الشارع السوداني يعتبر لجنة تفكيك نظام الإخوان "خط أحمر"
20:39 - 06 فبراير 2021أعلن الشارع السوداني رفضه لأي محاولات لحل لجنة إزالة تمكين نظام الإنقاذ الذي كان يعمل تحت مظلة الإخوان والذي أطاحت به ثورة شعبية في أبريل 2019 كان محركها الأساسي هو الفساد المهول الذي ارتكبه النظام والذي يقدر حجمه بتريليون دولار، إضافة إلى عمليات تمكين واسعة لعناصر الإخوان أحدثت دمارا واسعا في الخدمة المدنية وبنيات الاقتصاد القومي.
وفي أعقاب تلميحات صدرت خلال اليومين الماضين من جهات نافذة بحل لجنة إزالة التمكين، وأنباء عن استدعاء عضو اللجنة صلاح مناع بالمثول أمام النيابة لاتهامه رئيس مجلس السيادة ونائبه والنائب العام بعرقلة عمل اللجنة، صدرت خلال الساعات الماضية عاصفة من البيانات من لجان المقاومة السودانية التي قادت ثورة ديسمبر، إضافة إلى تجمع المهنيين وقوى الحرية والتغيير وهيئات حقوقية تدعوا جميعها لعدم المساس باللجنة التي يعتبرها الكثيرين إحدى النقاط المضيئة القليلة التي تبقت من الثورة في ظل حالة الاستقطاب السياسي الكبيرة التي تعيشها البلاد حاليا.
وقال شوقي يعقوب عضو الهيئة القانونية الاستشارية للجنة إزالة التمكين إن الحملة المضادة التي تتعرض لها اللجنة تأتي من المجموعات الفاسدة التي تضررت مصالحها ومستها قرارات تفكيك الفساد مسنودين بجهات نافذة تتقاطع مصالحها معها بشكل مريب.
وأوضح يعقوب لموقع "سكاي نيوز عربية" أن اللجنة تشكل جزءا أصيلا من الفترة الانتقالية وتعمل وفقا للقانون واستنادا إلى المادة 15 من الوثيقة الدستورية التي تنص صراحة على تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989.
سند قانوني
أنشئت لجنة تفكيك نظام المعزول عمر البشير في أعقاب الإطاحة به في ثورة شعبية في أبريل 2019 بعد 30 عاما من فترة حكم شهدت أكبر موجة من الفساد قادتها مجموعات نافذة في الحزب، إضافة إلى تنظيمات طلابية وشبابية وشبكة من المنظمات التجارية، مما أدى إلى تصنيف السودان بين البلدان الاكثر فسادا في العالم بحسب مؤشر منظمة الشفافية العالمية.
وتتمتع اللجنة بصلاحيات قانونية واسعة تشمل مصادرة الأصول والأراضي والمؤسسات والأموال التي استولى عليها عناصر من النظام السابق ووضعها تحت تصرف وزارة المالية، إضافة إلى حل وتفكيك مؤسسات ومنظمات النظام السابق وحجز وتجميد حسابات الأشخاص والمؤسسات والشركات المصرفية المتورطة في انشطة فاسدة.
كما تقع تحت مهام اللجنة أيضا اتخاذ إجراءات ضد المتورطين في الفساد المالي والإداري وتقديمهم للنيابة والقضاء.
وفي وقت سابق، اعتبر رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك قانون إنشاء اللجنة بأنه جاء لإقامةً العدل واحتراما لكرامة الناس وصونا لمكتسباتهم، حتى يتسنى استرداد الثروات المنهوبة من خيرات الشعب، لكن اللجنة أعلنت صراحة في يناير الماضي عن عدم تعاون الأجهزة العدلية والشرطية معها، مما أثار غضبا كبيرا في الشارع السوداني خصوصا في ظل التقارير التي تتحدث عن وجود تقاطعات مصالح لنافذين في الدولة وتماهي مع عناصر النظام السابق الذين يقودون تلك الحملة.
تريليون دولار مهدرة
يعول الشارع السوداني على اللجنة كثيرا في المساعدة على استعادة الأموال والأصول المهدرة عبر شبكات الفساد الإخوانية والتي تقدر بنحو تريليون دولار بما في ذلك الأثر المباشر والغير مباشر الذي الحقته أنشطة الفساد تلك وذلك استنادا إلى حجم الأموال المهدرة في قطاعات النفط والزراعة، إضافة إلى الأثر المباشر وغير المباشر للعقوبات الاميركية التي تعرض لها السودان خلال الفترة من 1997 وحتى 2017 بسبب تصرفات الإخوان الأيديولوجية واتهامهم برعاية الراعية الإرهاب، واستضافتهم لزعيم تنظيم القاعدة لعد سنوات خلال تسعينيات القرن الماضي.
وفقا لبيانات مستقلة توجد نحو 200 مؤسسة سياسية وأكثر من 350 شركة تجارية أسسها نظام الإخوان للسيطرة على اقتصاد البلاد.
وشملت عملية التمكين والفساد المرتكب في عهد البشير الزج بالآلاف من عناصر الإخوان في وظائف الدولة دون مؤهلات ليشغلوا مناصب حساسة في الخدمة المدنية وفي مؤسسات وقطاعات مختلفة بما في ذلك الكهرباء والجمارك والضرائب وغيرها من المؤسسات المهمة، مما يضع المزيد من التحديات أمام القائمين على عملية إزالة التمكين. ويتمتع أولئك الموظفين بامتيازات وحصانات لا تتوفر لدى رصفائهم من غير المنتمين للتنظيم.
اتهامات خطيرة
اتهمت اللجنة في تصريحات صحفية ادلت بها مؤخرا جهات نافذة بعرقلة عملها مما سمح بهروب الكثير من عناصر النظام قبل أن تطالهم يد العدالة.
وخلال الفترة الأخيرة تحدث أعضاء في اللجنة علنا عن تورط مسؤولين كبار في أجهزة عدلية وسيادية في عملية إطلاق سراح وهروب التركي أوكتاي ارجان الذي أصدرت اللجنة مؤخرا قرارا بمصادرة جميع ممتلكاته.
ويعتبر اوكتاي الذي نال الجنسية السودانية في وقت سابق واحدا من أكثر عناصر الفساد إثارة للجدل. وتمكن الرجل الذي بدا نشاطه في السودان كخياط وتاجر بدل عادي من تكوين ثروة هائلة خلال فترة قصيرة تقدر بمليارات الدولات مستغلا بيئة الفساد الخصبة التي وفرها نظام البشير خدمة للتنظيم العالمي للإخوان.
وكانت تسع سنوات كافية لتحويل اوكتاي الذي دخل للسودان في العام 2002 مسوقا بضعة كراتين من البدل إلى امبراطور مال يتلاعب بالاقتصاد السوداني من خلال عدد من الأنشطة المشبوهة التي شملت تجارة العملة والسلاح والبذور الفاسدة.
ويعتقد أن اوكتاي تمكن من خلال علاقاته الوطيدة مع تنظيم الإخوان وعائلة البشير من ترتيب صفقة بيع جزيرة سواكن لتركيا بثمن بخس حيث تم خلال الساعات الأولى من زيارة أوردغان للخرطوم في أواخر 2017التوقيع على اتفاقية وضع الجزيرة تحت تصرف تركيا لمدة 99 عاما، مما أثار غضب محلي عارم وقلق إقليمي ودولي كبير.
واعتبرت اللجنة تسهيل عملية إطلاق سراح وهروب اوكتاي إلى خارج البلاد طعنة كبيرة في ظهر الثورة وضرب لجهود استعادة اموال الشعب.
رفض واسع
من جهتها، حذرت تنسيقية لجان المقاومة جهات نافذة في الدولة من مغبة المضي قدما فيما اسمته بـ "مؤامرة" الانقضاض على لجنة تفكيك نظام البشير.
وأدان تجمع المهنيين السودانيين محاولة قطع الطريق أمام اللجنة، معتبرا ذلك فعلاً من أفعال الردة على مرتكزات الثورة وانقلابا على مبادئها. وعزى التجمع في بيان، ردود الأفعال المصنوعة التي وُجهت به اللجنة لحالة التراخي والسيولة الأمنية التي تسيطر على المشهد بالإضافة إلى تأخر تحقيق العدالة الناجزة وتقديم مجرمي النظام البائد إلى محاكمات عادلة بدلاً عن إطلاق سراحهم.
وفي ذات السياق، قال بيان صادر عن المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، السبت، إن لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو التزام ثوري ودستوري وباقية حتى تكمل مهمتها الدستوري.
وأوضح البيان أن اللجنة عملت منذ تأسيسها بكل مسئولية وتجرد وحققت خلال عام إنجازات عظيمة رغم المحاولات اليائسة لشيطنتها من قبل الفاسدين ورموز النظام البائد، والمحاولات المستهجنة لإعاقة عملها من قبل قيادات نافذة بالدولة.
واعتبر البيان "الإجراءات التعسفية" في مواجهة عضوها صلاح مناع من قبل النائب العام تطور في غاية الخطورة وعملية مقصودة لقتل كل ما قامت به اللجنة من جهود كبيرة في ملاحقة الفاسدين واسترداد أموال الشعب.
كما أدانت مجموعة محامون ضد التمييز والفساد الهجوم المنظم ضد عمل اللجنة توطئة لحلها باعتبارها المعول الوحيد الان الذي مازال يهدم في امبراطورية الفساد والتمكين الإخواني. وقالت المجموعة في بيان إن وجود اللجنة في هذا الوقت مطلبا ثوريا لأن القضاء على امبراطورية التمكين الذي أسسه النظام البائد من ضمن مهام الفترة الانتقالية الواردة في الوثيقة الدستورية.
ويصف الكاتب الصحفي مأمون الباقر ما يجري من استهداف للجنة إزالة التمكين بالردة على الثورة وأهدافها. ويقول لـموقع "سكاي نيوز عربية" إن من الخطير جدا وضع العراقيل أمام تحقيق واحدا من أهم أهداف ثورة ديسمبر والمتمثل في تصفية وإزالة تمكين بؤر الفساد.
وتوقع الباقر أن "تجد أي محاولة لحل اللجنة مقاومة كبيرة من الشارع السوداني الواعي جدا لأهمية تنفيذ منظومة الإصلاح الشامل للدولة والقضاء على آفة الفساد التي اقعدت البلاد كثيرا."