هذا ما قد "تخسره" إيران من التقارب التركي العربي
14:00 - 13 مايو 2021طوال الأسبوع الماضي، ساد شبه إجماع بين خبراء العلاقات الإيرانية التركية بأن علاقات البلدين ستأخذ مساراً عكسياً في المدى المنظور، بعد قرابة 5 سنوات من التنسيق الاستراتيجي بينهما في مختلف ملفات المنطقة.
الخبراء الذين رصدوا مزيداً من الإشارات من وسائل إعلام قريبة من النظام الإيراني وتصريحات غير مباشرة من المسؤولين الإيرانيين، اعتبروا أن التصعيد الإيراني يأتي ردة فعل على مساعي تُركيا لإعادة هيكلة علاقاتها مع الدول المركزية في العالم العربي، بالذات مصر والسعودية.
4 ملفات رئيسية كانت محل تنسيق استراتيجي بين الطرفين خلال السنوات الماضية، وهي ملفات كانت تُجمع على محاولة تهميش مُتقصدة منهما للدول العربية الفاعلة.
ففي سوريا ساد تنسيق وتبادل واضح للمصالح بينهما عبر منصة سوتشي، حيث كانت روسيا بمثابة الجهة الضابطة لتوازن المصالح هناك.
وفي العراق أيضاً سهلت تركيا لإيران كل أشكال النفوذ، مقابل غض نظرٍ واضح من قِبل القوى السياسية العراقية المرتبطة بإيران لتركيا باجتياح الأراضي العراقية بحجة محاربة مقاتلي حزب العمال الكردستاني.
إلا أن أبرز ما ربط الطرفين هو المساهمة التركية الدائمة لإنقاذ إيران من العقوبات الاقتصادية والسياسية، التي كانت مفروضة عليها من قِبل الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، حتى أن تركيا تعرضت لملاحظات وعقوبات من قِبل بعض الدول.
لكن إيران كانت تعوض تركيا عبر تسهيلات اقتصادية واستثمارية خاصة بها، خصوصاً في القطاع النفطي، حيث كانت تركيا تستطيع عبرها أن تسد العجز الكبير الذي في ميزانيتها العامة.
ويقول الخبير في الشؤون التركية والباحث التركي/الكندي في جامعة مونتريال وحيد يوسيسوي إن الذروة القصوى في علاقات البلدين قد صارت شيئاً من الماضي، لأن مسارات المصالح والتوجهات الإقليمية المستقبلية لا يمكن أن تجمعهما.
وأضاف الخبير التركي "بصفتهما دولتان غير عربيتين في المنطقة، فإن تركيا وإيران قد انخرطتا في معركة من أجل القيادة في الشرق الأوسط. تبرز الخلافات بين إيران وتركيا بشأن السياسة الإقليمية بشكل أكبر في سوريا، حيث تدعم أنقرة المعارضة السورية في حرب أهلية بدأت في عام 2011، فيما تدعم إيران حكومة بشار الأسد، وتزود الميليشيات والتمويل والخبرة العسكرية".
الحدود البرية شبه المفتوحة بين البلدين، حيث يُسمح لمواطني الدولتين بالسفر إلى البلد الآخر دون الحاجة إلى الحصول على سمة دخول مُسبقة، أعتبرها المراقبون أولى المحطات التي يُمكن لإيران أن تضغط بها على تركيا التي تُحسن علاقاتها مع العالم العربي.
وأشارت أكثر من صحيفة محلية إيرانية إلى أن تلك الحدود هي مس بـ"الأمن القومي الإيراني"، لأنها تسمح لآلاف المعارضين الإيرانيين بالتدفق إلى تركيا، حسب وسائل الإعلام تلك، كذلك فأنها تسمح بتدفق للأموال الإيرانية إلى تركيا عن طريق السياحة، وليس العكس.
محاولة الاحتواء الثنائي التي كان ينسق الطرفان بشأنها لهضم الدول العربية قد فات أوانها، حسب تقرير موسع نشرق "مركز دراسات وسط آسيا"، ونشره عبر موقعه الرسمي "ANI".
وأوضح أن الجموح التركي هو ما أطاح بتلك الإمكانية: "في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، صارت تركيا متورطة في الحرب الأهلية السورية والعراق وليبيا وجنوب القوقاز وتتنافس على المناطق الاقتصادية الحصرية لليونان. هذا الموقف الإقليمي الطموح يشير إلى أن أردوغان يريد الظهور كزعيم للعالم الإسلامي".
وتابع: "بالنسبة لأنقرة وطهران، فإن احتواء نفوذ الدول العربية في الشرق الأوسط هدف مهم، ولمصلحة الطرفين، لكن كل ما يحاول أردوغان فعله هو ما كانت إيران تحاول احتكاره".
ويقلل المركز من إمكانية تحول هذا الخِلاف الراهن إلى صدام واضح المعالم، لكنه لا ينفي إمكانية تجذر أسسه بالتقادم: " على الرغم من هذه الاحتكاكات المحلية، فإن تركيا وإيران ليستا في مسار تصادمي. بالنسبة للجزء الأكبر، فإن طموحات هذه الدول في المجالات ذات الصلة لا تتداخل أو تتعارض مع بعضها البعض. المشروع الإيراني في الجنوب ليس عائقا أمام تحقيق أهداف أنقرة ضد الأكراد مثلاً".
وذكر: "والعكس هو الحال بالنسبة لطموحات إيران للوصول إلى البحر المتوسط وترسيخ جبهتها ضد إسرائيل. لقد تخلت تركيا بالضرورة عن الآمال القديمة في إسقاط الأسد واستبداله بنظام إسلامي. وبالمثل، في سياسة بغداد، الأتراك هم لاعبون ثانويون فقط، ويقدمون دعماً محدوداً لعدد من السياسيين العرب السنة والتركمان".
صحيفة جورناليزم بوست كانت قد نشرت مادة تحليلية كتبها الخبير في الشؤون الإيرانية جوناثان ساير، أكد فيها بأن إيران ستسعى لمزيد من محاولة تهميش النفوذ التركي في الدول ذات النفوذ المشترك بينهما: " لا أنقرة ولا طهران تريدان عراقًا قويًا أو سوريا قوية.
على العكس من ذلك، فإن تفكك هذه الدول يناسب كليهما. كلاهما سعيد بوجود جيران ضعفاء يمكن اختراق أراضيهم حسب الرغبة.
وبالنسبة للجزء الأكبر من الاستراتيجية الإيرانية، فإنها مهتمة بقضم أجزاء مختلفة من الأراضي، وهي منشغلة في إنشاء مناطق لسيطرة الميليشيات لديها لغرض نقل الأسلحة والرجال باتجاه لبنان وإسرائيل، وهي في الطريق لذلك تختبئ بعمق في هياكل الدولة الرسمية في كلا البلدين. أنقرة ليس لديها الرغبة ولا الوسائل للتصرف كمقابل ومنافس لهذا، وفي الوقت نفسه، فإن مناطق سيطرتها في شمال سوريا والعراق ليست مناطق أساسية لهذا المشروع الإيراني.