ليبيا.. ملفات شائكة في طريق "مفوضية المصالحة الوطنية"
12:28 - 08 أبريل 2021خطوة جديدة تتسق وأولويات المرحلة الراهنة في ليبيا، أعلن عنها المجلس الرئاسي، وهي تلك المرتبطة بتأسيس مفوضية للمصالحة الوطنية، ودعوة جميع الأطياف السياسية بالبلاد إلى التجاوب مع ذلك المشروع، على اعتبار أن المصالحة الشاملة هي الطريق نحو إعادة بناء الدولة الوطنية، ومن أجل "فتح صفحة جديدة" والتعايش السلمي بين مكونات المجتمع الليبي.
وتستهدف الخطوة، التي تحدها جملة من الملفات الشائكة وبشكل خاص في غرب البلاد، "إعادة الثقة بين الليبيين وإزالة الخلافات" طبقا لما أعلنه نائب رئيس المجلس الرئاسي عبدالله اللافي، والذي شدد بموازاة ذلك على أن المجلس "لن يترك ملف المتورطين في الجرائم ضد الإنسانية، وستتم إحالتهم جميعا إلى القضاء".
وفي اعتقاد محللين، فإن ملف المتورطين في جرائم ضد الإنسانية في ليبيا خلال السنوات الأخيرة، لا يمثل وحده العقبة أمام تهيئة أرضية صلبة لإنجاز المصالحة، إذ ثمة ملفات أخرى مُعلّقة تنتظر الحسم من أجل تهيئة المناخ والظروف الملائمة، ومن بينها ملف المهجرين.
وبالنظر إلى كون المصالحة "ضرورة مُلحة" ذات أهمية استراتيجية ولا بديل عنها، اعتبر محللون سياسيون ليبيون أن تشكيل المفوضية خطوة مهمة ينبغي أن تتماشى وخطوات أخرى على الأرض من أجل ترتيب الأجواء الداخلية لإنجاز المصالحة، التي لابد أن تكون شاملة، وتنطلق من أسس عملية واضحة تتضمن جبر الضرر الواقع على المتضررين خلال السنوات الأخيرة.
مبادئ المصالحة
مبدأ المصالحة الوطنية بوصفها "مدخلا أساسيا للتعايش السلمي والمرور لتحديد أطروحة إعادة بناء الدولة الوطنية القوية"، يعتبره المحلل السياسي الليبي أحمد الصويعي، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، تمهيدا للطريق إلى "تحولات جذرية في مؤسسات الدولة، حتى يتسنى لها أداء الوظيفة الأمنية والسياسية والاجتماعية بكفاءة تستند إلى الشرعية والرضا المجتمعي ووضع البلاد على أعتاب التحول الديمقراطي".
ولفت الصويعي إلى أنه في الوقت نفسه فإن المصالحة "عملية ترميم النسيج الاجتماعي الليبي في إطار الدولة الوطنية المدنية"، رغم كون "الواقع الراهن يتصف بالتعقيد والتشابك على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، ويتلخص الخلاف القائم حول إدارة الدولة وشكلها وهويتها وكيفية توزيع الثروة وبسط السيادة الوطنية في البر والبحر والجو، وإنهاء مظاهر الانقسام السياسي لتوظيف الطاقات الوطنية كافة لخدمة دولة المؤسسات التي يتطلع إليها الليبيون".
وحدد الصويعي 3 مرجعيات لعملية المصالحة الوطنية الشاملة، وهي "إنتاج ميثاق العمل الوطني الليبي والذي بموجبه يتم تحديد محددات التعايش السلمي والمشاركة الفاعلة في الحياة العامة، إضافة إلى استحداث مؤسسة مستقلة ترعى مخرجات الحوار والمصالحة الوطنية، فضلا عن دور القبائل والمدن الليبية، باعتبارهما حلقة من حلقات التواصل والتفاهم المجتمعي للاستفادة من الحاضنة الاجتماعية في إنجاز المصالحة".
وأوضح الصويعي أن المصالحة الشاملة هي "الطريق لإعادة بناء الدولة الوطنية"، كما أنها "خيار استراتيجي لا بديل عنه"، من أجل تسوية سياسية واجتماعية عادلة تنتفي معها مظاهر الصراع المسلح ويحل مكانها التعايش السلمي المشترك والمنافسة الشريفة من أجل بناء الوطن.
وأشار إلى عدد من المتطلبات الأساسية لنجاح المصالحة، من بينها ضرورة استعداد القوى السياسية والاجتماعية لصياغة واقع جديد يحقق السلم والوئام في كل ربوع البلاد، إضافة إلى إقحام مؤسسات المجتمع المدني لتدعيم جهود المصالحة، وإبعاد كافة الأجندات التي لا تعبّر عن مصلحة الشعب الليبي صاحب المصلحة الحقيقية في إرساء الأمن والاستقرار.
ملفات عالقة
وفي تقدير المحلل السياسي الليبي، سراج التاورغي، فإن ثمة عقبات تلف عمل مفوضية المصالحة الوطنية الجديدة، حددها في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، بداية من "الملفات العالقة" منذ العام 2011 وحتى الآن، أبرزها ملف المهجرين (لا سيما مهجري تاورغاء)، إضافة إلى "الجرائم التي حدثت ضد الإنسانية في ليبيا على يد الميليشيات، والاغتيالات في مدن ليبية".
واعتبر أن "حل كل هذه الملفات ليس بالسهل، ويحتاج إلى مجهود كبير جدا، كما تحتاج إلى إبعاد تسييس مفوضية المصالحة وأعضائها".
وتابع التاورغي قائلا: "نتمنى أن تُستغل هذه المفوضية كمفوضية وطنية بحتة وأن تبتعد عن التسييس وعن الأيدولوجيات"، محذرا في الوقت نفسه من مغبة سيطرة تنظيم الإخوان على عدد من مؤسسات الدولة واستغلالها لمصالحه.
أولوية قصوى
وبحسب مقرر اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، أحمد حمزة، فإن "تأسيس المفوضية الوطنية للمصالحة من أولويات المرحلة الراهنة وفي مقدمة أولويات حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي الجديد"، موضحا في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "هذه الخطوة هامة، ونشدد على أهمية تحقيق المصالحة الوطنية والاجتماعية الشاملة في ليبيا بما يسهم في تحقيق السلام وضمان احترام حقوق الإنسان".
وشدد حمزة على ضرورة أن تتضمن مقترحات المصالحة الوطنية "ضمان عدم الإفلات من العقاب وضمان حقوق الضحايا والمتضررين، وجبر الضرر، والتعويضات وعودة النازحين والمهجرين والعدالة الانتقالية، لأننا لا يمكن أن ندفع باتجاه مصالحة وطنية دون أرضية صلبة".
ولفت في السياق نفسه إلى أن "المصالحة الوطنية لابد أن تبنى على أسس ودعائم معلومة وواضحة المعالم، أولها المكاشفة، والعمل على ضمان حقوق الضحايا والمتضررين، إضافة إلى ترسيخ سيادة القانون والعدالة، خاصة العدالة الانتقالية باعتبارها هي العدالة الناجزة التي يمكن من خلالها تحقيق الأهداف المرجوة من المصالحة الوطنية".
وبرأي حمزة، فإن المصالحة الوطنية لابد أن تنطلق من داخل القواعد الشعبية والمجتمعية، بوصفها مشروعا وطنيا ومجتمعيا قبل أن يكون هدفا سياسيا للسلطة السياسية الحاكمة.
وأشار مقرر اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان إلى أنه بموازاة ذلك ينبغي التركيز على أهمية "تهيئة الظروف الملائمة لتحقيق المصالحة الوطنية والاجتماعية الشاملة، عبر ترسيخ مفهوم نبذ خطاب التحريض على العنف والكراهية، والعمل على إشاعة خطاب المصالحة والوئام والوفاق الوطني بين أبناء المجتمع الليبي، وأن يتم توسيع الاتفاق والمشاركة في صياغة رؤية وطنية جامعة للمصالحة الوطنية لا تقتصر عن المدن المنتصرة فقط أو على المتحالفين في السلطة السياسية الحاكمة.
ومن جانبه، يعتقد المحلل السياسي الليبي حسين الشارف، بأن "ملف المصالحة الوطنية ملف كبير وشائك"، ويرى في الوقت نفسه أنه "قد لا يكتب له النجاح هذا العام، لأنه يحتاج إلى عمل دؤوب وصادق من أجل حلحلة المشكلات العالقة".
وبيّن في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" أنه: "أمام هذه المشكلات، لا أعتقد بأن المصالحة قد يكتب لها النجاح بسرعة، وإنما تحتاج إلى وقت. أما إذا كانت المصالح سياسية، فالمجتمع الليبي وسطي ولا يقبل بالأجسام السياسية التي عبثت بليبيا منذ العام 2011 (جماعات الإسلام السياسي سواء المقاتلة والإخوان) والتي تأتمر بأوامر خارجية".
والخطوة الأولى في تقدير الشارف هي "زرع اللبنة" وهي "خطوة مباركة نتمنى أن يكتب لها النجاح والعمل على رأب الصدع بين مكونات الشعب الليبي، خاصة في غرب البلاد، لأن شرق البلاد لا توجد به انتهاكات عرفية أو قبائل اعتدت على قبائل أو مدن اعتدت على مدن. نزيف الدم الأكبر كان في مدن غرب البلاد".