كيف حافظت روسيا على نمو اقتصادها رغم العقوبات الغربية؟
19:47 - 18 أبريل 2024يظهر الاقتصاد الروسي قدرة غير متوقعة على النمو رغم العقوبات الاقتصادية واسعة النطاق التي فرضتها دول الغرب على موسكو إبان اندلاع الحرب على أوكرانيا في 24 فبراير 2022، ما دفع الكثير من الخبراء والمهتمين للتساؤل حول مدى جدوى العقوبات، وكيف حافظت روسيا على تحقيق نمو جيد لاقتصادها، وهل كانت العقوبات نعمة أم نقمة على اقتصادها؟
وفيما سجل الاقتصاد الروسي في العام 2023 نمواً بنسبة 3.6 بالمئة هو الأعلى خلال العقد الماضي، باستثناء فترة الجائحة، يتوقع صندوق النقد الدولي لاقتصاد البلاد أن ينمو بشكل أسرع من جميع الاقتصادات المتقدمة، حيث رجح الصندوق في أحدث تقرير له عن آفاق الاقتصاد العالمي، أن ينمو اقتصاد روسيا بنسبة 3.2 بالمئة في عام 2024، وهو ما يتجاوز معدلات النمو المتوقعة للولايات المتحدة (2.7 بالمئة)، والمملكة المتحدة (0.5 بالمئة)، وألمانيا (0.2 بالمئة) وفرنسا (0.7 بالمئة).
وستكون هذه التوقعات مزعجة للدول الغربية التي سعت إلى عزل روسيا ومعاقبتها اقتصادياً بسبب غزوها لأوكرانيا عام 2022، وفقاً لتقرير نشرته أخيراً شبكة (سي إن بي سي) الأميركية.
وتقول روسيا إن العقوبات الغربية على صناعاتها الحيوية جعلتها أكثر اكتفاء ذاتياً وإن الاستهلاك الخاص والاستثمار المحلي لا يزالان يتمتعان بالمرونة، وفي الوقت نفسه، فإن استمرار صادراتها من النفط والسلع الأساسية إلى دول مثل الهند والصين، فضلاً عن التهرب من العقوبات وارتفاع أسعار النفط، سمح لها بالحفاظ على عائدات قوية من تصدير النفط، بحسب التقرير.
وتوقع صندوق النقد الدولي أن النمو الاقتصادي في روسيا سيعتدل في عام 2025، لكنه سينخفض إلى 1.8 بالمئة مع تلاشي آثار الاستثمار المرتفع والاستهلاك الخاص القوي، بدعم من نمو الأجور في سوق عمل ضيقة.
وفرضت دول الغرب آلاف العقوبات غير المسبوقة على روسيا عبر 12 حزمة أطلقها الاتحاد الأوروبي شملت مختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية والبنكية والعسكرية والعلمية بهدف حد قدرة اقتصادها على تمويل الحرب.
ومن أبرز العقوبات، تجميد أصول البنك المركزي الروسي وإبعاد بنوك روسية عن نظام سويفت، ومنع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وأميركا مواطنيها والشركات لديها من إجراء أي تعاملات مالية مع البنك المركزي الروسي أو وزارة المالية الروسية أو صندوق الثروة السيادي الروسي، وحظر الاتحاد الأوروبي للنفط والغاز الروسي، إلى جانب فرض حد أقصى لسعر برميل خام الأورال المنقول بحراً عند 60 دولاراً، وفرض سقف سعر على المشتقات النفطية الروسية بواقع 100 دولار للبرميل للمنتجات الأعلى سعراً وتحديد قيمة المنتجات الأقل جودة عند 45 دولاراً للبرميل.
8 أسباب لعدم نجاح العقوبات الاقتصادية على روسيا
في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" تحدث الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله الشناوي عن ثمانية أسباب أدت لعدم نجاح العقوبات الاقتصادية على روسيا هي:
- تفاوت العقوبات، المفروضة من الدول على الاقتصاد الروسي، حيث يوجد بعض الثغرات مثل الإعفاء الذي يسمح بالمعاملات المتعلقة بالطاقة مع البنوك الروسية الخاضعة للعقوبات وهو ما منع حدوث اضطرابات كبيرة في أسواق الطاقة العالمية، مما سمح بكميات كبيرة من رؤوس الأموال في التدفق الى الاقتصاد الروسي.
- الصادرات خارج نطاق السيطرة: حيث كان استخدام ضوابط التصدير لضمان عدم قدرة روسيا على جلب مواد عالية التقنية للحرب يمثل تحدياً خاصاً وقد تم تصميم ضوابط التصدير للحد من قدرة روسيا على الوصول إلى أنواع معينة من المنتجات، مثل الرقائق الدقيقة وفي كثير من الأحيان تكون هذه السلع"ذات استخدام مزدوج"، مما يعني أنه يمكن استخدامها للأغراض المدنية والعسكرية على حد سواء، والدليل على ذلك إعادة تسمية الشحنة في دولة ثالثة.
- عدم اتخاذ الغرب سياسة الحظر الكامل على النفط الروسي خشية تباطؤ الاقتصاد العالمي.
- ضآلة الغرامات التي تفرضها الولايات المتحدة على انتهاكات مراقبة الصادرات.
- تمكن روسيا من اللجوء إلى دول أخرى ليست على وفاق مع الغرب لشراء وبيع ونقل المنتجات بما في ذلك الأسلحة لاستخدامها ضد أوكرانيا.
- قيام الصين (كشريك حاسم) بتوسيع مشترياتها من النفط الروسي بشكل كبير، مستفيدة من التخفيضات التي يقدمها الكرملين، فليست كل دولة تشتري المنتجات الروسية تعتبر خصماً لحلفاء أوكرانيا فقد زادت الهند مشترياتها من النفط الروسي، ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة ليس لديها مصلحة كبيرة في نفور واستفزاز الهند لحاجتها أن تكون شريكاً لها ضد الصين، لذلك أبقت أي مناشدات تتعلق بروسيا عند الحد الأدنى.
- لعبت الصين دوراً متوازناً: فقد حافظت على علاقتها مع روسيا وكذلك مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأوكرانيا، وتماشياً مع هذه السياسة، امتنعت الصين عن إصدار عقوبات اقتصادية خاصة بها ضد موسكو، وملأت روسيا الفراغ الذي خلفه انخفاض التجارة مع الدول التي تفرض العقوبات.
- استغلال روسيا للثغرات التي تسمح لها بشحن النفط الخام إلى دول مثل الصين والهند وتركيا.
وقد اعتمد الاقتصاد الروسي على أربع استراتيجيات تستخدمها الدول لحماية اقتصادها من العقوبات: وهي استبدال او إحلال الواردات، وتعزيز الشراكات الأجنبية، والانتقام من خلال العقوبات المضادة، وتقليل الاعتماد على أي عملة احتياطية واحدة، بحسب الشناوي.
مقومات الاقتصاد الروسي
أما عن مقومات الاقتصاد الروسي وعوامل نجاحه وما اتخذه من إجراءات أحبطت فاعلية العقوبات الغربية فاستعرضها أستاذ الاقتصاد في جامعة الزقازيق الدكتور الشناوي على النحو التالي:
- مرونة الاقتصاد الروسي والتي تمثل نقطة جذب رئيسية، حيث عززت روسيا أسواقها المالية وأسواق الطاقة وتحولت إلى الحلفاء مثل الصين ودول كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق، لذلك ظلت التجارة ممكنة مع أوروبا.
- لاتزال روسيا من أكبر مصدري النفط في العالم
- عزز انخفاض قيمة الروبل بنسبة 20 بالمئة مقابل الدولار الأميركي عوائد الصادرات حيث يتم تحويلها الى الدولار الأميركي بغض النظر عن العملة المستخدمة في الصفقات.
- ارتفاع الأجور الذي أنعش الاستهلاك وتنامي الشعور العام بالاستقرار والثقة.
- إحلال المنتجات الروسية محل المنتجات الغربية كإجراء مضاد للعقوبات.
- واجهت روسيا مشكلة تحديد سقف لأسعار النفط عن طريق استخدام أسطول الظل من الناقلات وشركات التامين غير الغربية وفشل الغرب في فرض عقوبات على ناقلات النفط، وبذلك نجحت روسيا في الالتفاف على السقف الغربي لأسعار نفطها.
- فشل الغرب في استقطاب رجال الأعمال الروس من خلال استحداث آلية لإغراء المنشقين منهم لتغيير مواقفهم مقابل تخفيف العقوبات.
وقد حقق الاقتصاد الروسي تفوقاً في عام 2023 على كل من الولايات المتحدة وأوروبا حيث زاد حجمه بنسبة 3.6 بالمئة مدفوعاً بنمو الأنفاق العسكري، ودعم الصناعات الدفاعية حيث انفقت روسيا 353.8 مليار دولار (32.4 تريليون روبل) بزيادة 31 تريليون روبل عن عام 2022، بحسب تعبيره.
هل كانت العقوبات نافعة؟
ورداً على سؤال فيما إذا كانت العقوبات الاقتصادية على روسيا كانت نافعة أجاب الشناوي: "أدت العقوبات إلى حماية الاقتصاد الروسي من بعض الصدمات الخارجية حيث اتجه نحو آليات وقوى السوق الحرة، وأيضاً دفعت العقوبات الى زيادة الانفاق الحكومي وخاصة العسكري، والكفاءة الأساسية لكبار صناع السياسات الاقتصادية في البلاد، واستعداد الصين والهند لاستيراد كميات هائلة من الهيدروكربونات الروسية، وفي المقابل، إمدادهما بالسلع والتكنولوجيا التي اعتادت الصناعة والمستهلكون الروس على شرائها من الغرب".
وأضاف: "كما أن الاقتصاد الروسي يتمتع باحتياطيات مالية كبيرة، وأكثر تنوعاً، وأكثر انفتاحاً على العالم، ربما تكون روسيا قطعت علاقاتها مع الغرب، لكن علاقاتها التجارية مع الدول الآسيوية أصبحت أقوى، مما يؤكد قدرة الاقتصاد الروسي على المواجهة الاقتصادية".
ولكن الاقتصاد الروسي قد يواجه بالداخل بعض التحديات مثل توقع زيادة درجة السخط الاجتماعي وتقلص رفاهية الشعب الروسي، إذ أن الإصلاحات المؤقتة وانحدار مستويات المعيشة من شأنها أن تزيد من الرياح السياسية والاقتصادية المعاكسة التي تواجه الكرملين، والنتيجة الأكثر ترجيحاً في اقتصاد خاضع للضرورات السياسية، لا توجد حوافز كافية لتحقيق التنمية المستدامة، ولكن نظراً لهوامش الأمان الحالية وطبيعة العقوبات الغربية، فقد يستغرق الأمر سنوات عديدة من روسيا للوصول إلى نهاية قدرتها على التغلب على مثل هذه التحديات، وفقاً للخبير الاقتصادي المصري الشناوي.
قدرة غير متوقعة على التكيف والنمو
من جهته، قال الخبير الاقتصادي حسين القمزي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "أظهر الاقتصاد الروسي قدرة غير متوقعة على التكيف والنمو خلال عام 2023، متفوقاً على العديد من الاقتصادات المتقدمة، هذا النمو يعزى بصورة كبيرة إلى زيادة الإنفاق العسكري، إذ زادت الحكومة الروسية من إنفاقها على الدفاع والتصنيع الحربي بشكل كبير، مما وفر تحفيزاً اقتصادياً كبيراً وهو وضع يُعرف بـ(اقتصاد الحرب).
وبالإضافة إلى زيادة الإنفاق الحكومي العسكري نجحت روسيا في تحويل مُعظم علاقاتها التجارية إلى شركاء آخرين، معززة التعاملات مع دول غير غربية مثل الصين والهند، مما ساعد في تخفيف تأثير القيود الغربية على أسواقها وعلى نظامها المالي، بحسب القمزي الذي أشار إلى أن ارتفاع أسعار النفط خلال السنة الماضية كان له أثر أيضاً، إذ استفادت روسيا من ارتفاع الأسعار العالمية مما سمح لها بتحويل صادراتها النفطية إلى أسواق جديدة ودعم إيرادات الدولة.
نمو لا يخلو من المخاطر
ومع ذلك، لا يخلو هذا النمو من المخاطر، حيث يعبر الاقتصاديون الروس عن قلقهم بشأن استدامة هذا النمو، نظراً لاعتماده بشكل كبير على الإنفاق الحكومي، وخاصة في القطاع العسكري، مما قد يؤدي إلى تحديات اقتصادية طويلة الأمد، بما في ذلك التضخم المرتفع والركود المحتمل في المستقبل، بحسب تعبيره.
وأضاف الخبير الاقتصادي الإماراتي القمزي: "إن العقوبات لم تدمر الاقتصاد الروسي كما كان يُظن البعض، فقد أجبرت هذه العقوبات الاقتصاد على عمليات إعادة توجيه كبيرة واعتماد على سياسات مالية غير مستدامة ذات مخاطر تركزية، لكن الأثر الحقيقي طويل الأمد لهذه التغييرات قد لا يبدو الآن، بل سيظهر على مدار السنوات المقبلة وخاصة إذا ما انتهت حالة الحرب".
ويشرح القمزي في معرض حديثه أن الدول التي تدخل بشكل كبير في "اقتصاد الحرب" تواجه تحديات كبيرة بعد انتهاء الحرب، لأن "اقتصاد الحرب" هو نظام اقتصادي يركز بشكل كبير على الإنفاق العسكري وإنتاج الأسلحة، وغالباً على حساب القطاعات المدنية، وبمجرد انتهاء الحرب، ينخفض الطلب على السلع والخدمات العسكرية بشكل حاد، مما يؤدي إلى ركود اقتصادي فوري حيث يتباطأ تصنيع الدفاع، مما يؤدي إلى تسريح العمال وزيادة البطالة وتقليل مستويات الدخل.
وستحتاج روسيا إلى إعادة هيكلة اقتصادها بعد النزاع، ويتضمن ذلك تحويل الموارد من الاستخدامات العسكرية إلى المدنية، والذي يمكن أن يكون أمراً صعباً إذا كان الاقتصاد مبنياً على الخدمات العسكرية بشكل كبير، طبقاً لما قاله القمزي.