مع اقتراب رمضان.. المغاربة في مواجهة سهم التضخم الصاعد
00:39 - 17 مارس 2023تحفل المائدة المغربية في شهر رمضان بأصناف شهية، لكن كلفة هذه المائدة باتت باهظة للغاية في ظل صعود سهم التضخم، حيث قفز معدل التضخم في المغرب، خلال يناير الماضي إلى 8.9 في المئة، مدفوعاً بأسعار السلع الغذائية، وخصوصاً الخضروات، التي وصلت أخيراً إلى مستويات قياسية.
وفي منتصف فبراير الفائت، أصدر البنك الدولي تقريراً بخصوص المغرب، يشير إلى تعرض اقتصاد المملكة إلى ضغوط بسبب صدمات سلاسل الإمداد، رغم الانتعاشة القوية التي شهدها الاقتصاد في أعقاب جائحة كورونا.
وذكر التقرير أنّ من بين أبرز تلك الصدمات: موجة جفاف شديدة وزيادة هائلة في أسعار السلع أدت إلى زيادة كبيرة في معدلات التضخم، كما سلط التقرير الضوء على وضع الاقتصاد المغربي كالتالي:
- من المتوقع أن تتسارع معدلات النمو الاقتصادي إلى 3.1 بالمئة في 2023
- لكن لا تزال مخاطر التطورات السلبية قائمة بسبب التوترات الجيوسياسية (لا سيَّما المرتبطة بالحرب في أوكرانيا) والصدمات المناخية المحتملة
- تراجع معدلات نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي من 7.9 بالمئة في 2021 إلى ما يقدر بنحو 1.2 بالمئة في 2022
- ارتفع عجز الحساب الجاري من 2.3 بالمئة إلى 4.1 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي
- بلغ معدل التضخم السنوي المغربي ذروته عند 8.3 بالمئة في نهاية العام 2022
- رفع البنك المركزي المغربي أسعار الفائدة مرتين منذ سبتمبر 2022 بمقدار 100 نقطة أساس تراكمية
المواطن في المواجهة
يدفع المواطن المغربي فاتورة التأزم الاقتصادي بالتبعية، وفي هذا الصدد يقول الخبير الاقتصادي المغربي، هشام بنفضول إنّ ارتفاع الأسعار ليس سببه فقط التضخم الآتي من الخارج ولاسيَّما فيما يتعلق بالمحروقات، وإنما هو آتٍ من المضاربات حول الأسعار أيضاً، واستغلال هذه الفرصة من المضاربين، ورفع الأسعار لجني أكبر قدر ممكن من الأرباح.
ويضيف بنفضول لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية، أنّه في الأغلب لن تستطيع الحكومة التحكم في المضاربات، نظراً لاستشراء الرشى، واعتماد المضاربين على طرق سرية في تخزين السلع، مما سيتسبب في معاناة المواطن المغربي، خاصة العائلات الهشة ذات الدخل المحدود، أو ما يعرف بالطبقات المتوسطة التي تعاني أشد ما تكون المعاناة. يقول بأسى: "المواطن سيدفع الثمن".
ويشدد الخبير الاقتصادي المغربي على ضرورة وجود خطة حكومية جدية تواجه المستويات المرتفعة جداً للتضخم، سواء تعلق الأمر برمضان أو بغيره. بحيث لا يمكن أن تكون السياسة العمومية موسمية، وأن نستطيع التحكم في الأسعار خلال رمضان ثم نعجز عن ذلك في الشهور الأخرى.
ويتابع: "رغم ذلك، في اعتقادي أنّه على الحكومة وبنك المغرب - البنك المركزي الذي يمكن أن يتحكم إلى حد ما في نسبة الفائدة - أنّ يعملا على زجر المضاربين من جهة، وتخفيض الاستهلاك الممول بالقروض من جهة أخرى".
يرى بنفضول صعوبة في أن تؤتي السياسة العمومية ذات الأجل القصير أكلها؛ إذ أنّ التحكم في أسعار المواد الأساسية من خضروات ولحوم (بيضاء، حمراء، أسماك)، يقول: "لن يحدث في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، التي تتلخص في: ارتفاع تكلفة نقل المواد، وتكلفة المواد الأولية مثل: الأعلاف والبذور التي تخضع لقانون العرض والطلب على المستوى الدولي".
متاعب الاقتصاد المغربي
من جهته يقول علي الغنبوري، الخبير الاقتصادي، ومدير البرامج داخل مرصد العمل الحكومي، إنّ المستوى الصاعد للتضخم في المغرب سيكون له تأثير مباشر على القدرة الشرائية للمواطنين المغاربة، فالتضخم وصل إلى مستويات غير مسبوقة في المغرب، حيث تجاوز عتبة 6.6 بالمئة سنة 2022، وواصل ارتفاعه ليصل إلى 8.9 بالمئة في الشهر الأول من سنة 2023.
ويعدد الغنبوري في حديثه لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية متاعب الاقتصاد المغربي، والآثار المترتبة عليها، فيقول:
- المغرب يخضع بشكل تام لتقلبات السوق الدولية التي تعيش على وقع حالة لا يقين اقتصادي جراء الاختلالات التي تعرفها سلاسل التوريد والإنتاج، التي سببتها أولاً: حالة استعادة النشاط الاقتصادي العالمي القوية بعد جائحة كورونا. ثانياً: تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية؛ حيث بلغت الفاتورة الطاقية للمغرب ما يربو على 154 مليار درهم وتجاوزت قيمة فاتورة استيراد المواد الغذائية نحو 86 مليار درهم سنة 2022.
- ينعكس هذا الوضع بشكل مباشر على أسعار المواد الغذائية والمواد الطاقية، التي باتت تعرف ارتفاعا صاروخياً، أثر بشكل كبير على مستويات عيش المواطنين، على سبيل المثال وصل التضخم في المواد الغذائية إلى 11.1 بالمئة.
- من المرجح أن يستمر نفس النسق المرتفع للواردات المغربية خلال سنة 2023، وهو ما يزيد من متاعب الاقتصاد المغربي، وينعكس بشكل مباشر على القدرة الشرائية للمواطنين المغاربة وخاصة في شهر رمضان؛ حيث يتضاعف مستوى الطلب على المواد الاستهلاكية
جهود حكومية
في السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي، علي الغنبوري أنّ ثمة إجراءات تقوم بها الحكومة المغربية لتطويق التضخم ومحاولة حصر تداعياته، والحدّ من ارتفاع الأسعار، من خلال الآتي:
- الاستمرار في العمل بنظام المقاصة عبر تخصيص ما يربو على 26 مليار درهم لدعم 3 مواد أساسية هي السكر والحبوب وغاز البوتان، للحفاظ على أسعارها العادية داخل السوق المغربية.
- بالإضافة إلى التدخل الضريبي لتجاوز أزمة اللحوم من خلال التوجه إلى الاستيراد وإيقاف العمل بالضريبة على القيمة المضافة المطبقة على الأبقار المستوردة المعدة للذبح.
- حيث تم استيراد أكثر من 10 آلاف رأس من الأبقار من أميركا اللاتينية ضمن خطة تتجه إلى استيراد حوالي 30 ألف رأس من الأبقار المعدة للذبح قبل شهر رمضان.
- هذا بالإضافة إلى وقف استيفاء الرسوم المطبقة على استيراد القمح اللين وعلى الزيوت النباتية، وذلك في أفق خفض أسعارها الملتهبة.
ويلفت الغنبوري إلى أنّ الحكومة جاهدة أيضاً لتجاوز اختلالات السوق الوطنية، ولاسيَّما فيما يتعلق بتموين السوق بالخضر والفواكه المنتجة محلياً، والتي تتعرض لسلسلة من المضاربات والاحتكار، ما زاد من استفحال أزمة غلاء الأسعار.
ويتابع: "أوقفت الحكومة تصدير هذه المواد الغذائية نحو إفريقيا حتى يستقر ميزان العرض والطلب على المستوى الداخلي، كما تعمل على تكثيف حملات المراقبة والتتبع الميداني للأسواق بشكل يومي لمنع كل أشكال المضاربة والاحتكار".
مسؤولية من؟
ثمة جدال دائم في خضم المناخ العام المتعلق بالتضخم، يرتبط بمسؤولية المواطنين والحكومة عن الحدّ من آثار التضخم، ففي الوقت الذي يُنادى فيه بدور الحكومة، يطالب البعض المواطنين بترشيد الاستهلاك، وربما التقشف أحياناً، في سبيل كبح زمام التضخم، وضبط الأسواق.
في هذا المنحى، يرى هشام بنفضول أنّه لا يمكن الحديث عن دور المواطن في مواجهة أعباء التضخم، مشيراً إلى أن المواطن غير مؤهل لفهم ماهية الأمور، في دولة تبلغ الأمية فيها أكثر من 30 بالمئة، ونسبة الهدر والانقطاع المدرسي مستويات مرتفعة، تربو على 300 ألف تلميذ سنوياً.
ويستطرد: "مع حجب المعلومات المالية والمتعلقة بالميزانيات عن المواطنين وعن المجتمع المدني، لا يمكن أن نحمل المواطن مسؤولية التضخم. من جهة أخرى، لا يمكن أن نحمل الحكومة المسؤولية كاملة وحدها".
ويوضح: "الحكومة غير مسؤولة عن التغيرات الدولية في الأسعار مثلاً، وإنما مسؤوليتها تنصب على الحدّ من التلاعب في الأسعار المرتفعة بالفعل. ومواجهة التضخم "المصطنع" بفعل الغش في الأسعار واحتكار المواد الغذائية. أمّا ارتفاع المواد الأولية على المستوى الدولي فليس للحكومة من هامش للتحكم فيه".
يتفق علي الغنبوري مع ما ذهب إليه بنفضول في أن "الحكومة هي المسؤولة عن وقف تدهور مستويات التضخم"، لكنه يرى أيضاً أنّ ثمة مسؤولية وحيدة تقع على عاتق المواطنين، هي الوعي بضرورة ترشيد الاستهلاك، ولاسيّما في ظل هذه الأزمة ذات الأبعاد الدولية التي تؤثر بشكل مباشر على مستويات التضخم والأسعار على المستوى الوطني.
ويضيف الغنبوري أنّ الحكومة يجب أن تتخذ قرارات أكثر جرأة وقدرة على تلبية طموحات المغاربة، خاصة فيما يتعلق بالمستوى الضريبي، ومن خلال إصلاح منظومة الدعم الموجه للمواطنين الأكثر هشاشة وجعلها أكثر قدرة على تحقيق مبدأ الاستحقاق.
ويردف: "يجب إصلاح المخططات الزراعية الوطنية أيضاً، وجعلها تتجه نحو الزراعات المعيشية التي تمس الحياة اليومية للمواطنين، بدلاً من التوجهات الحالية المتجهة بشكل متصاعد نحو الزراعات التصديرية، هذا بالإضافة إلى ضرورة تسريع خطوات الانتقال الطاقي نحو الطاقات المتجددة وتخفيف وطأة التبعية الطاقية للخارج".