نيران الدولار القوي تصيب الجميع حتى الولايات المتحدة
14:38 - 13 أكتوبر 2022اتفق خبراء تحدثوا لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" على أن جميع اقتصادات العالم تقريبا ستتضرر بقدر ما من الارتفاع المتواصل للدولار الأميركي، العملة الرئيسية للتعاملات الدولية.
· ارتفع مؤشر الدولار بأكثر من 18 بالمئة منذ بداية العام إلى حوالي 113، وعائدا نحو أعلى مستوى في 20 عاما الذي بلغه الشهر الماضي عند 114.78. ونزل اليورو بأكثر من 14.4 بالمئة منذ بداية العام أمام الدولار عند مستوى 0.4 المئة إلى 0.9730 دولار.
· صعد الدولار إلى أعلى مستوياته مقابل الين منذ 24 عاما، الأربعاء، ليرتقي فوق المستويات التي دفعت المسؤولين اليابانيين إلى التدخل في سوق العملة الشهر الماضي.
· أدى ذلك إلى ارتفاع عوائد السندات الأميركية، وزادت توقعات المتعاملين بأن الاحتياطي الفيدرالي سيرفع أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس في اجتماعه بشهر نوفمبر المقبل.
عملات الدول تنهار.. والفرص أمامك
متى يتوقف ارتفاع الدولار؟
من قبرص، تحدثت الخبيرة الاقتصادية، فيوليت غزال البلعة، إلى موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قائلة إن السؤال الأهم هو إلى متى سيستمر ارتفاع الدولار وازدياد قوته عالميا؟.. وأجابت: أن السياسة الأميركية الواضحة حاليا هي محاصرة التضخم عبر رفع أسعار الفائدة بشكل متتالي حتى عام 2023 لتصل إلى حوالي 4.5 بالمئة أو أكثر، وهذا سجعل الدولار قويا أكثر، وبرغم أنه من حيث المعادلة فإن العملة القوية تفيد العملات الأخرى الأقل قوة أو الضعيفة، لأنها تعزز قوتها التنافسية، ولكن اليوم الحال متبدل لأن كل اقتصادات العالم تعاني لأسباب متعددة، من مخاطر الدخول في مرحلة ركود طويلة.
وأضافت أنه بناء على ذلك فإن التأثيرات تفوق التوقعات وتتخطى ما هو محدد وفقا للقواعد الاقتصادية لأن هناك حالة فوضى شاملة تعم الأسواق، سواء أسواق النقد أو المال أو الأسهم أو حتى التضخم الكبير في أسعار السلع المختلفة نتيجة حرب أوكرانيا ومن قبلها وباء كورونا، وهو ما جعل الاقتصادات العالمية في حالة ركود طويلة حيث تباطأ النمو نتيجة انعدام الأنشطة الإنتاجية تقريبا.
وأوضحت أنه بعدما كانت تداعيات قوة الدولار السلبية قاصرة على عملات الاقتصادات الناشئة والدول النامية، لكنها اليوم تهدد الاقتصادات الصناعية الكبرى والتي دخلت ركودا أصلا نتيجة الأوضاع العالمية غير المستقرة سياسيا.
البلعة شددت كذلك على أن الفيدرالي الأميركي ما زال يراهن على نجاح آلية الدولار القوي في خفض فاتورة البضائع المستوردة إلى أميركا من الاقتصادات الناشئة، وحتى كذلك من اقتصادات صناعية مثل أوروبا واليابان ودول النمور الأسيوية والصين، حيث يرى الفيدرالي أن الدولار القوي سيعمل تلقائيا على خفض التضخم لأن المستورد الأميركي يدفع بالدولار لسلع تباع بعملات ضعيفة وهو ما يجعل تلك السلع رخيصة بالسوق الأميركي، مما يجعل كل الاقتصادات التي تتعامل معها أميركا وتستورد منها احتياجاتها متأثرة سلبا بقوة الدولار، وإن كان ذلك سينعش الإنتاج خارج الولايات المتحدة وقد تكون هذه الميزة الوحيدة لقوة الدولار.
واستطردت أن ما يزيد من تأثير الدولار القوي على العالم أن العملات الرئيسية في العالم باتت تعاني ضعفا غير مسبوق، فمثلا الجنيه الإسترليني في أدنى مستوياته ليس فقط بسبب أزمة كورونا ولا حرب أوكرانيا ولكن سبق ذلك قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهناك عوامل هيكلية أضعفت الجنيه الإسترليني وقد يستمر على هذه الحال بعدما كان ملك العملات واستقر على عرشها لمائة عام قبل أن يحتل الدولار الأميركي هذا الموقع حاليا.
وأوضحت أيضا أن اليورو انخفض إلى مستوى كبير هو الآخر نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية بسبب وباء كورونا وحرب أوكرانيا، وكذلك العملات الآسيوية تعاني وفي مقدمتها اليوان الصيني نتيجة العقوبات الأميركية على الصين وإغلاق الاقتصاد الصيني لفترة طويلة بسبب وباء كورونا وكذلك وجود مشاكل هيكلية أخرى جعلته يعاني، وعلى الرغم من كون ضعف اليوان يشجع الإنتاج الصيني والتصدير للخارج ولكن هذه السلع تكون رخيصة ولا تعوض ما تفقده الصين كاقتصاد منفتح على العالم.
وأكدت فيوليت غزال البلعة أنه في منطقة الشرق الأوسط فإن مصر في مقدمة الدول التي تتأثر بقوة الدولار، حيث تراجع سعر صرف الجنيه المصري أمام الدور بشكل كبير، مما دفع الحكومة المصرية للتفاوض على قرض جديد مع صندوق النقد الدولي لإنقاذ الاقتصاد، وكذلك لبنان أضيفت لمعاناته الاقتصادية قوة الدولار وهو بلد يستورد تقريبا معظم احتياجاته، كما أن تركيا زاد تراجع عملتها أكثر بسبب الدولار القوي، وكل ذلك يطرح التساؤل إلى أي وقت ستستمر قوة الدولار حتى تتحضر هذه الاقتصادات للتأقلم معه والتحضر لما بعد مرحلة قوة الدولار، وهذا أمر غير واضح في الأفق حتى الآن.
ما الحل؟
ومن لندن، تحدث المحلل الاقتصادي في جريدة فايننشال تايمز، أنور القاسم، إلى موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قائلا إن الدولار القوي يؤثر تقريبا على كل اقتصادات العالم، حيث يؤثر على اقتصاد الصين واليابان ودول أوروبا ومجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى، حيث أن الدولار القوي يجعل السلع المقومة به أكثر تكلفة بالنسبة لعملات هذه الاقتصادات الأخرى.
وتابع أن الدولار القوي أيضا يؤثر على أسعار الطاقة بما فيها النفط والغاز، وكذلك على الأصول الأخرى عالية المخاطر، وقد حذر كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، من أن النمو العالمي حاليا يتوقف على ما يحدث في الاقتصاد الأميركي تحديدا، وأن ارتفاع الدولار له تأثير في توجيه صناع السياسية النقدية الذين يتسببون في حدوث انكماش اقتصادي حاد، من خلال زيادة تكاليف الاقتراض، حيث كما رأينا فالولايات المتحدة حينما رفعت أسعار فائدتها فكل الدول الصناعية الكبرى رفعت أسعار الفائدة تبعا لها.
وأكد أن هذا الارتفاع في أسعار الفائدة وارتفاع سعر الدولار يصبح عبئا كبيرا على الدول ذات المديونية الكبيرة، حيث يزيد من تكلفة تلك الديون، فمثلا الدولار وصل إلى أعلى مستوى له في 24 سنة أمام الين الياباني، ورغم أن اليابان ذات اقتصاد قوي، ولكن هذا يؤثر على أداء الاقتصاد الياباني.
وقال القاسم إنه بطبيعة الحال أيضا، فإن تراكم الديون نتيجة ارتفاع الدولار سيكون له تأثير سلبي على الدول الناشئة، وستتحول دول كبيرة ألى قربان لهذا الارتفاع في سعر الدولار عالميا، حيث كلما ارتفع الدولار كلما ظهرت مشاكل في تلك الدول، حيث يتعين على تلك الدول سداد ديونها الخارجية بالدولار المرتفع، ومنها دول البريكس الخمسة عشر وتركيا والأرجنتين ودول إفريقية.
واستطرد قائلا إن هناك 60 بالمئة من الدول منخفضة الدخل عرضة لخطر ضائقة الديون مما يفاقم أزمة هذه البلدان ويضر بشعوبها، فضلا عن الإضرار بالنمو العالمي والاستقرار المالي.
وأكد أن الحل لمواجهة تلك المخاطر العالمية يتمثل في قيام الدائنين الكبار مثل الولايات المتحدة والصين واليابان والاتحاد الأوروبي بالتنسيق فيما بينهم لتخفيف أعباء الديون عن الدول المدينة، فضلا عن أن الوضع في الولايات المتحدة له دور رئيسي في حسم هذه المخاطر، لانه حينما تصل الولايات المتحدة إلى خفض التضخم للحد المطلوب فهذا يدفع الفيدرالي الأميركي، إلى إبطاء دورة التشديد النقدية القوية الحالية التي رفعت من سعر الدولار، وهذا يعد شرطا أساسيا لانتهاء فترة قوة الدولار.
الولايات المتحدة متضررة أيضا
ومن الأردن تحدث المحلل الاقتصادي مازن مرجي، إلى موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" مؤكدا أن الدول المستوردة للسلع المسعرة بالدولار هي الأكثر تضررا من ارتفاع سعر الدولار، كما أن الولايات المتحدة نفسها متضررة في أحد الجوانب، لأنه معروف أنه حينما ترتفع قيمة عملة دولة معينة فإن قيمة السلع التي تنتجها تزداد وبالتالي يقل الطلب على هذه السلع ومن ثم يقل الطلب على سلع الولايات المتحدة وينخفض حجم صادراتها.
وأشار إلى أن السياحة الأميركية كذلك ستتضرر من ارتفاع قيمة الدولار لأنها ستصبح أكثر كلفة، ومن ثم يقل إقبال السياح على الولايات المتحدة، ومن ثم فلا يوجد خط فاصل يوضح من يتضرر ومن يكسب من ارتفاع الدولار، ولكن هناك من يكون استفادته أكثر من تضرره، وبشكل عام فالدول المستوردة والمقترضة هي الأعلى تضررا.
وأكد أن هناك اقتصادات بالطبع ستستفيد بقوة من ارتفاع سعر الدولار مثل دولة الصين لأنها دولة منتجة ومصدرة، وبالتالي سيصبح الأقبال أكبر على سلعها لأنها أقل كلفة من سلع الولايات المتحدة، كما أن الصين مثل بعض الدول الأخرى لديها احتياطات كبيرة جدا من الدولار وبدأت في بيع جزء منه لتحقيق أرباح استفادة من ارتفاع سعره، وكذلك الدول المنتجة للنفط ستحقق أرباحا كبيرة من ارتفاع سعر الدولار وارتفاع سعر النفط في وقت واحد.
ومن القاهرة، تحدث الخبير الاقتصادي والأكاديمي، كريم العمدة، إلى موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قائلا: الاقتصاد المصري من أكبر الاقتصادات المتضررة من ارتفاع سعر الدولار لأن معظم ما تستورده مصر من الخارج وخاصة السلع الأساسية كالحبوب مسعر بالدولار، وكذلك فإن الاحتياطي النقدي المصري مقوم بالدولار، وارتفاع أسعار السلع المستوردة يأخذ من قيمة هذا الاحتياطي.
وأشار إلى أنه كلما كان هناك استقرار للعملة المحلية أمام الدولار كلما كان الضرر أقل، ولكن الحاصل حاليا هو أن سعر صرف الجنيه المصري يتراجع بشكل مستمر أمام الدولار مما يجعل وقع الضرر كبير على مصر كلما زادت قوة الدولار.