كيف يؤثر التقارب المصري السوداني على قضية سد النهضة؟
08:06 - 07 مارس 2021رسائل مهمة بعث بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس المجلس السيادي الانتقالي السوداني عبدالفتاح البرهان، خلال لقائهما السبت في الخرطوم؛ أهمها تأكيد حرص البلدين على التنسيق والتعاون في تلك المرحلة الدقيقة الحالية التي يمر بها ملف سد النهضة.
رسائل مهمة بعث بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس المجلس السيادي الانتقالي السوداني عبدالفتاح البرهان، خلال لقائهما السبت في الخرطوم؛ أهمها تأكيد حرص البلدين على التنسيق والتعاون في تلك المرحلة الدقيقة الحالية التي يمر بها ملف سد النهضة.
تصريحات السيسي والبرهان خلال اللقاء عكست تقاربَ البلدين فيما يخلص ملف السد، وثوابتهما الراسخة إزاء الأزمة، ومن بينها رفض سياسة "الأمر الواقع" والإجراءات الأحادية المتخذة من قبل الجانب الإثيوبي. في الوقت الذي جدد فيه الجانب المصري التأكيد على دعم مقترح السودان لإشراك رباعية دولية من الاتحادين الأفريقي والأوربي إلى جانب الأمم المتحدة والولايات المتحدة، من أجل التوسط في ملف السد.
جاءت تلك الرسائل المصرية السودانية المشتركة تأكيداً على تقارب واسع ومتصاعد بين البلدين، ليس فقط على صعيد ملف السد؛ ذلك أن الفترات الماضية شهدت تنسيقاً وزيارات متبادلة بين مسؤولي البلدين على أعلى المستويات، تضمن زيارة وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي، قبل أيام إلى القاهرة، فضلاً عن زيارة رئيس الأركان بالقوات المسلحة المصرية الفريق محمد فريد حجازي، إلى السودان، على رأس وفد رفيع المستوى من قادة القوات المسلحة، للمشاركة في الاجتماع السابع للجنة العسكرية المشتركة المصرية السودانية، وإبرام اتفاقية عسكرية بين البلدين.
هذا التقارب يعتقد معه محللون بأنه ستكون له آثار وتداعيات إيجابية على موقف البلدين حيال أزمة سد النهضة وخيارات واتجاهات الأطراف الثلاثة، وقد يسهم بصورة أو بأخرى في تغيير المعادلات، والضغط على الجانب الإثيوبي، من خلال بعث رسائل مشتركة للمجتمع الدولي للاضطلاع بمسؤولياته في ذلك الملف الذي يشكل تهديداً واسعاً للأمن والسلم بالقارة بشكل عام.
تفاؤل
يقول وزير الموارد المائية والري السابق محمد نصر الدين علام إن "توحد إرادة الدولتين ليس من شأنه المساهمة في حل أزمة سد النهضة فقط، لكن حل مشاكل كثيرة بالنسبة للبلدين"، معبراً عن تفاؤله حيال أثر ذلك التقارب على ملف سد النهضة.
ويشير علام، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية" من القاهرة، السبت، إن "التقارب بين القاهرة والخرطوم، فضلاً عن التقارب العربي-العربي، يخدم البلدين في جميع القضايا بما في ذلك سد النهضة، وأمام ذلك التقارب سوف تتوافد الحلول أمام البلدين (...) من مصلحتنا كمصر والسودان أن نتحد ونقوي بعضنا البعض في جميع القضايا".
ويلفت الوزير المصري السابق إلى أن "فترات التباعد بين مصر والسودان في ملف سد النهضة أثرت في طول فترة الأزمة، ذلك أن الاعتماد الكلي على الفُرقة بين البلدين كان رهاناً إثيوبياً ولربما غربياً.. بينما اليوم كل بلد عرف مصلحته، وأن المصير واحد، وبالتالي سوف يجبر ذلك الجميع للرضوخ للحلول، ومحاولة السعي لحل الأزمة".
وأكد السيسي، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقب لقاءه مع البرهان، على أن "العلاقات الثنائية مع السودان شهدت تطوراً كبيراً مؤخراً"، لافتاً إلى أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الأمن القومي للبلدين. وشدد على أن بلاده "ستظل داعمة للسودان لتحقيق التنمية".
موقف سوداني
وأمام ذلك التقارب فإن مستشار وزير الري المصري السابق، خبير المياه الدولي ضياء الدين القوصي، يرى أن "مصر والسودان في النهاية لن تخسرا هذه المعركة"، لافتاً إلى أن الموقف السوداني في فترات كان ينأى بنفسه عن الملف، ويترك الصراع مباشرة بين مصر وأثيوبيا، على رغم أن الخرطوم أكثر المتضررين.
ويشير في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" من القاهرة، إلى أن ما وصفه بـ "الاستفاقة السودانية" أمر إيجابي يدعم موقف البلدين في المفاوضات، موضحاً أن الخرطوم أدركت خطورة الموقف بشكل كبير، لا سيما مع قرب سد الروصيرص من الخزان، وإن حدث لأي سبب من الأسباب انهيار لسد النهضة سوف تغرق الخرطوم كلها وليس فقط سد الروصيرص، ومن ثم فموقف السودان معقد، ومن هنا تكمن أهمية توافق الرؤى بين القاهرة والخرطوم.
ويلفت القوصي إلى تراجع حدة النبرة الأثيوبية، مشيراً إلى أنه "حتى الآن التصريحات الأثيوبية ليست إيجابية، ذلك أن أديس أبابا ترفض تدخل الوساطة الرباعية التي تدعو لها مصر والسودان.. لكن نبرة التحدي الشديد التي كانت تتبعها أديس أبابا قد خفتت قليلاً خلال الأيام الماضية".
مرحلة دقيقة
وعبر اللقاء بين السيسي والبرهان عن حجم التنسيق والتقارب بين البلدين في ملف السد. إذ شهد التوافق على أن المرحلة الدقيقة الحالية التي يمر بها ملف سد النهضة تتطلب أعلى درجات التنسيق بين مصر والسودان بوصفهما دولتي المصب اللتين ستتأثران بشكل مباشر بهذا السد.
وذلك مع التشديد على رفض أي إجراءات أحادية تهدف لفرض الأمر الواقع والاستئثار بموارد النيل الأزرق، ومن ثم تعزيز الجهود الثنائية والإقليمية والدولية للتوصل لاتفاق شامل ومتكامل حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة يكون ملزماً قانونياً ويحقق مصالح الدول الثلاث، ويحد من أضرار وآثار سد النهضة على مصر والسودان، خاصةً من خلال دعم المقترح السوداني لتشكيل رباعية دولية تشمل رئاسة الاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة للتوسط في هذا الملف، طبقاً لبيان صادر عن رئاسة الجمهورية في مصر، السبت.
تعاون وتنسيق
وأكد رئيس المجلس السيادي الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان، خلال لقائه مع السيسي السبت بالخرطوم، على ما تتسم به العلاقات المصرية السودانية من تميز وخصوصية ووحدة المصير، معرباً في الوقت نفسه عن تقديره لمواقف مصر الداعمة للسودان فى كافة المجالات، لمواجهة تداعيات الأزمات المختلفة.
وبموازاة ذلك، ينظر المحلل السياسي السوداني محمد علي فزاري، إلى التنسيق والتعاون المشترك بين البلدين باعتباره ضمن مساعي تبني موقف موحد لإرغام إثيوبيا على عدم الملء الثاني للسد في شهر يوليو المقبل؛ لأن ذلك من شأنه التأثير سلباً على كل من مصر والسودان، باعتبارهما دولتي المصب.
ويلفت في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية" إلى أن السودان ذكر أكثر من مرة أن الملء الثاني للسد من شأنه أن يؤثر على حياة 20 مليون سوداني على الحدود بين السودان وإثيوبيا، لافتاً إلى أن "التنسيق بين القاهرة والخرطوم يأتي في قمة أحداث هامة قبيل الملء الثاني لبحيرة السد".
ويشير فزاري في السياق ذاته إلى أن ثمة جهوداً حثيثة تبذلها حكومتا البلدين، من خلال توسيع مظلة الشركاء فيما يتعلق بسد النهضة (الاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، والولايات المتحدة الأميركية)، فيما سُمي بالرباعية ؛ لنزع فتيل الأزمة إرغام الجانب الإثيوبي على الخضوع للاتفاقات والمعاهدات السابقة.
ويلفت في السياق ذاته إلى أن "السودان يرى أن هذه مفاوضات ماراثونية لا يمكن أن تسير بهذه الطريقة، كما دعا إلى ضرورة تغيير المنهجية وطريقة التفاوض؛ حتى تصل الأطراف الثلاثة لحل ملزم ومنصف".