اندماج المهاجرين.. أزمة تطرق أبواب فرنسا قبل الانتخابات
11:08 - 23 نوفمبر 2021"قد يكون تمركز المهاجرين في نفس الأحياء مفيدا في البداية، لكنه يصبح على المدى الطويل، عائقا أمام الاندماج لهم ولأطفالهم". هذا ما خلصت إليه دراسة سنوية، نشرت مؤخرا، أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بعنوان "آفاق الهجرة الدولية 2021".
قبل 6 أشهر من الانتخابات الرئاسية في فرنسا، أصبحت مشكلة اندماج المهاجرين موضوع نقاش المرشحين بامتياز.
ففي بداية الحملة الانتخابية، اعتبرت فاليري بيكريس، المرشحة عن حزب الجمهوريين للانتخابات الرئاسية، أن "الهجرة أصبحت خارجة عن السيطرة وفرنسا تعاني فشل اندماج"، بينما تحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه عن "مجتمع في أزمة اندماج".
وبحسب الدراسة، فإن ظاهرة تمركز المهاجرين في أفقر الأحياء وفي ضواحي المدن "عالمية" تتعدى البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ويقول أستاذ الاقتصاد بجامعة إيفري فال ديسون، غريغوري فيردوغو، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية": "ما يميز مهاجري فرنسا أن غالبيتهم من خارج الاتحاد الأوروبي. وبحسب الإحصائيات، يعاني هؤلاء المهاجرون من التمييز في السكن، إذ أن معظمهم يقطن في السكن الاجتماعي الواقع في المناطق شبه الحضرية".
وبلغة الأرقام، تبين الدراسة أن 11.1 بالمئة من الأفارقة الوافدين من بلدان جنوب الصحراء يعيشون في مقاطعة سين سان دوني وحدها في ضواحي باريس، حيث يقيم أيضا 7.5 بالمئة من مهاجري شمال إفريقيا منذ عام 2017.
ويرجع الخبير الاقتصادي أسباب هذا الفصل والتمركز في الضواحي، إلى أن "فئة كبيرة من المهاجرين ينتمون إلى الطبقة الفقيرة، كما أن إيجار السكن الخاص مرتفع نسبيا، ويفرض ضمانات متعددة ويتطلب مستو ى اجتماعيا- اقتصاديا معينا، بالإضافة إلى التمييز العرقي. وهذا ما يفسر ارتفاع الطلب على السكن الاجتماعي من طرف المهاجرين غير الأوروبيين، إذ يمكن الجزم بأن نصفهم يعيش في هذا النوع من السكن".
ويعتبر فيردوغو أن تأثير السكن الاجتماعي يختلف بحسب نوعه. إذ "يوجد نوع يطلق عليه "الحي الحساس"، وهو نوع يتزايد بشكل ملفت في السنوات الأخيرة، حيث تكون نسبة كثافة السكان المهاجرين مرتفعة، والفقر متفش بشكل كبير، وغالبا ما يوجد في الضواحي".
ويضيف: "هناك نوع آخر أقل عزلة، يوجد في وسط المدينة، كثافته السكانية متوسطة، يقطن فيه المهاجرون والفرنسيون ذو الدخل المتوسط. في هذه الحالة، يكون الاندماج سهلا والحديث عن فصل أمرا مستبعدا".
المهاجرون ليسوا أسلحة
وفي السياق ذاته، يكتب مؤلفو الدراسة "أن المساكن في هذه المناطق السكنية المنفصلة، تكون في غالب الأحيان في حالة سيئة، وتتميز البيئة المحلية في كثير من الأحيان بمستويات عالية من العنف والتلوث والضوضاء".
في المقابل، وبالعودة إلى تاريخ تأسيس السكن الاجتماعي في أوروبا عموما وفرنسا تحديدا، يقول عالم الاجتماع والأستاذ الباحث بالجامعة الدولية بالرباط، مهدي عليوة، لموقع "سكاي نيوز عربية": "إن الدولة الفرنسية استثمرت أموالا ضخمة في سنوات السبعينيات لبناء سكن يأوي الفقراء واليد العاملة، ووفرت أحسن المهندسين المعماريين وأطلقت على هذه الأحياء أسماء إيجابية. لكن سرعان ما تم انتقادها من طرف الإعلام وتناولتها الأفلام السينمائية بشكل سلبي رغم أن سكانها في تلك الحقبة كانوا سعداء بهذا التغيير الجذري الذي حققته في حياة الفرنسيين القادمين من القرى قبل المهاجرين، إذ لأول مرة أصبح لديهم سكن حديث، يوفر مياه جارية ساخنة وحوض استحمام".
ويتابع: "وعوض انتقاد هذا السكن باعتباره بعيدا عن المركز أو يعرف كثافة سكانية معينة، كان يجب التركيز على مشكل قلة فرص الشغل لهذه الفئة والتمييز العنصري الذي عانت منه خصوصا أن أغلب المهاجرين كانوا ينحدرون من مستعمرات فرنسا".
سيف ذو حدين
وعن تأثير هذا الفصل السكني، يلاحظ الخبير الاقتصادي ومؤلف الدراسة، جيل سبيلفوجل، أن تأثيراته "معقدة".
ويقول: "يمكن أن يكون له مزايا بالنسبة للمهاجرين الذين وصلوا لتوهم، إذ يسهّل عليهم تشكيل شبكة اجتماعية تساعد في الوصول إلى العمل أو السكن أو حتى الدعم النفسي. ولكن على المدى الطويل، يمكن أن يؤدي البقاء في هذه المناطق إلى آثار سلبية، مثل فقدان فرص العمل الجيدة أو صعوبة في اكتساب لغة البلد المضيف، وفي كثير من الأحيان، إعاقة التقدم التعليمي لأطفالهم".
ويتفق عالم الاجتماع أن التمركز الجغرافي للمهاجرين الجدد له مزايا "مهمة".
ويوضح لموقع "سكاي نيوز عربية" قائلا: "لتحقيق اندماج المهاجرين في مجتمع ما، يجب أولا أن يتعرفوا على كيفية العيش في البلد المضيف. وهذا الأمر يتم عبر شخصيات وسيطة، تتوفر على المعلومات الكافية عن العالم الذي قدم منه المهاجر الجديد، وتعلم حيثيات العيش في البلد المضيف. ويتحقق ذلك عبر المهاجرين القدامى الذين ينقلون خبرتهم ومعلوماتهم إلى الوافد الجديد بشكل مباشر أو غير مباشر. ومع مرور الوقت، تقل الحاجة إلى هذه الوسائط المجتمعية، التي لا تنتمي بالضرورة إلى نفس البلد، إذ يمكن أن تتم عملية تبادل الخبرات وتعلم اللغة بين المهاجرين من جنسيات مختلفة كما يحدث بين الجزائريين والتونسيين والمغاربة، لأنهم يعايشون نفس الظروف تقريبا".
ويؤكد عالم الاجتماع، أن "اندماج المهاجرين يتم تدريجيا ويحتاج لعامل أساسي هو الحصول على فرصة عمل، لأنه يسمح بخروج المهاجر من التجمعات ولقاء أناس آخرين".
ومن جهة أخرى، وعن أسباب قلة فرص الشغل بالنسبة لهذه الفئة من المهاجرين، يقول أستاذ الاقتصاد، "في غالب الأحيان، يتجنب أرباب العمل توظيف المهاجرين القادمين من الأحياء الحساسة، نظرا لتخوفهم من البيئة التي تربوا فيها. وفي أحيان أخرى، قد يكون البعد الجغرافي وصعوبة التنقل سببا في قلة الفرص. هذا بالإضافة إلى عامل أساسي، يتمثل في جودة التعليم المحصل عليه في مدارس هذه الأحياء".
أطفال بمستوى دراسي ولغوي ضعيف
في شق آخر، تظهر الدراسة أنه "في معظم دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأوروبية، يعد تمركز أطفال المهاجرين في مدارس هذه الأحياء بمثابة عائق يؤثر على أدائهم المدرسي خصوصا في دول مثل ألمانيا والنمسا وبلجيكا وفرنسا واليونان وهولندا والسويد".
و"يُفسَّر هذا بشكل أساسي من خلال الوضع الاجتماعي والاقتصادي لأسر التلاميذ المهاجرين، فمن المرجح أن يكون المستوى التعليمي لأمهات التلاميذ الملتحقين بهذه المدارس منخفض. كما أن نسبة عالية من التلاميذ لا يتحدثون لغة البلد المضيف في المنزل أو مع زملائهم في الفصل". كما يوضح جيلس سبيلفوغل، المؤلف المشارك في الدراسة.
وهذا ما تعانيه مريم، ربت بيت مغربية وأم لثلاثة أطفال بمدينة ليون الفرنسية مع أبنائها. وتحكي لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنها تعيش في حي يمثل فيه المهاجرون المغاربيون حوالى 80%، كلهم من أصحاب الدخل المحدود.
وتتابع: "نتحدث بالعامية المغربية في البيت، حتى يتعلم أطفالنا لغة بلدهم الأصل. لكن هذا يشكل عائقا بالنسبة لهم في المرحلة الابتدائية في المدرسة، لأن معجمهم اللغوي يكون ضعيفا في اللغة الفرنسية. أطفالي الثلاثة مروا من أخصائي علاج النطق واللغة لتحسين مستواهم اللغوي، كما وفرت المدرسة لهم مساعدين متطوعين، يقدمون لهم ساعات إضافية في عدة مواد أعجز عن مساعدتهم فيها".
وبشكل عام، تخلص الدراسة إلى "أن المهاجرين الذين يعيشون في مناطق معزولة غالبًا ما يكون لديهم حق الاختيار، والسياسات المطبقة لا ينبغي أن يكون الهدف الرئيسي منها هو تجنب الفصل السكني للمهاجرين، بل لمنحهم المزيد من الإمكانيات لمغادرة هذه المناطق".
وفي هذا السياق، يعتبر عالم الاجتماع أن البقاء في هذه المناطق على المدى الطويل، مرتبط بشكل أساسي بالمستوى الاقتصادي ولا علاقة له بالأصل العرقي للمهاجر، لأن من فلح في دراسته أو من حقق مشروعه نجاحا معينا يختار الرحيل منها فورا، ومن يبقى منهم فلأنه فقط لا تتوفر له الظروف الاجتماعية لمغادرتها وليس لسبب ثقافي".