كيف نجت سويسرا من فخ التضخم؟
12:45 - 03 مارس 2023أغرقت تداعيات جائحة كورونا ومن بعدها الحرب في أوكرانيا الاقتصاد العالمي في عديد من الأزمة، على رأسها معدلات التضخم غير المسبوقة التي ضربت مختلف الاقتصادات، بما في ذلك اقتصادات البلدان المتقدمة التي تسعى حالياً لكبح جماح معدلات التضخم، عبر اتباع سياسات مالية متشددة إلى حد بعيد.
غرّدت سويسرا بعيداً بشكل نسبي عن سرب البلدان الكبرى التي تكافح من أجل التغلب على ارتفاع معدلات التضخم ذات الرقمين، فبينما سجلت الولايات المتحدة معدلات بنسبة 9.1 بالمئة وبريطانيا 11.1 بالمئة ونسبة 10.6 بالمئة ذروة الارتفاعات في منطقة اليورو، احتفظت سويسرا بوتيرة أقل كثيراً بالنسبة لارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم.
وبرغم أن معدل التضخم 3.5 بالمئة الذي سجلته سويسرا في العام 2022 يعد معدلاً منخفضاً إلى حد كبير مقارنة بجيرانها، إلا أنه يعد أعلى مستوى مسجل بالبلاد منذ ثلاثة عقود تقريباً، وذلك في وقت كان يستهدف فيه البنك الوطني السويسري (البنك المركزي) معدلات تضخم من 0 إلى 2 بالمئة.
وثمة مجموعة من العوامل الرئيسية التي تعزز قدرة سويسرا على مجابهة فخ التضخم، يحدد المحلل المالي المتخصص في الشؤون الأوروبية والآسيوية، أنجيلو جوليانو، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" ثلاثة عوامل رئيسية منها، أبقت معدلات التضخم هناك "تحت السيطرة"، وهي:
- العامل الأول: سياسة نقدية محافظة
- العامل الثاني: تأثر أقل باضطرابات أسعار الطاقة
- العامل الثالث: الفرنك السويسري القوي
سياسة نقدية محافظة
يشدد جوليانو، على أنه بالنسبة للعامل الأول فقد اتبع البنك الوطني السويسري "سياسة نقدية محافظة" من خلال "تيسير كمي أقل". بينما فيما يتصل بالعامل الثاني فإن سويسرا قد تأثرت بشكل أقل بأسعار الطاقة، وذلك لاعتمادها بشكل أكبر على الطاقة النووية والمائية.، وبالتالي تعد أقل اعتماداً على واردات الطاقة من جيرانها.
ويشار هنا إلى "شبكات الأمان" التي يتمتع بها موردو الطاقة في سويسرا، والتي تدعمهم في أن يكونوا أقل عرضة لتقلبات الأسعار الشديدة بالسوق.
وتعتبر سويسرا من أقل البلدان تأثراً بالعوامل الخارجية التي كانت السبب الرئيسي في ارتفاع الأسعار في أوروبا خلال العام 2022، مثل الحرب في أوكرانيا، وذلك على اعتبار أنها تعتمد بصورة أقل على واردات النفط والغاز من بعض الدول الأوروبية، حيث تلعب الطاقة الكهرومائية دوراً هامّاً في إمدادها بالطاقة.
بلغت نسبة ارتفاع أسعار الطاقة في سويسرا حوالي 16.2 بالمئة في العام 2022، وهو مستوى زيادة منخفض مقارنة بدول أوروبية مثل إيطاليا التي سجلت ارتفاعاً نسبته (64.7 بالمئة) ومثل المملكة المتحدة (52.3 بالمئة) وهولندا (30 بالمئة) وألمانيا (25 بالمئة). بينما تتوقع هيئة تنظيم الطاقة في سويسرا ارتفاع الأسعار بنسبة 27 بالمئة العام الجاري.
قوة الفرنك السويسري
كما تحدث المحلل المالي المتخصص عن "قوة الفرنك السويسري"، مشيراً إلى أن قوة العملة السويسرية -التي احتفظت بمستويات تكافئ قيمة اليورو- يجعل من السهل الحد من "التضخم المستورد".
ارتفعت قيمة الفرنك ليتعادل مع اليورو خلال العام 2022، في دليل على قوتها، لا سيما وأن عديداً من العملات سقطت في فخ التراجع الحاد أمام الدولار الأميركي في ظل الأوضاع الاقتصادية التي عرفها العالم خلال العام الفائت.
ويحظى الفرنك السويسري بدعم كبير من احتياطي كبير من الذهب والسندات والأصول المالية، وبما يساعد البنك الوطني السويسري على ضمان استقرار العملة في أوقات التقلبات.
- تبلغ قيمة واردات سويسرا نحو 302 مليار دولار من السلع والخدمات كل عام، يأتي معظمها من دول الاتحاد الأوروبي
- تبلغ قيمة صادرات سويسرا ما يقارب 305 مليارات دولار سنوياً، من السلع والخدمات عالية القيمة (ساعات ومستحضرات صيدلانية) وتعتبر تلك السلع أقل عرضة لتقلبات الأسعار
ويضاف إلى العوامل سالفة الذكر التي عززت قدرة الاقتصاد السويسري على مجابهة معدلات التضخم، فلسفة الشعب السويسري نفسه، والذي يمكن وصفه بأنه "أقل تأثراً بارتفاع الأسعار نظراً لإنفاقه نسبة أقل من دخلهم على الضروريات مثل الطعام والسكن مقارنة بالدول الأخرى"، طبقاً للتقرير المشار إليه.
ويشير التقرير إلى أن سويسرا تعتبر واحدة من أغنى دول العالم، حيث يفوق نصيب الفرد فيها من الناتج المحلي الإجمالي نظيره في الاقتصادات الكبرى الأخرى، مثل أميركا أو اليابان أو ألمانيا.
عوامل أساسية
وإلى ذلك، يوجز خبير أسواق المال السويسري تييري أريز، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أبرز العوامل المؤدية إلى معدلات التضخم الحالية في سويسرا، وهي:
- الأسعار مرتفعة بالفعل
- لا تشكل حصة الغذاء والسلع الأساسية جزءاً كبيراً من سلة التضخم
- قوة الفرنك السويسري مقابل الدولار الأميركي - وهذا له تأثير أيضاً على أسعار الواردات
- الصادرات السويسرية من السلع عالية القيمة
- الاعتماد على الطاقة الكهرومائية
- يوجد احتياطي أعلى نسبياً من الذهب لدى البنك المركزي
أسباب ارتفاع معدلات التضخم
من جانبه، يتحدث أستاذ الاقتصاد بجامعة زيورخ السويسرية، ساندرو أمبويل، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عن أسباب ارتفاع معدّلات التضخُّم في سويسرا لأوّل مرّة منذ 29 عاماً، قائلاً: "الأسباب الرئيسية لارتفاع معدّلات التضخم هي ذات الأسباب حول العالم (..) بما في ذلك مشكلات سلاسل التوريد الناجمة عن وباء كورونا، والحرب في أوكرانيا".
ويضيف: "على المستوى المحلي هناك بعض المشكلات التي أسهمت في ارتفاع معدلات التضخم؛ كالعرض المحدود للغاية من السكن، جنباً إلى جنب مع تدفق المهاجرين (بسبب النقص الحالي في العمالة ذوي المهارات العالية بسويسرا وبما أدى لارتفاع كبير في ارتفاع تكاليف السكن)".
ويؤكّد أمبويل أن "واحدة من القضايا الاقتصادية الرئيسية في سويسرا هذه الأيام هي ارتفاع تكاليف السكن، لا سيما في المراكز الحضرية"، موضّحاً أن "تلك الأزمة لم تنتج بسبب المضاربة، بل نتيجة لندرة كبيرة في المعروض من المساكن، فمن الصعب- وفق اللوائح والقوانين السويسرية- بناء مساكن جديدة".
ويشير إلى أنّ "القضية الاقتصادية الرئيسية الثانية بسويسرا حاليّاً هي ندرة العمال ذوي المهارات العالية، لا سيما في مجال التكنولوجيا والصناعة الطبية".
ويستطرد: "قبل شهرين، كان الناس قلقون من أن الأزمة الرئيسية ستكون نقص الغاز بسبب تقييد الإمدادات الروسية؛ لكن لحسن الحظ، لم تتحقق أي من هذه المخاوف". ويرجع أمبويل ذلك جزئيًا "إلى مجيء الشتاء دافئاً على غير المتوقع، والذي تطلب طاقة أقل للتدفئة".
وفيما يستهدف البنك المركزي السويسري معدّلاً للتضخُّم بين 0 لـ 2 بالمئة، يوضّح أستاذ الاقتصاد السويسري أنّه لتحقيق تلك المستهدفات أو على أقل تقدير الاقتراب منها رفع البنك أسعار الفائدة؛ كما أن عديداً من المراقبين يتوقّعون زيادة أسعار الفائدة بشكل أكبر في المستقبل، وهو ما يوحي بأنّ انخفاض معدّلات التضخم في سويسرا لن يكون قريباً".
وفي ختام حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يصف أمبويل الفرنك السويسري بعملة الملاذ الآمن؛ ويستطرد: "كلما كان هناك عدم يقين في جميع أنحاء العالم، يعيد المستثمرون تخصيص استثماراتهم نحو البلدان ذات السياسة النقدية المستقرة، مثل سويسرا؛ وهو ما تحقق فعلا عندما أدى جائحة كوفيد-19، والوضع في روسيا، والتقلبات الاقتصادية الحالية لزيادة الطلب على الفرنك السويسري".