مع تقلباته انخفاضاً وارتفاعاً.. هل لا يزال الذهب ملاذا آمنا؟
14:40 - 06 مارس 2023مع ما يشهده الذهب من تقلبات حادة في أسعاره مرة انخفاضاً ومرة ارتفاعاً، وخصوصاً خلال الأزمات الاقتصادية التي يشهدها العالم جراء ارتدادات الحرب الروسية الأوكرانية، يتساءل مراقبون فيما إذا كان المعدن الأصفر لايزال يحافظ على خصوصيته كملاذ آمن للاستثمار؟!
ويؤكد خبراء اقتصاد أن الذهب وعلى التاريخ يتربع على عرش الأصول ذات الملاذات الآمنة، على الرغم من تقلب أسعاره في الفترة الأخيرة، إذ بعدما بدأ عام 2023 وهو بالقرب من مستويات 1960 دولاراً للأونصة، عاد ليتراجع من جديد ويستقر الآن بالقرب من مستويات 1850 دولاراً.
وعلى عكس أغلب التوقعات التي كانت تدعم احتمالات عودة المعدن الأصفر إلى مستويات 2000 دولار للأونصة بحلول العام الحالي، بل وتسجيل مستويات قياسية جديدة، إلا أن الذي حدث على أرض الواقع غير هذه التوقعات تماماً حيث تراجع الذهب أكثر من 100 دولار للأونصة في شهر فبراير فقط.
ما الأسباب وراء تقلبات الذهب؟
رائد الخضر رئيس قسم أبحاث الأسواق المالية في مجموعة Equiti "" يشرح لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أسباب تقلبات الذهب قائلاً: "من أبرز أسباب تراجع الذهب استمرار ارتفاع معدلات التضخم الأميركية، حيث بدأ المستثمرون يتأهبوا لمزيد من رفع الفائدة في عام 2023، وبالأخص بعدما أكدت البيانات الاقتصادية لا سيما بيانات قطاع سوق العمل استمرار تماسك الاقتصاد الأميركي، بل تحسنه أيضاً ما يدفعه للتأقلم على المزيد من رفع الفائدة".
ولكن هل من الممكن أن يعود الذهب للارتفاع من جديد؟
على الرغم من التحديات التي تقف أمام ارتفاع أسعار الذهب، مثل خطط أغلب البنوك المركزية في الاستمرار بوتيرة التشديد النقدي ورفع الفائدة والتي تتسبب في تراجع الطلب على الأصول بدون عائد مثل الذهب، إلا أنه أيضاً علينا ألا نغفل أن هناك العديد من العوامل التي تساعد على تعافي المعدن الثمين، طبقاً للخضر الذي أوضح أن أبرز هذه العوامل استمرار زيادة البنوك المركزية حيازتها من الذهب، إذ كشفت أحدث البيانات الصادرة عن مجلس الذهب العالمي، تعزيز البنوك المركزية مشترياتها من الذهب على مدى عام 2022 لتصل إلى أكثر من 600 طن ما بين الربعين الأول والثالث.
في حين كانت آخر مرة تحركت فيها البنوك المركزية لشراء تلك المستويات عام 1967، بعدما اتجهت البنوك المركزية الأوروبية لشراء كميات ضخمة من الذهب من الولايات المتحدة الأميركية. الأمر الذي أدى إلى تسريع نهاية نظام بريتون وودز الذي ربط قيمة الدولار الأميركي بالذهب.
ويوضح رئيس قسم أبحاث الأسواق المالية في مجموعة "Equiti" أن البنوك المركزية تعود من جديد للذهب كاحتياطي رئيسي مع استمرار ارتفاعات التضخم لمستويات قياسية ومحاولة التحرر من الدولار الأميركي. وبالأخص الأسواق الناشئة التي تحتاج إلى الدولار لسداد الديون الخارجية التي أثقلت كاهلها خلال العام الماضي وانهيار عملاتها مقابل ارتفاع الدولار الأميركي.
على مر التاريخ الذهب يتربع على عرش الملاذات الآمنة
بعد وقوع الأزمة المالية العالمية عام 2008، لم يجد المستثمرون ملاذاً آمن غير الذهب مع انهيار الأسواق المالية حيث ارتفع 25 بالمئة بين 2008 و2010، وبمجرد عودة استقرار الأسواق العالمية نوعاً ما منذ نهاية 2011 عاد الطلب على الذهب ليتراجع بعد انخفاضه إلى مستويات تقترب من 1000 دولار للأونصة في 2015 عاد الذهب ليرتفع بقوة منذ ذلك الحين، وبمجرد تفشي وباء كوفيد-19، ازداد الطلب على الذهب مجدداً ليسجل مستويات قياسية عند 2074 دولار للأونصة، ثم جاءت الحرب بين روسيا وأوكرانيا لتؤكد على جاذبية المعدن الأصفر كملاذ آمن ليعود من جديد إلى 2000 دولار للأونصة مجدداً، قبل أن تبدأ البنوك المركزية في وتيرة التشديد النقدي.
ويضيف الخضر: "رغم الضغوطات التي تعرض لها الذهب إلا أنه لا يزال يحافظ على مستويات مرتفعة مقارنة بمستويات عام 2015 عندما وصل إلى 1000 دولار للأونصة، وكان من المفترض أن يضغط رفع الفائدة على الذهب، وبالأخص مع وتيرة التشديد النقدي القوية التي تتبعها البنوك المركزية وبالأخص الفيدرالي الأميركي، ولكن على العكس حافظ الذهب على مستويات مرتفعة ولم ينجح في كسر مستويات 1600 دولار للأونصة حتى الآن، وهذا يعود إلى جاذبية المعدن الأصفر كملاذ آمن مع استمرار التوترات الجيوسياسية والمخاوف الناجمة عن ارتفاعات التضخم، وبالتالي فإن الذهب على مر التاريخ كان الملجأ الأساسي الذي يتجه إليه المستثمرون في أوقات الأزمات".
القرش الأصفر في اليوم الأسود!!!
خصوصية متفردة
بدوره، يتفق الخبير الاقتصادي علي حمودي مع الخضر في أن الذهب لا يزال ملاذاً آمناً للمستثمرين، وقال: "إن الذهب يتمتع بخصائص يتفرد بها عن غيره من الأصول، فجميع الناس يعلمون قيمة المعدن الأصفر ويدركون كيفية التعامل معه ويسعون إلى حيازته بدءاً من الفقير إلى الغني والمتعلم والجاهل ومن مختلف جنسيات العالم، فضلاً عن أنه سريع التسييل إلى "الكاش" وبأي عملة وأينما تواجد المستثمر حول العالم".
ويؤكد حمودي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" "التاريخ يعلمنا أن الذهب يحتفظ بقيمته حتى وإن اخفض أو ارتفع سعره، وذلك مقارنة بغيره من الأصول مثل الكثير من العملات، ولذلك تتجه البنوك المركزية في العالم إلى زيادة حيازتها من هذا المعدن النفيس وخاصة الاقتصادات الكبيرة مثل الصين، وكذلك روسيا التي تسعى إلى زيادة مخزونها من الذهب".
أي وقت أفضل للاستثمار في الذهب
بحسب حمودي، لا يوجد وقت محدد للاستثمار في الذهب، لكن هناك قاعدة تقول "لا تضع كل البيض في سلة واحدة" فالأهم هو تنويع سلة الاستثمارات في أي وقت وفي أي مكان بحيث تكون حصة الذهب بين 5 و10 بالمئة من سلة استثمارات الفرد أو الشركة، لكن حمودي أشار إلى حالة استثنائية يكون فيها شراء الذهب وسيلة لحفظ قيمة المدخرات مثل الحروب.