هجرة كفاءات تونس.. بين البحث عن فرص أفضل والخسارة الاقتصادية
22:09 - 12 أكتوبر 2022اختار الآلاف من التونسيين حاملي الشهادات العليا في اختصاصات مختلفة الهجرة المنظمة بحثا عن فرص عمل أفضل في دول عربية وأخرى أوروبية.
وقد سجلت تونس في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2022 ارتفاعا بنسبة تفوق الـ70 في المئة في عدد الكوادر المنتدبة للعمل خارج البلاد، ضمن اتفاقيات التعاون الفني مع دول عربية وأوروبية وإفريقية، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفق بيانات نشرتها الوكالة التونسية للتعاون الفني.
كما تجدر الإشارة إلى أن أكثر من 26 ألف مترشح سجلوا لدى وكالة التعاون الفني خلال السنة الحالية آملين في الحصول على عقود شغل ترحل بهم بعيدا عن الظروف الاقتصادية الصعبة، التي تعصف بالبلاد.
ويرى مراقبون أن ضعف الاستقرار السياسي والصعوبات المالية والاقتصادية، التي مرت بها تونس في السنوات الأخيرة، لم تحفز فقط موجات الهجرة السرية برا وبحرا، بل رفعت الإقبال على عقود الهجرة المنظمة والقانونية، التي تستقطب بالأساس الكفاءات في اختصاصات التعليم بمختلف مراحله والهندسة والطب والإعلام.
ويرجع مختصو علم الاجتماع تفاقم الظاهرة إلى ما يسمونه بـ"عوامل طاردة في البلاد"، ومنها غلاء المعيشة وارتفاع نسب البطالة وغياب الاستقرار الوظيفي وتردي الخدمات، وأخرى جاذبة خارجها مثل عقود العمل المجزية وفرص التطور المهني والتمكين والعمل في بيئة ترتفع فيها جودة الحياة والخدمات.
صعوبة الاندماج
وذكرت المختصة في علم الاجتماع، لطيفة التاجوري، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن ارتفاع معدلات هجرة أصحاب الشهادات يدل على صعوبة اندماجهم في سوق الشغل المحلية وفقدانهم للشعور بالاعتراف والأمن والاستقرار الوظيفي وفرص تطوير الذات.
وأضافت التاجوري أن "المجتمعات التي لا تجذب الكفاءات في عصر توفر الفرص وانفتاح العالم تسجل دائما موجات هجرة سرية وقانونية".
فيما أرجع رئيس منظمة "تونس تنتج"، معز الحريزي، عملية الهجرة سواء كانت نظامية أو غير نظامية إلى المناخات الداخلية غير المستقرة، حيث يشعر المهندس في تونس أن مرتبه في السوق الداخلية لا يسمح له بظروف معيشية جيدة فيتجه للبحث عن فرص أفضل خارج البلاد ليحصل على بيت وسيارة ومستوى عيش مريح.
وتابع الحريزي: "ظروف العمل الصعبة وتضخم المرتبات وغياب الأفق المهني كلها عوامل تدفع نحو الهجرة خاصة في ظل الطلب المرتفع من الخارج على بعض المختصين التونسيين في الهندسة والطب الذين يتلقون عروضا مغرية لا يمكن للشركات التونسية تقديمها".
وبحسب وجهة نظر رئيس منظمة "تونس تنتج"، فإن "ظاهرة هجرة الكفاءات غير مقلقة ولكن على تونس الاستفادة منها بالانفتاح على تجارب كفاءاتها خارج حدود الوطن والاستفادة منهم كقيمة مضافة للمجتمع عبر متابعتهم والتواصل معهم والاستعانة بخبراتهم كلما سمحت الفرصة ثم تسهيل رجوعهم مستثمرين للبلاد".
خسارة اقتصادية
من جهته، أكد عميد المهندسين كمال سحنون، لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن ثلث المهندسين خرجوا خارج البلاد، حيث يغادر سنويا 6500 مهندس للعمل في الخارج حسب إحصائيات الخمس سنوات الأخيرة، مشيرا إلى أن "كلفة تكوين المهندس تبلغ 100 ألف دينار تونسي من مال المجموعة الوطنية التي لا تستفيد من خبراته ولا من قدرته على ابتكار الثروة عندما يختار الهجرة والمساهمة في خلق الثروة لاقتصاديات أجنبية".
واعتبر سحنون أن "هجرة المهندسين عبر العالم مشروطة بسنوات خبرة تتراوح بين ثلاث إلى سبع سنوات بما يعنيه من خسارة اقتصادية كبيرة للسوق التونسية"، وأشار إلى أن اتجاهات هجرتهم تكون أساسا نحو فرنسا و كندا وإفريقيا ودول الخليج، ويرتفع الطلب على اختصاصات هندسة المقاولات في إفريقيا وهندسة البترول في الخليج والعلوم المستحدثة مثل هندسة الاتصالات والمكيانيك في أوروبا وكندا.
وقال عميد المهندسين إنهم "حريصون على مراقبة جودة التكوين الهندسي والشهادة التونسية ولكنهم يأملون أن يستفيد منها الاقتصاد الوطني بعد تغيير المنوال التنموي الحالي المبني على اقتصاد الرعي لتشجيع المهندسين على تأسيس مؤسسات ناشئة تستطيع تصدير الخدمات والمنتوج الفكري والصناعي بديلا عن تصدير الكفاءات".
في المقابل، اعتبر نائب رئيس منظمة الأطباء الشبان، سليم الباروني، أن "نجاح الأطباء التونسيين في مناظرات المعادلة في فرنسا سنويا في المرتبة الأولى دليل على جودة التكوين الطبي الذي يختص به القطاع العام في تونس ولم تطله الخوصصة".
وأوضح الباروني، في حديثه للموقع، أن "ما يدفع الأطباء الشبان للمغادرة وعرض خدماتهم على مجتمعات أخرى هو ظروف التشغيل القاسية"، منوها إلى أن "ألف طبيب يغادر تونس سنويا في اتجاه فرنسا، بينما لا تخرج الجامعات سوى 900 طبيب سنويا، ما يعكس حصيلة سلبية وينبئ بأزمة في المستقبل القريب في قطاع الصحة، مع نقص عدد الأطباء المباشرين خاصة في المناطق الداخلية للبلاد".