تقرير رسمي "مفزع".. الاضطرابات النفسية تحاصر نصف المغاربة
19:14 - 20 يناير 2023كشفت دراسة رسمية في المغرب، عن مؤشرات مقلقة للصحة النفسية في البلاد، سواء بسبب قلة المستشفيات المختصة، أو بفعل إحجام كثيرين عن طلب العلاج، نظرا للوصم الذي يلحق بمن يشكو اضطرابات نفسية.
وأظهرت البيانات التي جرى الكشف عنها، مؤخرا، أن ما يناهز نصف المغاربة عانوا من اضطرابات خلال فترات ما من حياتهم.
وهذه النسبة إجمالية لأنها تشمل من يعانون اضطرابات نفسية في الوقت الحالي، إلى جانب من سبق لهم أن عانوا منها، في مرحلة سابقة.
وكشف المجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي (هيئة حكومية)، أن المسح الوطني للسكان من سن 15 عاما فما فوق، أظهر أن 48.9 بالمئة من المغاربة، يعانون أو قد سبق لهم أن عانوا من اضطراب نفسي أو عقلي في فترة من فترات حياتهم.
وأبرز المجلس أن مخصصات الدولة ضمن الميزانية من أجل الصحة العقلية، خلال العام 2021، لم تتجاوز ما نسبته الـ2 بالمئة، كما أن عدد الأسرة الخاصة لمعالجة المرضى النفسيين، تبلغ 2431 سريرا.
تفشي الأمراض النفسية
تعليقا على الموضوع، قال محمد البرودي، وهو أخصائي نفساني ومختص في علاج الإدمان، إن أكثر الأمراض النفسية والعقلية شيوعا، تتشكل أساساً من حالات الاكتئاب، والقلق النفسي والخوف المرضي، إضافة إلى مرض الفصام والاضطراب ثنائي القطب والوسواس القهري.
ويرى الخبير أن هذا الوضع يستدعي بدل مجهودات كبيرة لمساعدة المرضى نفسيا، فضلا عن النهوض بمجال الصحة النفسية والعقلية في المغرب، بدءً من سد نقص الموارد البشرية في المستشفيات الحكومية.
ويضرب الخبير مثلا بتوفر القطاع الخاص على مركزين اثنين فقط في مدينةالدار البيضاء، علما بأنها كبرى مدن البلاد، فيما يحتاج من يدخل إليهما دفع تكلفة توصف بالباهظة والعصية عن ذوي الدخل المحدود.
الجائحة فاقمت الوضع
كشف محمد البرودي، في حوار مع موقع "سكاي نيوز عربية"، أن انتشار جائحة كورونا عام 2020، فاقم وضع الصحة النفسية للمغاربة وأظهر الحاجة الملحة لدى الدولة في الاهتمام بمجال الصحة النفسية والعقلية، حيث إنه تم إنشاء خلايا الدعم النفسي عن بعد من طرف وزارة الصحة وكذا بعض الجمعيات العاملة في مجال الصحة النفسية.
وأرد أن هذه الحملات جاءت لمواجهة الارتفاع المقلق لنوبات الهلع والخوف من انتشار الفيروس، إضافة إلى اضطراب القلق والضغط النفسي جراء الظروف المعيشية التي عرفتها بعض الأسر المعوزة، وكذا المتوسطة، بسبب التغييرات التي أحدثها الحجر الصحي.
نقص مهول في الأطباء
في ظل الأرقام التي كشف عنها التقرير، لفت المختص في علاج الإدمان إلى النقص الحاد في الموارد البشرية في مجال الصحة النفسية.
وعلق بقوله: "الأمر يزداد تعقيدا، فالأرقام الأخيرة تكشف توفر بلادنا على 454 طبيبا نفسانيا فقط، إضافة إلى وجود نحو 40 أخصائيا فقط في طب الإدمان، زد على ذلك، حوالي 124 أخصائيا نفسيا، وما لا يتجاوز 50 أخصائيا في الطب النفسي للأطفال".
هذه البيانات والأرقام الصادمة، بحسب الخبير، لا تلائم الكثافة السكانية لأزيد من 35 مليون مغربي، وهو ما يستوجب تدخلا عاجلا ومراجعة شاملة فيما يخص تدبير الموارد البشرية بمجال الصحة النفسية والرفع من عدد موظفي الطب والتمريض والأخصائيين النفسانيين في مستشفيات الأمراض النفسية والعقلية وكذا مصالح الطب النفسي ووحدات مراكز طب الإدمان.
ولفت إلى أن واقع عدد الأسِرّة بمستشفيات الأمراض النفسية والعقلية بالمغرب لا يتعدى 2431 سرير، موزعة على كامل البلاد، زد على ذلك النقص الكبير في مستشفيات الأمراض النفسية والعقلية بالمغرب والتي يتبقى عددها محدودة مقارنة بالساكنة الإجمالية.
الوصم الاجتماعي
وفيما يخص الوصم الاجتماعي للمرضى النفسيين، أكد المتحدث أنه يشكل معضلة حقيقية "نحتاج إلى محاربتها والقيام بحملات توعية سواء، عبر الإعلام الرسمي أو الخاص، بشتى منصاته المرئية والمسموعة والمكتوبة".
ونظمت وزارة الصحة المغربية، حملة لمحاربة وصم المرضى النفسيين، من خلال إطلاق الحملة الوطنية التي امتدت لمدة 10 أيام خلال شهر أكتوبر الماضي.
في هذا الصدد، دعا محمد البرودي، الفاعلين والمهتمين بمجال الصحة النفسية والعقلية والمهنيين إلى المشاركة الفعالة بكل جدية في هذا الزخم الذي أطلقته وزارة الصحة المغربية، من خلال إصدارات تعريفية بالمرض النفسي والعقلي، ومحاربة كل أشكال التمييز والعنصرية التي تطال المرضى النفسيين والعقليين.
وتابع أنه على الجامعات المغربية أيضا أن تساهم في محاربة ظاهرة الوصم الاجتماعي للمرض العقلي، وذلك من خلال تكثيف ندوات ولقاءات وطنية ودولية عبر ربوع المملكة للنهوض بوضعية المرضى النفسيين والتحسيس بآلامهم ومعاناة أسرهم.
نفس الدعوة، وجهها المجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي من خلال دراسته، إذ أكد على ضرورة تحسين جودة الرعاية النفسية والعقلية المقدمة للمرضى، وضرورة مواكبتها لما بلغته المعارف والعلاجات من تطور، ومستجيبة للاحتياجات الخاصة للمرضى، لا سيما تلك المتعلقة بالسن والحالة الاجتماعية والاقتصادية ووسط العيش وأشكال الهشاشة التي يعانون منها.