضافة إلى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، للتعبير عن أن هذه المبادرة ليست فقط تتعلق بفرنسا ولكن أيضاً تشمل كل دول الاتحاد التي تعاني من مشاكل اقتصادية ومالية"، بحسب حاتم الذي يضيف قائلاً: "نحن نعلم بأن هناك أزمة مالية في فرنسا وبعض الدول الأوروبية، وهذا هو الهدف الرئيسي لتوطيد هذه العلاقات وفتح أبواب جديدة وصلبة للتعاون الاقتصادي والتجاري بين أوروبا الغربية والصين".
وحول مدى تأثير التصعيد الأميركي ضد الصين، في وقت تزدهر فيه العلاقات الأميركية الأوروبية، على هذا الاتجاه الأوروبي نحو بكين، يلفت "إيلي" في معرض حديثه مع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أنه "على عكس ما يشاع، فما يبدو في باطن فرنسا وبعض الدول الأوروبية لجهة العلاقات مع الولايات المتحدة ربما مختلفاً (..) العلاقات ليست بهذه الإيجابية كما يعتقد البعض".
ويشدد في هذا السياق على أن "مواقف فرنسا وبعض دول الاتحاد الأوروبي بشأن مساعدة الولايات المتحدة هي مواقف تحت الضغوطات (..) هناك إدراك لدى الشعب الفرنسي وبعض دول الاتحاد بأن الحرب في أوكرانيا هي حرب أميركية تقودها الولايات المتحدة على روسيا على الأراضي الأوروبية، وأن واشنطن تريد التأثير على الاقتصاد الأوروبي".
لكن على النقيض من حديث مؤسس حزب التجمع الوطني الفرنسي، فإن التوجهات العملية تشير إلى مزيدٍ من التقارب بين الولايات المتحدة وأوروبا، بعد الحرب في أوكرانيا، خاصة أن واشنطن صارت المورد الرئيسي للغاز المسال للقارة العجوز.
يهدف هذه التقارب الأوروبي الأميركي إلى تضييق الخناق على الصين. ومن أحدث الأمثلة في هذا السياق، قرار هولندا على سبيل المثال بالمضي قدماً في قيود التصدير إلى الصين، في أعقاب خطوة على مستوى الولايات تهدف إلى الحد من وصول بكين إلى أحدث إنتاج للرقائق الدقيقة.
ترسم تلك المعطيات خيوط المعضلة الأوروبية، ما بين العلاقات مع الصين (التي هي أكبر مورد للاتحاد الأوروبي وثالث أكبر مشتر لسلع الاتحاد في 2022) وبين التماهي مع السياسات الأميركية، وفي وقت يظل فيه النمو الاقتصادي الأوروبي عرضة لتبعات الحرب في أوكرانيا.
ورداً على ذلك، يُلمح حاتم في ختام تصريحاته لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن الواقع مختلفاً، حيث "يدرك الرئيس ماكرون الآن على سبيل المثال أن الأوكسجين بالنسبة لفرنسا والاتحاد الأووبي هو أن ينفتح على آسيا والصين خصوصاً؛ للخروج من هذه الهيمنة الأميركية".
الموائمة الأوروبية بين العلاقات مع واشنطن والمصالح مع الصين
من جانبه، يشير الخبير في الشؤون الصينية، نائب رئيس الطبعة العربية لمجلة الصين اليوم، حسين إسماعيل، في تصريحات لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أنه "كما هو معروف أن الصين أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، وتعد عاملاً مشتركاً في كثير من القضايا التي تهم أوروبا، وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا، وفي ظل ما طرحته بكين أخيراً بشأن ما يمكن وصفه بالمبادرة لحل الأزمة".
ويشدد إسماعيل، على أن "المصالح متشعبة على المستويين السياسي والاقتصادي، بينما الدول الأوربي تجد نفسها في موقفٍ صعب، لجهة الموائمة بين علاقاتها مع واشنطن ومصالحها مع الصين (..)".
ويستطرد: "لابد أن نميز هنا بين دول الاتحاد الأوروبي، على أساس أنها ليست جميعها على نفس المنوال في القرب من واشنطن، فبينما دولة مثل هولندا هي أقرب في تبني مواقف أميركا، لكن دول أخرى مثل فرنسا وألمانيا لا تتفق مع الرؤية الأمريكية للعلاقة مع الصين".
ويتابع الخبير في الشؤون الصينية: "هذه الدول تسعى للموائمة بين العلاقات مع الولايات المتحدة والمصالح مع الصين، وفي مقدمتها المصالح الاقتصادية"، مشيراً إلى عديد من الملفات المهمة الأخرى، من بينها التواجد الصيني في أفريقيا، بينما فرنسا لها تواجد أيضاً، وبالتالي من المهم وجود تنسيق.
ويختتم حديثه بالإشارة إلى أن الدول الأوروبية تتطلع إلى أن يكون للصين دور في إنهاء الحرب في أوكرانيا، لا سيما وأنها من أكثر المتضررين من نتائجها".
هرولة أوروبية إلى الصين بحثاً عن تسوية لوضعية معقدة
وفي السياق، يقول المحلل السياسي من باريس، نزار الجليدي، في تصريحات لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "لم يخرج عن السرب الغربي الذي يهرول الآن نحو الصين ونحو مقاربات اقتصادية جديدة في العالم".
ويلفت في ذلك السياق إلى الزيارة التي أجراها المستشار الألماني أولاف شولتس في وقت سابق بعد انتخابه، إلى الصين، قائلا: "جاءت تلك الزيارة دون استشارة أوروبا، بحثاً عن تسوية لوضعية قادمة معقدة جداً في الاقتصاد الدولي وفي تغير خارطة الجغرافية السياسية في العالم".
على الجانب الآخر، فإن الأمر بالنسبة للرئيس ماكرون معقداً بشكل أكبر، وهو ما يضيء عليه الجليدي بقوله إن "الرئيس الفرنسي يعيش ضغطاً داخلياً كبيراً، من أزمات متتالية ومع ارتفاع معدلات التضخم والفقر، علاوة على المسائل السياسية.. يذهب الآن إلى الصين (في أول زيارة لبكين منذ 2019) وهي الشريك المحبوب والمرغوب فيه، وفي نفس الوقت المكروه جداً بالنظر إلى سياسة الغرب هي الكيل بمكيالين مع الصين، أمام فرضية حتمية التعاون، رغم اختلاف السياسات الدولية".
ويشدد على أن "الصين رقم صعب في المجتمع الدولي، رغم صمتها فهي بركان قد ينفجر في أي لحظة وقد يحدث زلزالاً في الوضع الدولي".
ويلفت الباحث السياسي من باريس إلى أن الرئيس ماكرون بينما لم يحد عن سرب الهرولة الغربية إلى بكين بحثاً عن تسويات، فهو في وضعية اقتصادية وسياسية خاصة جداً، ذلك أنه يحتاج إلى تأمين شراكة اقتصادية وسياسية قوية مع بكين، حتى وإن رضخ إلى طلباتها، لا سيما وأنه يعرف جيداً أن الصين تأخذ مكانه في أفريقيا ومناطق نفوذ أخرى، وبالتالي تحمل هذه الزيارة ملفات اقتصادية مهمة ودبلوماسية بالأساس".
- تغطي مشاريع التعاون الثنائي بين فرنسا والصين البنية التحتية وحماية البيئة والطاقة الجديدة، بقيمة إجمالية تزيد عن 1.7 مليار دولار أمريكي، بحسب الإحصاءات التي نشرتها شبكة تلفزيون الصين الدولية.
- بلغت الصادرات الصينية إلى فرنسا نحو 45 مليار دولار خلال 2022 (بحسب بحسب بيانات الجمارك الصينية). وخلال الـ 26 عامًا الماضية، زادت صادرات الصين إلى فرنسا بمعدل سنوي قدره 9.82 بالمئة، من 4.16 مليار دولار في عام 1995 إلى 45 مليارا في العام الماضي.
- بلغت الصادرات الفرنسية إلى الصين نحو 35 مليار دولار في العام الماضي، وخلال الـ 26 عامًا الماضية، زادت صادرات فرنسا إلى الصين بمعدل سنوي قدره 9.29 بالمئة، من 2.76 مليار دولار في عام 1995 إلى 35 مليار دولار في عام 2022.