رهانات على السندات الروسية والروبل ترقباً لاتفاق سلام
09:33 - 18 مارس 2025
يترقب المستثمرون موقف روسيا بشأن وقف إطلاق النار والقبول بهدنة محتملة في أوكرانيا، وسط تساؤلات عن تأثير ذلك على الأسواق المالية.
يحدد أي تحرك في هذا الاتجاه ملامح المرحلة المقبلة، سواء من حيث تدفق الاستثمارات أو تخفيف الضغوط على العملة المحلية والسندات الروسية. بينما تتجه الأنظار إلى الإشارات الرسمية التي قد تعيد تشكيل حسابات المستثمرين الدوليين تجاه الأصول الروسية.
في هذا السياق، يتجه المستثمرون إلى رهانات مقاومة للعقوبات على السندات الروسية والروبل؛ على أمل أن يؤدي تقارب دونالد ترامب مع فلاديمير بوتين إلى تدفق رؤوس أموال جديدة إلى الاقتصاد الروسي.
أخبار ذات صلة
وكشفت صناديق التحوط والوسطاء عن تحركات لاستكشاف فرص التداول في الأصول الروسية التي نبذها الغرب، لكنهم يرون أنها قد تشهد انتعاشاً حاداً إذا خفف الرئيس الأميركي العقوبات كجزء من اتفاق لوقف إطلاق النار في الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وفقاً لما أكده مستثمرون ومتداولون ضمن تقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.
وارتفع الروبل الروسي بنحو الثلث مقابل الدولار منذ بداية العام، مدفوعًا بآمال انتهاء الصراع المستمر منذ ثلاث سنوات. لكن المستثمرين يرون أن الأسواق تتطلع إلى ما هو أبعد من ذلك، نحو احتمال تخفيف أوسع للعقوبات المفروضة على روسيا.
ونقل التقرير عن مدير الاستثمار في شركة GAM ، بول مكنمارا ، قوله: "بعض تصريحات ترامب بشأن روسيا غير متسقة، وهذا أمر يجب أخذه في الاعتبار، لكن المسألة تدور حول رفع العقوبات."
ورغم صعوبة رهان الصناديق الغربية بشكل مباشر على الأصول الروسية، إلا أن بعضها يبحث عن سندات شركات روسية اعتُبرت شبه معدومة القيمة بعد الحرب في أوكرانيا في العام 2022، لكنها بدأت تستعيد قيمتها في التقييمات الداخلية لبعض المستثمرين.
أخبار ذات صلة
وفي هذا السياق، قال محلل الدخل الثابت لدى شركة Ninety One الاستثمارية، روجر مارك:
- "هناك بالتأكيد بعض الحماس، خاصة في مجتمع صناديق التحوط".
- لكن الروبل لا يزال يتم تداوله بشكل محدود خارج روسيا.
- كما أن معظم السندات محظورة على المستثمرين المؤسسيين الأجانب بسبب العقوبات والقيود الداخلية لديهم.
ومنذ العام 2022، تحظر العقوبات التداول في الديون السيادية الروسية، كما أن العديد من الشركات الروسية لا تستطيع العثور على بنوك أو وسطاء لمعالجة مدفوعاتها للدائنين.
وفي الوقت نفسه، يعد تداول الروبل بشكل مباشر أمراً بالغ الصعوبة بسبب القيود المفروضة على المصارف الروسية والقواعد الداخلية للبنوك الغربية.
وبالكاد تصل أحجام تداول الروبل في الأسواق الدولية إلى 50 مليون دولار أسبوعياً، مقارنة بمليارات الدولارات قبل الحرب.
وفي هذا السياق، لجأ المتداولون إلى استخدام التينغ الكازاخي كبديل للروبل، نظراً للروابط الاقتصادية الوثيقة بين كازاخستان وروسيا، حيث تتراوح أحجام التداول بين 100 و200 مليون دولار أسبوعياً. وارتفع التينغ بنحو 5 بالمئة مقابل الدولار هذا العام. لكن تنفيذ هذه الصفقات على نطاق واسع لا يزال أمراً معقداً.
وفي محاولة للالتفاف على هذه العقبات، بدأت بعض البنوك والوسطاء في تقديم رهانات على تحركات الروبل يتم تسويتها بالدولار، مما يسمح للمستثمرين بتجنب التعرض المباشر للسوق الروسية. وتُعرف هذه الأدوات المالية باسم العقود الآجلة غير القابلة للتسليم (NDFs)، والتي تُستخدم عادة لتداول العملات التي يصعب الحصول عليها خارج أسواقها المحلية، مثل النايرا النيجيرية أو الجنيه المصري.
أخبار ذات صلة
ونقل التقرير عن رئيس استراتيجية الأسواق الناشئة في Citi، لويس كوستا: البنوك الغربية مقيدة بالعقوبات، لكن العقود الآجلة غير القابلة للتسليم تتيح وسيلة للمراهنة دون الحاجة إلى امتلاك العملة الروسية أو أي أصول روسية.
وكان Citi قد أوصى الشهر الماضي بالمراهنة على ارتفاع الروبل عبر هذه الأداة، بالتزامن مع بدء محادثات بين الولايات المتحدة وروسيا.
استكشاف الفرص
من جانبه، يقول الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية، حميد الكفائي، إن التقارب بين إدارة ترامب وروسيا دفع العديد من المضاربين لاستكشاف فرص الاستفادة من هذا الوضع، إلا أن العقوبات الغربية، بما فيها الأميركية، ما تزال قائمة، مما يجعل التعامل المباشر مع روسيا غير ممكن في الوقت الحالي.
ويضيف الكفائي أن هناك تفاؤلاً بين المستثمرين، وخاصة المضاربين، بشأن احتمالات تخفيف العقوبات على روسيا في حال موافقتها على وقف إطلاق النار مع أوكرانيا، مشيراً إلى أن العديد من المضاربين يحققون أرباحاً كبيرة في مثل هذه الأجواء، رغم ما تحمله هذه التعاملات من مخاطر كبيرة في حال عدم صحة التوقعات.
ويشير إلى أن المستثمرين والمضاربين يلجؤون إلى التعامل التجاري مع روسيا عبر كازاخستان، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع سعر العملة الكازاخستانية 5 بالمئة؛ نتيجة لتزايد الطلب عليها من قبل صناديق التحوط والمضاربين الذين يبحثون عن طرق غير مباشرة للتعامل مع السوق الروسية.
كما يلفت الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية، إلى أن العملة الروسية شهدت ارتفاعاً بنحو الثلث منذ بداية العام، مدفوعة بالتقارب السياسي بين روسيا والغرب، والتوقعات بإمكانية التوصل إلى اتفاق سلام بين موسكو وكييف. ومع ذلك، يؤكد أن هذه التحركات تظل في إطار المضاربات، حيث يمكن أن تحقق أرباحاً ضخمة للمستثمرين في حال صحت التوقعات، لكنها تحمل أيضاً مخاطر كبيرة في حال فشل المفاوضات.
ويشير الكفائي إلى أن المؤسسات الغربية الرسمية لا تزال بعيدة عن هذه التعاملات، حيث تنتظر النتائج النهائية للمفاوضات، نظراً لعدم قدرتها على دخول السوق الروسية بسبب العقوبات. في المقابل، يسارع المضاربون إلى استكشاف السوق الروسية وتقييم الاحتمالات، والتي قد تكون مربحة للغاية في حال تحقق السيناريوهات المتوقعة للسلام.
رهانات
وكانت الأسواق الدولية للأصول الروسية قد انهارت بعد الحرب في أوكرانيا، إذ أدت العقوبات إلى عزل البنوك الروسية عن النظام المالي العالمي، ما تسبب في هروب واسع لرؤوس الأموال.
وفي محاولة لمواجهة التداعيات، رفع البنك المركزي الروسي أسعار الفائدة لمواجهة ارتفاع تكاليف الواردات ونقص العمالة، خاصة مع تسريع الكرملين لوتيرة الإنتاج العسكري.
وترتكز رهانات المستثمرين على الروبل على فرضية أن هذا الوضع قد ينعكس، لا سيما إذا عاد الروس الذين فروا من البلاد خوفًا من التجنيد، حاملين معهم مدخراتهم التي خبأوها في جورجيا وأرمينيا ودول مجاورة أخرى، وفق تقرير "فايننشال تايمز".
لا تزال هذه الرهانات تنطوي على مخاطر كبيرة، خاصة إذا قررت الولايات المتحدة تشديد العقوبات في حال رفض موسكو شروط وقف إطلاق النار.
وحتى في حال تخفيف العقوبات، قد يستغل المستثمرون الروس، الذين عُلقت أموالهم داخل البلاد، الفرصة للخروج، بينما قد لا يعود العديد من المهاجرين الروس، وفقًا لما قاله روجير مارك من Ninety One.
أهمية استراتيجية
من جانبه، يتناول رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، جو يرق، مسألة التقارب المحتمل بين روسيا والولايات المتحدة وتأثيره على المستثمرين الأميركيين، مشيراً إلى أن هناك تقارير متباينة حول خسائر الشركات الأميركية جراء خروجها من السوق الروسية، وهي خسائر قد تصل إلى مئات المليارات من الدولارات.
ويؤكد أن السوق الروسية تعد سوقاً استهلاكية كبيرة؛ حيث شهدنا تأثيرات الخروج على قطاعات رئيسية مثل المطاعم (مثل ماكدونالدز) علاوة على خسائر الطيران وقطاع السيارات، مما يبرز أهمية هذه السوق بالنسبة للشركات العالمية، موضحاً أن إعادة التقارب بين البلدين قد تفتح الباب أمام عودة النشاط الاستثماري الأميركي في روسيا، مما سيوفر فرص عمل واستثمارات جديدة لكلا الطرفين.
كما يشدد على أهمية روسيا الجيوسياسية، سواء داخل الاتحاد الروسي أو على المستوى الدولي، مشيراً إلى أن التعاون بين البلدين يمكن أن يعود بالنفع على الشركات الأميركية والمستثمرين الذين كانوا ناشطين في السوق الروسية قبل الخروج. ويضيف أن الاستثمارات الروسية في الولايات المتحدة، مثل تلك التي يملكها الأوليجارشيون الروس، قد تستفيد أيضاً من هذا التقارب.
وفيما يتعلق بقطاع الطاقة، يشير يرق إلى أن روسيا تعتبر لاعباً رئيسياً في سوق النفط والغاز، وهو ما يمثل فرصة استراتيجية للشركات الأميركية. كما يلفت الانتباه إلى امتلاك روسيا احتياطيات كبيرة من المعادن الثمينة، وهو قطاع يحظى باهتمام متزايد من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ويوضح أن التقارب الروسي الأميركي يحمل آفاقاً وفرصاً استثمارية كبيرة، ويمكن أن يكون له تأثير إيجابي على الاستثمارات بين البلدين، سواء في قطاع الطاقة أو المعادن أو المجالات الأخرى ذات الاهتمام المشترك.
تفاؤل بالأسواق الروسية
وتشهد الأسهم في الأسواق الروسية والروبل، العملة الوطنية للبلاد، ارتفاعاً وسط محادثات بين موسكو وواشنطن بشأن مفاوضات سلام محتملة لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
ارتفع مؤشر بورصة موسكو (MOEX) ومؤشر RTS المقوّم بالدولار يوم الاثنين، في حين سجّل الروبل أعلى مستوى له منذ سبعة أشهر مقابل الدولار، مدفوعاً بالتفاؤل بإمكانية تخفيف إدارة ترامب العقوبات على روسيا. وبحسب "نيوزويك"، فمنذ 17 ديسمبر، صعد مؤشر MOEX بأكثر من 800 نقطة.
ونقلت عن الخبير الاقتصادي البارز في معهد فيينا للدراسات الاقتصادية الدولية، فاسيلي أستروف، قوله:
- "لقد كان هناك شعور بالنشوة في الأسواق المالية الروسية مؤخراً". "
- إذا تم تخفيف العقوبات الأميركية (و/أو) رفعها، فإن هذا التفاؤل سيكون مبرراً إلى حد كبير".
- "إن ذوبان الجليد في العلاقات الروسية الأميركية قد يقنع الشركات بالبقاء في روسيا، وتلك التي غادرت بالفعل بالعودة المحتملة... وسيكون التأثير الصافي لاتفاق السلام هو المزيد من تدفقات رأس المال إلى روسيا".
