أزمة الطاقة تدفع "جيل الوسط" في ألمانيا للخوف من المستقبل
21:09 - 01 ديسمبر 2022أكد خبراء لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن ارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء في ألمانيا يهدد بتآكل الطبقة الوسطى في المانيا، ويدفع ما يسمى بـ "جيل الوسط"، وهم المواطنون الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و59 عاماً، للخوف من المستقبل.
وما تزال أزمة الطاقة تعصف باقتصادات دول أوروبا بشكل عام والاقتصاد الألماني على وجه الخصوص، فقد توقعت كبرى معاهد الدراسات الاقتصادية في ألمانيا، دخول أكبر اقتصاد في أوروبا العام المقبل مرحلة الكساد بسبب الارتفاع المستمر في أسعار الطاقة.
وذكرت دراسة لمعهد إجراء استطلاعات الرأي العام "ألينسباخ" أن 51 بالمئة من مواطني "جيل الوسط" لديهم مخاوف كبيرة من الأشهر المقبلة، وأن أكثر من ثلاثة أرباع المواطنين يتوقعون في الأشهر الستة المقبلة تراجعاً في أوضاعهم الاقتصادية، في حين يقول 56 بالمئة إن ما يخيفهم هو المعاناة من مشاكل اقتصادية بسبب التضخم، الذي وصل إلى 10.4 بالمئة في أكتوبر الماضي، بحسب المكتب الاتحادي الألماني للإحصاء.
محاولة إنقاذ الطبقة الوسطى من الدخول في الفقر
الخبير الاقتصادي علي حمودي قال في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "لطالما مثلت الطبقة الوسطى وعداً بالتقدم الاجتماعي في ألمانيا، ولكن يبدو أن الأوقات الجيدة قد ولت، وهذا ينطبق بشكل خاص على جيل الشباب، الذين تزداد صعوبة تأمين مكان لهم في الطبقة الوسطى، وفقًا للدراسات الأخيرة التي أكدت أن فرصتهم في الانتماء إلى فئة الدخل المتوسط أقل بنسبة 10 بالمئة مما كانت عليه في منتصف التسعينيات".
وأضاف حمودي أنه "حتى فئة جيل الوسط تتقلص بشكل عام في ألمانيا، نتيجة غلاء المعيشة، حيث يتوقع معظم الألمان أن يكسبوا دخلاً أقل من أي وقت مضى في المستقبل، فضلاً عن أنهم يشعرون بالقلق من عدم قدرتهم على تحمل ارتفاع الأسعار وتكاليف الطاقة، وهذا يشكل تحدياً للحكومة في ألمانيا لمحاولة إنقاذ الطبقة الوسطى من الدخول في الفقر".
وتدرك الحكومات أن الطبقة الوسطى القوية تعزز تنمية رأس المال البشري والسكان المتعلمين والمدربين جيداً، كما تخلق هذه الفئة مصدراً ثابتاً للطلب على السلع والخدمات، ولهذا السبب تسعى الحكومات لتحقيق نمو هذه الطبقة والمحافظة على استقرارها، وفقاً لـ علي حمودي.
الاقتصاد الألماني يواجه أزمة عميقة
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله الشناوي "أن توقعات أداء الاقتصاد الألماني في النصف الثاني من عام 2022 ستكون أسوأ بكثير مما حدث من أداء في النصف الأول من نفس العام، نظراً لما مر به العالم من أزمتي جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية حيث تسببت الأخيرة في انخفاض امدادات الغاز الطبيعي وارتفاع أسعار الطاقة، ما يعني أن الاقتصاد الألماني يواجه أزمة عميقة نتيجة ارتفاع معدل التضخم إلى مستويات قياسية ناهيك عن الركود الذي يلوح في الأفق والذي ستكون آثاره كبيرة على الطبقة الوسطى من المنتجين والمستهلكين من دافعي ضرائب الأرباح وضرائب الدخل".
تدهور ثقة الطبقة الوسطى
وفي حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" لفت الدكتور الشناوي إلى تدهور ثقة الطبقة الوسطى من المستهلكين الناشئة عن التضخم المرتفع، واختناقات العرض في النصف الثاني من عام 2022 بالإضافة الى عدم اليقين الجيوسياسي ما يدفع إلى تخفيض الاستهلاك الذي يؤدي الى خفض الطلب الكلي وبالتالي خنق النمو الاقتصادي بشكل سريع وجعل توقعات المنتجين والنشاط الصناعي حذرة.
وإذا استمرت معنويات وثقة طبقة المنتجين والمستهلكين في التدهور بسبب الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة والمواد الغذائية، يتابع الدكتور الشناوي، فلاشك من حدوث انخفاض تاريخي لمناخ وتوقعات الأعمال ومناخ المستهلكين، فضلاً عن حدوث حالات إفلاس لبعض الشركات في المستقبل بسبب البيئة الاقتصادية، حيث تشير تقارير صادرة عن مكتب الأعمال في ألمانيا عن توقف شركة من كل 10 شركات عن الإنتاج، أو تم تخفيض إنتاجها، بالإضافة إلى تفكير منتج من كل 5 منتجين في نقل جزء من إنتاجه إلى دولة أخرى.
من جهته، أشار الخبير الاقتصادي حسين القمزي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن "الطبقة الوسطى في ألمانيا كنسبة مئوية تعد الأكبر مقارنة مع الولايات المتحدة وكندا والدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لكن ألمانيا تشهد تقلصاً في الطبقة الوسطى على مدى الـ 25 سنة الماضية بينما تشهد هذه الطبقة نمواً معتدلاً في تلك الدول".
مصدر قلق "جيل الوسط"
وبحسب القمزي، فإن الطبقة الوسطى في ألمانيا، مثل أي دولة أخرى، تمثل الركيزة التي يعتمد عليها الاقتصاد من حيث نسبة المشاركة في الضرائب، والمساهمة في نظام التقاعد والضمان الاجتماعي والانفاق الاستهلاكي، حتى أن أحد تعريفات هذه الطبقة في ألمانيا هو "الأسر والأفراد الذين لديهم القدرة على إنفاق 10 بالمئة من دخولهم".
وأضاف الخبير الاقتصادي القمزي: "خلق ارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء خلق وضعاً تضخمياً يصل الى أكثر من 10 بالمئة، وهذا يعني أن هناك تآكلاً في الدخل وخاصة فواتير الطاقة التي تستنفد بحد ذاتها 10 بالمئة من دخل أفراد هذه الطبقة الوسطى وهذا هو مصدر قلقها".
يشار إلى أن عدد الأفراد الذين يصنفون ضمن فئة "جيل الوسط" في ألمانيا يبلغ نحو 35 مليون مواطن من بين العدد الإجمالي لسكان ألمانيا البالغ 83 مليون نسمة، وهذا الجيل مسؤول عن إنتاج 80 بالمئة من الأموال التي يترتب عليها دفع الضرائب.