هل تُنعش تقلبات "وول ستريت" الأسهم الصينية؟
14:04 - 12 مارس 2025تبدو أسواق المال وكأنها رقعة شطرنج، تتحرك فيها رؤوس الأموال بين الاقتصادات الكبرى بحثاً عن الاستقرار والفرص. وبينما تتعالى المخاوف من تباطؤ الاقتصاد الأميركي وتتصاعد التوترات التجارية، بدأت الصين تبرز مجدداً كوجهة استثمارية، مدفوعة بانتعاش أسواقها المالية والتقدم التكنولوجي المتسارع.
تجد الأسهم الصينية نفسها في قلب معادلة معقدة، إذ يشكل التراجع في "وول ستريت" فرصة لجذب رؤوس الأموال الباحثة عن بدائل أكثر استقراراً، خاصة مع التحفيزات الحكومية والتقدم في قطاعات مثل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
ومع ذلك، تظل التحديات قائمة؛ فالتداخل العميق بين الاقتصادين الأميركي والصيني يجعل الأسواق الصينية عرضة لارتدادات سلبية مع كل اضطراب في الأسواق الأميركية، مما يزيد من الضغوط على بكين لمواصلة دعم اقتصادها وتعزيز ثقة المستثمرين في قدرتها على الحفاظ على زخم النمو.
في هذا السياق، يشير تقرير لـ "بيزنس إنسايدر" إلى أن:
- انخفاض سوق الأسهم الأميركية بسبب المخاوف بشأن الركود المحتمل، يدفع بعض المستثمرين إلى التفكير في الصين مرة أخرى.
- يأتي هذا التغيير في النغمة والاتجاه على خلفية ارتفاع أسواق الأسهم الصينية.
- ارتفع مؤشر MSCI الصيني بنسبة 20 بالمئة حتى الآن هذا العام، مسجلاً أفضل بداية لهذا العام في تاريخ الأسهم الصينية.
- وتأتي المكاسب القوية بعد عدة سنوات من الأداء الضعيف.
وفي هذا السياق، كتب محللو غولدمان ساكس، في مذكرة صدرت يوم الأحد الماضي، أن صناديق الاستثمار العالمية - التي عادةً ما تكون مستثمرة طويلة الأجل فقط - قد "تجدد اهتمامها بالأسهم الصينية وتدعمها".
وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، فضّل هؤلاء المستثمرون عدم التأثر بارتفاعات الأسعار وخفض استثماراتهم.
وكتبوا أيضاً أن المستثمرين يفكرون في الأسهم الصينية بسبب الاختراقات التكنولوجية التي حققتها الصين وانخفاض حالة عدم اليقين التنظيمي.
كما كرر غولدمان ساكس موقفه بأن ارتفاع السوق الصينية الحالي يختلف عن الارتفاع قصير الأمد في سبتمبر للأسهم الصينية والذي كان مدفوعًا بحزمة تحفيزية قوية من بكين.
وأفاد المحللون بأن التحول السياسي في سبتمبر قلل من مخاطر الهبوط للأسهم، لكن التطورات الأخيرة في مجال التكنولوجيا في الصين تغير قواعد اللعبة .
ويعود الفضل في ارتفاع أسهم التكنولوجيا الصينية إلى الارتفاع الأخير لشركة DeepSeek، وهي شركة ناشئة صينية أطلقت نموذج ذكاء اصطناعي تنافسي من حيث التكلفة.
رسائل "وول ستريت"
يقول مستشار المركز العربي للدراسات، أبو بكر الديب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- تصاعد التوترات الاقتصادية والحروب التجارية يدفع المستثمرين إلى البحث عن الملاذات الآمنة مثل السندات والذهب.
- الأسواق المالية شهدت في بداية الأسبوع الجاري تراجعاً ملحوظاً، نتيجة تنامي المخاوف حول قوة الاقتصاد الأميركي، مما أثّر على شهية المستثمرين للمخاطرة.
- احتمالات تباطؤ الاقتصاد الأميركي تزايدت بشكل كبير مؤخراً، بفعل الحرب التجارية التي ينتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى جانب ارتفاع معدلات البطالة جراء عمليات تسريح العمالة في بعض القطاعات الحكومية.
- "وول ستريت" دفعت ثمنًا باهظاً للسياسات المتقلبة التي ينتهجها ترامب، حيث تعرضت الأسهم الأميركية، خصوصاً شركات التكنولوجيا الكبرى، لموجة بيع مكثفة وسط تصاعد المخاوف بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي.
ويلفت إلى أن تصريحات ترامب الأخيرة حول احتمالية حدوث تباطؤ اقتصادي، واصفاً المرحلة الراهنة بأنها "فترة انتقالية"، زادت من قلق الأسواق.
وفي المقابل، يشير الديب إلى أن الأسهم الصينية أنهت أولى جلسات الأسبوع على ارتفاع، مدفوعة بإقبال المستثمرين على القطاع التكنولوجي، عقب اجتماع الرئيس الصيني شي جين بينغ مع عدد من قادة الشركات الخاصة، مما عزز التفاؤل بشأن مستقبل الاقتصاد الصيني.
ويشير إلى أن بعض المؤسسات المالية العالمية رفعت توقعاتها للأسهم الصينية المدرجة في الأسواق العالمية، مستفيدة من انتعاش الاقتصاد وارتفاع ثقة المستثمرين (..) بعد أن حدد المسؤولون الصينيون هدفًا طموحًا للنمو بنحو 5 بالمئة في تقرير العمل الحكومي الأخير.
تنويع الاستثمارات
ويشير تقرير لـ scmp الصينية، إلى أن:
- تنويع الاستثمارات بعيداً عن الأسهم الأميركية أصبح واضحاً في الأسابيع التي تلت سياسات الرئيس دونالد ترامب الجمركية ضد شركاء الولايات المتحدة التجاريين، والتي زادت من خطر تباطؤ الاقتصاد.
- بدلًا من ذلك، يتجه المستثمرون إلى أسهم الصين وأوروبا، التي كانت ضعيفة الأداء وسط موجة شراء محمومة لأسهم التكنولوجيا الأميركية منذ أوائل عام 2023.
ونقل التقرير عن الرئيس التنفيذي لمكتب رؤساء الاستثمار العالمي، غاري دوغان، قوله: "إن العامل الرئيسي وراء هذا الأداء المتفوق هو تحسن العوامل الأساسية النسبية للأسواق خارج الولايات المتحدة"، مشيراً إلى أنه:
- "في الصين، تتمتع الحكومة بميزة تكنولوجية وتكلفة أقل من العديد من منافسيها في قطاعات النمو الرئيسية"
- "نتوقع استمرار الأداء المتفوق لأسواق الأسهم الأوروبية والآسيوية مؤخراً مقارنةً بالولايات المتحدة".
- إن فترة الأداء المتفوق بدأت للتو في عكس مسار سنوات من الأداء الضعيف.
تحولات صينية
بدوره، يقول خبير العلاقات الاقتصادية الدولية، محمد الخفاجي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- الأسواق الصينية ستشهد تحولات كبيرة وسط تقلبات الأسواق الأميركية.
- يدفع عدم الاستقرار في وول ستريت المستثمرين إلى إعادة تقييم خياراتهم الاستثمارية.
- المخاوف بشأن الأسواق الأميركية قد تعزز من عودة رؤوس الأموال إلى الأسواق الصينية، خاصة في ظل استمرار الاضطرابات الاقتصادية في الولايات المتحدة.
ويضيف: الحكومة الصينية اتخذت خطوات تحفيزية لدعم الاقتصاد، مما يؤدي إلى تحسن توقعات النمو. ونتيجة لذلك، قد تشهد الأسهم الصينية انتعاشاً تاريخياً، مستفيدة من التباطؤ الأميركي والتحول في الاستثمارات العالمية نحو الأسواق ذات النمو المحتمل.
تعديل المسار
في السياق، يشير تقرير لـ "بلومبيرغ" إلى أن الأسهم الصينية شهدت عديداً من التقلبات خلال السنوات القليلة الماضية، حيث لم تستمر الانتعاشات التي غذتها الحوافز إلا لبضعة أشهر فقط، في ظل غياب المشاركة القوية من رأس المال الأجنبي. وقد حالت المخاوف بشأن الضغوط الانكماشية المستمرة وعدم اليقين الجيوسياسي دون تحقيقها حتى عندما كانت التقييمات مغرية.
ونقل التقرير عن كبير مسؤولي الاستثمار في شركة يو أو بي كاي هيان لإدارة الثروات، تشي وانغ: "يواصل المستثمرون المؤسسيون العالميون تجنب الصين، لا سيما في ظل تهديدات ترامب"، مضيفاً:"إنهم ينتظرون المزيد من الأرقام التي تُظهر تحسن الاقتصاد الصيني بالفعل".
ووفق التقرير، فقد يشجع الضعف الأخير في سوق الأسهم الأميركية، الناجم عن مخاوف الركود ، رؤوس الأموال العالمية على العودة إلى الأصول الصينية التي لطالما نبذها المستثمرون. كما أن توجه بكين نحو التركيز على الاستهلاك المحلي قد يكون عامل جذب.
مع ذلك، قال استراتيجيو غولدمان ساكس إن تعرض المستثمرين الأجانب للصين لا يزال عند أدنى مستوياته التاريخية. وأظهرت بيانات الشركة أن إجمالي استثماراتهم في الصين بلغ 5.9 بالمئة بنهاية يناير، مقارنةً بذروة تجاوزت 14 بالمئة في عام 2020.
كان الدعم الرئيسي للارتفاع الذي يحركه الذكاء الاصطناعي في الأسواق الصينية هو الشراء القوي من المستثمرين في البر الرئيسي الصيني، ولكن هذا قد يكون متقلبًا مع استمرار التحديات الكلية.
ووفق كبيرة استراتيجيي الاقتصاد الكلي في الأسواق الناشئة بمعهد أموندي للاستثمار، كلير هوانغ، فإنه "بدون تحول جذري في السياسات يُحدث تحولاً حاسماً في الاقتصاد، قد تكون قدرة هذا الارتفاع على تجاوز قطاع التكنولوجيا موضع شك".
فرص وتحديات
على الجانب الآخر، يعتقد الخبير الاقتصادي المتخصص في الشؤون الصينية، جعفر الحسيناوي، بأن:
- حالة التذبذب وعدم الاستقرار التي تشهدها سوق الأسهم الأميركية تلقي بظلالها على الأسواق الصينية.
- في المجمل، تتسبب تلك الحالة في تقلبات واضحة أثارت حالة من التخوف بين المستثمرين.
ويفسر ذلك بقوله: التغيرات التي تطرأ على أسعار الأسهم في الأسواق الأميركية لها تأثير مباشر على الأسواق الصينية، مما يعكس الترابط العميق بين الاقتصادين الأميركي والصيني، ومدى تأثر الأسواق العالمية بحالة عدم الاستقرار الاقتصادي.
ومن ثم، فإن الأسواق الصينية أمام فرص وتحديات متشابكة؛ فمن جهة، قد تستفيد بعض القطاعات من تدفق الاستثمارات الباحثة عن بدائل أكثر استقراراً، ما يعزز نشاط الشركات المحلية ويدعم النمو في بعض المجالات. ومن جهة أخرى، تظل التحديات قائمة بسبب الارتباط الوثيق بالاقتصاد الأميركي، مما يجعل الأسواق الصينية عرضة لارتدادات سلبية مع كل اضطراب في وول ستريت، خاصة في ظل غياب رؤية واضحة حول مسار السياسات النقدية والاقتصادية العالمية.
وبالتالي، تجد الأسواق الصينية نفسها في معادلة معقدة بين محاولة جذب رؤوس الأموال المترددة والتعامل مع الضغوط الخارجية المتزايدة.