راسين چا.. مغني الراب الذي نذر نفسه لإنقاذ "أطفال موريتانيا"
09:33 - 14 يونيو 2021لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب، بل ولا حتى من بلاستيك. حتى الثامنة عشر من عمره عاش راسين چا حياة أي طفل موريتاني، قبل أن يصطدم بالحقيقة التي دفعته صوب رعاية الأطفال الأيتام.
وكانت ثمة أمور كثيرة لم يكن يفهم راسين لها سببا مثل اختلاف لونه عن بقية الأسرة الموريتانية، غير أن ما حدث بعد بلوغ مغي الراب الموريتاني السن القانونية لم يخطر له يوما على بال.
رضيع على قارعة الطريق
بدأت قصة راسين ذات صباح قبل 30 عاما، حين كانت سيدة ستينية من قومية الهالبولار تدعى عائشة سي، عائدة إلى منزلها في مقاطعة السبخة بنواكشوط فلاحظت شيئا يتحرك داخل قطعة قماش موضوعة بجانب أحد الجدران، ولوهلة توهمت أنها تسمع صوتا خافتا قبل أن تكتشف طفلا حديث الولادة يبدو أن أمه تخلصت منه بوضعه في هذا المكان..
وسرعان ما تجمهر أهل الحي بين مستنكر ومتعجب ومتسائل عن مصير الطفل، لكن السيدة قالت لهم إنها ستأخذ الطفل عندها وتربيه كابن لها وأخبرتهم أنها ستسميه راسين.
ومضت الأيام والطفل ينمو بين أفراد أسرة "چا" كفرد منها لا يميزه سوى لون بشرته الفاتح غير أن ذلك لم يكن ذا أهمية.
أظهر راسين منذ طفولته ميلا إلى الغناء وانجذابا إلى الموسيفى خصوصا الراب.
وكان المطرب السينغالي بابا مال وفرقته "داندي لنول" المفضل لديه بحكم أنه يغني بالبولارية ويجمع بين الأصالة والمعاصرة، فبدأ راسين يغني ويعزف مع أنظاره من الشباب إلى أصبح اسما معروفا في الساحة الموسيقية في نواكشوط.
في مواجهة الحقيقة
عند بلوغه الثامنة عشر أخبرته التي كان يحسبها أمه الطبيعية بقصته وأوضحت له أنها فضلت أن تخبره بدل أن يخبره الآخرون.
ورغم الصدمة وهول الحقيقة لم يتغير شيء في ظاهر حياة الشاب، أما التغير الكبير فقد حدث بالداخل، ويقول راسين لموقع "سكاي نيوز عربية": "منذ ذلك اليوم قررت أن أكرس جهودي لإنقاذ الأطفال الأيتام أو الذين يتخلى عنهم ذووهم، فكما قيض الله لي أسرة طيبة وفرت لي التربية والحماية فسأوفر لهم ما استطعت من حماية وتربية".
وفي عام 2018، وبعد سنتين من احتضانه لأول طفلة لقيطة، أسس راسين جمعية رعاية الأطفال فاقدي السند العائلي.
ويوضح راسين چا، الذي يترأس الجمعية: "قررت إنقاذ هؤلاء الأطفال فأنا مثلهم ضحية لهذه الظاهرة (التابو) التي أصبحت منتشرة ولا أحد يتحدث عنها، فكل أسبوع وكل يوم نشاهد حالات مأساوية ونتلقى اتصالات من جميع المقاطعات عن وجود طفل مرمي في مكان مهجور".
وتابع: "الكبار يرتكبون الحماقات ولا يريدون تحمل النتيجة والأطفال هم من يدفع الثمن، لذلك قررت إنشاء هذه الجمعية وليس لي هدف سوى إنقاذ هؤلاء الذين لا ذنب لهم ولم يفعلوا سوء لأحد".
لا تحوز الجمعية على أي إمكانات مادية بل تعتمد على المساهمات المتواضعة للأعضاء وما يتبرع به الخيرون لأطفال الجمعية..
ويقول راسين: "أحيانا يتصل أحدهم: لديكم هنا علبة حفاظات، حليب أطفال، ملابس، فنحن نعتمد فقط على مساهمات الخيرين الذين يمدوننا باليسير، فليست لدينا أمكانيات ولا تمويل من اليونسف ولا أي جهة أخرى، حتى مقر الجمعية حيث يقيم الأطفال مدفوع الأجر لمدة سنة من طرف سيدة محسنة".
الفنان.. والإنسان
قبل أن يبدأ اهتمامه بالأطفال كان راسين چا قد أصبح معروفا كمغني راب وكعازف، وحاول بعد تأسيس جمعيته الجمع بين الموسيقى ورعاية الأطفال، ثم اكتشف صعوبة الجمع بينهما، كما يوضح في حديثه مع موقع سكاي نيوز عربية.
ويقول: "كنت أسافر إذا كان لدي عمل او حفل في مكان ما، وذات مرة سافرت لمدة أسبوع فوجدت عدة اتصالات أحدها يخبرني بمرض أحد الأطفال وآخرين عن أمور أخرى كل ذلك وأنا منشغل، بعدها قررت التوقف جزئيا عن صفة الفنان فأنا الآن لا أغني وإنما أكتفي بالكتابة وبعض البروفات".
حلم الملجأ
تؤوي جمعية رعاية الأطفال فاقدي السند العائلي 84 طفلا، أصغرهم ابنة شهر واحد وأكبرهم في الخامسة، من بينهم أطفال تخلى عنهم ذووهم مباشرة بعد ولادتهم، ومن بينهم أيتام لم يبق لهم عائل، ومنهم كذلك أطفال فقراء ليس في متناول الأبوين إعالتهم وإرسالهم للمدارس.
ويقول رئيس الجمعية: "نحن نفعل كل ما نستطيع لمساعدتهم وتوفير لوازمهم، الأمر صعب حقا لكن ما دمنا التزمنا بذلك فلا مجال للتراجع.، لا بد من تحمل المسؤولية".
ورغم التعب والمعاناة يقول راسين إنه يشعر كل صباح بسعادة غامرة وهو يبدأ يوما من العمل من أجل أطفاله.. ويؤكد: "هؤلاء أبنائي وإخوتي الصغار.. وسأرعاهم حتى آخر يوم من حياني".