"حائط صد".. كيف اتحدت الرباط وواشنطن ضد الإرهاب؟
04:40 - 26 مارس 2021مكن التعاون الأمني بين المغرب والولايات المتحدة، من تفكيك خلية إرهابية تتألف من 4 متشددين ينشطون بمدينة وجدة شرقي المملكة، ويرتبطون بتنظيم "داعش"، حسبما أكدت مصادر رسمية، الخميس.
وذكر بيان للمكتب المركزي للأبحاث القضائية في بيان، أنه تم تفكيك هذه الخلية الإرهابية وإجهاض مخططاتها المتطرفة الوشيكة، بفضل التنسيق الوثيق بين مصالح الأمن المغربية وأجهزة الاستخبارات الأمريكية، "مما يؤكد مرة أخرى أهمية التعاون الدولي لمكافحة التهديدات الإرهابية، ويبرهن على نجاعة الشراكات المتميزة التي تلعب دورا رئيسيا في ضمان نجاح عمليات مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف".
ويأتي التنسيق الأمني الجديد بين الرباط وواشنطن، بعد أشهر على المساهمة الكبيرة للمخابرات المغربية في تحييد جندي أميركي متطرف، خطط لتنفيذ هجوم إرهابي يستهدف النصب التذكاري ل 11 سبتمبر في منهاتن بنيويورك.
وكانت الاستخبارات المغربية قد أبلغت الإدارة الأميركية في سبتمبر الماضي، بالأنشطة المشبوهة التي كان يقوم بها الجندي كول بريدجيز على الإنترنت.
وقد انتهت عملية التحقيق أواخر يناير الماضي، بإلقاء القبض على الجندي الذي يتهم أيضا بتقديم مخططات تفصيلية، وحتى كتيبات تدريب، لمساعدة مسلحي تنظيم "داعش" الإرهابي على قتل أفراد من القوات الأميركية.
شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد
ويعد التعاون الأمني جزءا من الشراكة الاستراتيجية متعددة الأبعاد التي تربط المغرب والولايات المتحدة منذ سنوات، كما يشكل أحد مداخل التفاهمات السياسية بين البلدين.
ويرى الباحث المغربي في السياسة الأمنية إحسان الحافظي، أن التعاون الأمني بين الرباط وواشنطن بلغ مداه بتبادل المعطيات الاستخباراتية والأدلة الجنائية حول بعض المبحوث عنهم، بالإضافة إلى تنفيذ عمليات أمنية مشتركة في إطار ما يسمى "التسليم المراقب للمشتبه فيهم" في جرائم وطنية وعابرة للحدود، أو في التعاون في مجال مكافحة الإرهاب.
وفي حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، يوضح الحافظي أن هذا التنسيق الأمني بدأ عسكريا منذ سنوات، وانتقل بالتدريج إلى التعاون الاستخباراتي بين مصالح الاستخبارات المركزية الأميركية والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني في المغرب.
وقد استلهمت المملكة التجربة الأميركية لإنشاء المكتب المركزي للأبحاث القضائية، الذي اسندت إليه مهمات تتعلق بمكافحة الإرهاب، ويلقب بـ"إف بي آي المغرب".
وبحسب الحافظي صاحب كتاب "السياسات الأمنية في المغرب"، فإن التعاون الأمني بين البلدين يقوم على مجموعة آليات للتنفيذ، سواء تعلق الأمر بتنفيذ مذكرات البحث الدولي الصادرة عن الشرطة الدولية (إنتربول) أو عمليات التسليم المراقب للأشخاص، ثم أخيرا تنفيذ الإنابات القضائية.
وعلى المستوى المؤسساتي، يمر التعاون عبر مكاتب ضباط الاتصال لدى الولايات المتحدة، إذ يعتبر المغرب من البلدان القليلة التي تمتلك مكتب اتصال أمنيا داخل واشنطن، مهمته تسهيل عمليات التنسيق والتخابر بين الدولتين.
شريك موثوق به
وشهدت السنوات الماضية زخما على مستوى الزيارات المتبادلة لمسؤولين أمنيين رفيعي المستوى من المغرب والولايات المتحدة، وتناولت تلك الزيارات على وجه الخصوص آليات التعاون والتنسيق في مكافحة مخاطر الإرهاب والعنف والتطرف والجريمة المنظمة، وامتداداتها المتنامية في منطقة شمال إفريقيا ومنطقة الساحل.
وقد توجت هذه المباحثات في أكتوبر الماضي بالتوقيع على اتفاقية لتعزيز التعاون العسكري لمدة 10 سنوات، وذلك خلال زيارة لوزير الدفاع السابق مارك إسبر.
وتعكس هذه الاتفاقية، حسب مراقبين، الرغبة الأميركية في تقوية روابط التحالف مع المغرب في مواجهة الإرهاب، وإدماج المملكة في استراتيجية واشنطن لمحاربة الإرهاب الدولي التي بدأت منذ 2001.
ولعل هذا ما أشار إليه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، خلال مراسيم حفل توقيع هذه الاتفاقية، مؤكدا أن "المملكة والولايات المتحدة يجمعهما تحالف طويل الأمد يشمل مجالات مختلفة، لاسيما مجال محاربة التهديدات الإرهابية الدولية والتحديات الأمنية المشتركة، من خلال الرئاسة المشتركة للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب".
ووقتها تحدث بوريطة عن أن "المغرب يعد حليفا رئيسيا للولايات المتحدة من خارج حلف شمال الأطلسي (ناتو)، في إطار جهوده المبذولة لدعم مكافحة الإرهاب، ثم احتضان المناورات العسكرية المعروفة باسم الأسد الإفريقي، وهي أكبر مناورات عسكرية في القارة، وتقام بشكل مشترك بين القوات المسلحة الملكية المغربية والقوات الأميركية".
وفي هذا السياق، يعتبر مدير المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية محمد بنحمو، أن البلدين معا ينخرطان في مكافحة الإرهاب والتعاون الأمني في المنطقة على مستويات متعددة.
وفي تعليقات لموقع "سكاي نيوز عربية"، يؤكد بنحمو أن الإدارة الأميركية ووكالاتها الأمنية والاستخباراتية تدرك جيدا الدور المحوري الذي يلعبه المغرب في مجال التنسيق الدولي لمكافحة الإرهاب، وهو الدور الذي تعترف به أيضا العديد من الدول الأوربية، التي مكنتها المعلومات المغربية من تحييد إرهابيين في السنوات الأخيرة.
وبفضل موقعه الاستراتيجي، يعد المغرب من ضمن البلدان التي تبذل جهودا على مستوى مكافحة الإرهاب، فهو يرأس حاليا بالشراكة مع كندا المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، كما يحتضن منذ السنة الماضية مكتب برنامج لمكافحة الإرهاب والتكوين في إفريقيا، التابع لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، الذي يضاف إلى الجهود المبذولة للتصدي للخطر المتنامي للتنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء.
أهداف مشتركة.. في الساحل
ويضع المغرب منذ سنوات استراتيجية لمواجهة التحديات بالمنطقة تقوم على 3 محاور، هي الأمن والتنمية البشرية والتكوين.
وبحسب بنحمو، فإن الأهداف المغربية في منطقة الساحل والصحراء تتماهى مع الأهداف الأميركية، خاصة أن واشنطن تبحث عن موطئ قدم لها في إفريقيا لمنافسة الأوربيين والزحف الصيني.
من جانب آخر، يعتبر الحافظي أن المرحلة الحالية تشهد عودة أميركية إلى منطقة الساحل، حيث عاد الاهتمام في عهد الرئيس جو بايدن بما يجري في المنطقة المضطربة، وتحديدا في مواجهة نشاط الجماعات الإرهابية بالمثلث الحدودي بين مالي وتشاد وبوركينافاسو.
ويعبر المتحدث عن اعتقاده أن الولايات المتحدة تجد في المغرب شريكا موثوقا به قادرا على تامين تحرك أميركي، عبر الدعم الاستخباراتي أساسا نحو منطقة الساحل، ضمن استراتيجية أميركية جديدة تقوم على الدعم والمواكبة بديلا عن التحرك العسكري الميداني الذي شكل عقيدة عسكرية أميركية منذ سنوات.
وكان الإدارة الأميركية السابقة في عهد الرئيس دونالد ترامب، التي اعترفت بسيادة المغرب على صحرائه، قد عبرت عن رغبتها في إحداث تنمية اقتصادية بمنطقة الساحل والصحراء، وذلك من خلال برامج ضخمة منصتها بالجنوب المغربي.