أوروبا تقيّد "أذرع أردوغان".. والبداية مع "الذئاب الرمادية"
13:24 - 21 نوفمبر 2020خطت الدول الأوروبية خطوات ملموسة في مواجهة أدوات التطرف والإرهاب التي يستخدمها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أراضيها، كما يرى محللون، واعتبر هؤلاء أن ملاحقة منظمة "الذئاب الرمادية" ليس سوى البداية في احتواء نفوذ أنقرة داخل حدود القارة، خاصة مع تصاعد العنف الذي تتورط فيه الجماعات المتطرفة.
وبعد التضييق على استقبال أئمة أتراك، والسعي نحو إنشاء معهد أوروبي لتكوين الأئمة، وجه الأوروبيون أنظارهم نحو منظمة "الذئاب الرمادية" التركية، فقامت فرنسا بحل هذه المنظمة على أراضيها، بينما وافقت برلمان ألمانيا وهولندا على مناقشة حل هذه الجماعة.
منظمة متطرفة
و"الذئاب الرمادية" منظمة يمينية متطرفة مرتبطة بحزب الحركة القومية التركي، وتأسست في أواخر الستينيات وشاركت في العنف السياسي الذي اجتاح تركيا في السبعينيات، واستهدفت النشطاء اليساريين والأقليات العرقية.
وتقوم المنظمة على تمجيد الشعب التركي واستعادة أمجاده التاريخية، كما تساند بقوة الأطروحات الرسمية في قضايا الأرمن والأكراد، وتدعم الحركة بقوة تمدد تركيا في محيطها الجغرافي.
فرنسا تحركت بالفعل
كانت الحكومة الفرنسية قد حلت منظمة "الذئاب الرمادية" في فرنسا قبل أسبوعين، بدعوى أنها تثير التمييز والكراهية وضالعة في أعمال عنف، وقد رحب الطلب المقدم إلى البرلمان الألماني بالتصرف الفرنسي مع المنظمة " وربط ذلك بالأمل في أن تتبع دول أخرى النموذج الفرنسي".
وخضعت أنشطة الجماعات القومية التركية في عدد من دول أوروبية لتدقيق متزايد خلال الأسابيع الأخيرة، بعد تشويه نصب لضحايا الإبادة الجماعية الأرمن في فرنسا بكتابات شملت عبارة "الذئاب الرمادية"، والأحرف الأولى من اسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
كما تورطت "الذئاب الرمادية" في حشد القوميين الأتراك في فرنسا في الفترة الأخيرة، و اشتبكوا مع متظاهرين داعمين لأرمينيا في صراعها مع أذربيجان حول منطقة ناغورني كراباخ.
تشديد ألماني
والأربعاء الماضي وافق البرلمان الألماني على دراسة حظر منظمة "الذئاب الرمادية" في البلاد، وصادق بالأغلبية على طلب مشترك مقدم من أحزاب الائتلاف الحاكم يطالب الحكومة بحظر هذه المنظمة كليا.
وقال مقدمو الطلب إن المنظمة التركية "عنصرية ومعادية للسامية ومعادية للديمقراطية وتهدد الأمن الداخلي في البلاد".
وحسب تقرير للاستخبارات الداخلية في ألمانيا، فإن "الذئاب الرمادية" تنشر الأفكار المتطرفة، ولها علاقات بحزب الحركة القومية الذي يشكل تحالفا حكوميا مع حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه أردوغان.
وخلال جلسة الاستماع في البوندستاغ (البرلمان الألماني) قالت النائبة عن حزب اليسار سيفيم داجديلين: "نحن نناقش الموضوع الذي انتظرناه طويلا، باتخاذ إجراءات ضد شبكة أردوغان، وإصدار أمر لحظر الذئاب الرمادية. كافح حزب اليسار وحزب العمال الديمقراطي في البوندستاغ منذ عقود لحظر هذه المنظمة اليمنية المتطرفة".
وتابعت داجديلين: "يجب أن ينتهي تحريض الإسلامويين والقوميين الأتراك ضد المعارضين والأرمن والاكراد واليهود، ولذلك يجب حظر الهيكل التنظيمي للذئاب الرمادية أيضا، واليوم هو يوم جيد لأننا نناقش هذا القرار".
وكان الجيش الألماني قد أعلن عن تحقيقات بشأن 4 وقائع تطرف داخل صفوفه لها علاقة بجماعة "الذئاب الرمادية"، وقالت الحكومة إن إحدى هذه الحالات تثبت بأدلة موثقة "عدم ولاء للدستور في الحد الأدنى".
هولندا تناقش
وفي هولندا صوت البرلمان، الخميس، بأغلبية 147 صوتا، على الاقتراح الذي قدمه حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية، لمناقشة طلب بحظر عمل "الذئاب الرمادية" في البلاد.
وقال الحزب في بيانه أمام البرلمان: "إن هذه المنظمة اليمينية المتطرفة تعمل على زرع الفتن بين المجتمعات المختلفة في البلاد، وتسبب التوتر بين المواطنين"، حسبما أورد موقع " أي بي سي غازيتي" التركي.
فرق الموت
وقال المحلل السياسي المقيم في ألمانيا مصطفى عبدي لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "الخطوات الأوربية لضرب أذرع أردوغان، وإن تأخرت، مهمة في مواجهة تصاعد دورها وتحولها لتنظيمات تنفذ أو تحرض على تنفيذ أعمال العنف والعمليات الإرهابية".
وأضاف عبدي: "يعتبر حظر نشاط هذه المنظمة في فرنسا ثم ألمانيا، قطع لأحد الأذرع الإرهابية لأردوغان، بانتظار أن تقتدي بقية الدول الأوربية بهما، وإلا فإنها ستكون أمام فوضى لن يتوانى أردوغان عن إثارتها".
وكشف أن "الذئاب الرمادية" تخفي هويتها في ألمانيا، وتنشط تحت أسماء عدة منها "اتحاد جمعيات الأتراك المثاليين الديمقراطية".
وأضاف عبدي أن منظمة الذئاب الرمادية مسؤولة عن قتل الآلاف من الكرد والأرمن والعرب وغيرهم، وهاجمت عددا من التظاهرات السلمية في أوروبا بتحريض من أردوغان، كما تنشط على وسائل التواصل الاجتماعي وتحرض على إشعال الحروب.
وتعتبر المنظمة أن أبناء "العرق التركي" هم الذين يحق لهم البقاء أحياء فقط، وفي أيديولوجيتها أن "العرب" خونة، لأنهم ساعدوا في تدمير الخلافة العثمانية، بحسب عبدي.
وتابع المحلل السياسي: "تعتبر المنظمة مسؤولة بشكل مباشر عن قيادة فرق الموت في المدن السورية المحتلة، وتقف وراء الاغتيالات والإعدامات الميدانية والتعذيب، ولديها مكاتب في مدن جرابلس وعفرين والباب ورأس العين، وهي المسؤولة عن تجنيد السوريين واستغلال فقرهم وإرسالهم كمرتزقة إلى ليبيا وأذربيجان".
توجه أوروبي
الدكتور خطار أبو ذياب أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس، قال إن الخطوة الفرنسية أتت بعد تصاعد أعمال الإرهاب، وبعد مراقبة حثيثة لترابط هذه الجماعات من اليمين المتطرف القومي التركي مع جماعات لها نفس التوجهات وتدعم الميول المتطرفة فيما يخص فرنسا، مشيرا إلى أن هناك اتجاها في باريس لتجحيم جماعة تركية أخرى تتبع للمجلس الملي التركي.
وأضاف أبو ذياب لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "المسألة تنتقل إلى دول أوروبية أخرى غير ألمانيا، مثل هولندا وبلجيكا ودول شمال القارة، تراقب كل ما له علاقة بالحركات التركية المتشددة وسعيها لإثارة القلاقل في الدول الأوروبية وخاصة ألمانيا، التي توجد بها جالية تركية كبيرة تصل إلى 4 ملايين شخص، ومنها عدد ليس بالقليل من الأكراد، مما يثير في بعض الأحيان مناوشات داخل هذه الجالية".
وحذر أستاذ العلوم السياسية من أن "ما جرى في ألمانيا خطوة مبدئية، ولكن اللوبي الموالي لتركيا داخل ألمانيا سيحاول تعطيل هذا القرار لمنع الوصول إلى حل هذه الجماعة، وربما يتم الضغط من العلاقات الاقتصادية الكبيرة بين أنقرة وبرلين".
تجفيف منابع
وفي السياق ذاته، قال نزار الجليدي المحلل السياسي المقيم في فرنسا، إن "القضاء على الذئاب الرمادية أصبح توجها عاما في الاتحاد الأوروبي، وفرنسا تقود هذا التوجه".
وبحسب الجليدي، فإن وزير الداخلية الفرنسي جيرار جيرالد دارمانان يتولى ملف هذا المنظمة داخليا، إذ يسعى منذ اليوم الأول لتوليه الحقبة الوزارية إلى مواجهة هذه الجماعات، و"اختيار مواجهة الأذرع التركية على الأراضي الفرنسية يتماشى مع السياسة العامة للدولة، حيث إن هناك توافقا بين الرئيس إيمانويل ماكرون ووزير خارجيته جون إيف لوديان ووزير الداخلية في هذا الملف".
وتابع الجليدي في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "حظر الذئاب الرمادية مجرد بداية لمواجهة نفوذ الجماعات التركية في الأراضي الفرنسية، فهناك جماعات أخرى سيطالها الحظر، معتبرا أن "التوجه الفرنسي العام حاليا هو اجتثاث هذه الجمعيات التي نحرت جسدها، ولم تعد مكونا دينيا بل سياسي".
وأضاف: "هذا التوافق (بين الدول الأوروبية) مبني على أساس المصلحة والتعاون الأمني. مصلحة دول القارة في تجفيف منابع الدور التركي الذي يثير القلاقل في دول الاتحاد الأوروبي".