هل يعزز ابتعاد ترامب عن أوروبا موقف الصين؟
13:29 - 04 مارس 2025
بعد مرور أكثر من شهر على بدء الولاية الثانية لدونالد ترامب، انقلبت السياسة الخارجية الأميركية رأساً على عقب، وخاصة في أوروبا، فقد استهدفت الولايات المتحدة الدول المجاورة برسوم جمركية، وانتقدت حلفائها التقليديين في أوروبا، واتخذت موقفا مؤيدا لروسيا تجاه أوكرانيا، في تغيير جذري عن موقف الإدارة السابقة.
في هذا السياق، يشير تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية، إلى تعليق المستثمر المخضرم ديفيد روش، بخصوص أن التحالف عبر الأطلسي بين أوروبا والولايات المتحدة قد انتهى. وقوله إن "إدارة ترامب ليست مهتمة بالتحالفات، بل بالصفقات فقط".
والسؤال الآن هو: ما الذي يحمله هذا الأمر بالنسبة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، وخاصة حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة؟
في تعليق له بتاريخ 24 فبراير، كتب الزميل السابق في كلية إس. راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة، آدم جارفينكل، إن "النخب الآسيوية الصديقة للولايات المتحدة لا ينبغي أن تفترض أن الأصول الأميركية سوف تتدفق من تقليص حجمها في أوروبا إليها في آسيا".
وأفاد بان الحلفاء الآسيويين يجب أن يدركوا أن تراجع الوجود العسكري الأميركي على مستوى العالم قد يجعل لوجستيات التعهدات الأمنية الأميركية في آسيا أكثر صعوبة، وأكثر تكلفة في الإدارة، وأقل مصداقية.
ويشير التقرير إلى أنه لدى الولايات المتحدة معاهدات أمنية مع ست دول في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ولديها قواعد عسكرية في الفلبين وكوريا الجنوبية واليابان. ورغم أن سنغافورة ليست حليفة للولايات المتحدة، إلا أنها تربطها علاقات دفاعية طويلة الأمد مع الجيش الأميركي.
وقال جارفينكل أيضا إن الدول الآسيوية التي تستضيف القواعد الأميركية قد لا ترتفع في الأهمية أو التقدير، بل قد تواجه مطالب بـ "مدفوعات تعويضية" أكبر.
ومن بين المجالات التي تحظى بالاهتمام العلاقات عبر المضيق بين تايوان والصين. فمنذ العام 2016، صعدت الصين من خطابها بشأن الجزيرة، فأجرت تدريبات عسكرية متعددة وتعهدت "بإعادة التوحد مع تايوان".
بحسب روش، فإن التحول المفاجئ في موقف إدارة ترامب بشأن أوكرانيا يزيد بشكل كبير من خطر قيام الصين بعمل عسكري ضد تايوان، مضيفاً: "يجب الآن إقناع الصينيين بأنه إذا قاموا، على سبيل المثال، بحصار ناقلات الطاقة المتجهة إلى تايوان، فإن الولايات المتحدة لن تخوض حرباً من أجل هذا".
تراجع الدعم الأميركي للحلفاء
من جانبه، يقول أستاذ العلاقات الدولية، الدكتور محمد عطيف، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إنه:
- في ظل التراجع الملحوظ في الدعم الأميركي لأوكرانيا، تزداد المخاوف من انعكاسات هذا التطور على التوازنات الجيوسياسية، لا سيما في منطقة المحيط الهادئ.
- الملاحظ، أن الطريقة التي تدير بها واشنطن هذا الملف لا تؤثر فقط على كييف، بل تحمل أيضاً رسائل مهمة إلى القوى العالمية الأخرى، وعلى رأسها الصين، التي تراقب الوضع عن كثب وقد تستخلص منه دروسا تؤثر على موقفها تجاه تايوان.
- من خلال السلوك الخارجي الأميركي في ظل قيادة ترامب هناك رسائل متضاربة.. أي تراجع في الالتزام الأميركي تجاه أوكرانيا قد يفسر في بكين على أنه مؤشر على ضعف الإرادة الاستراتيجية لواشنطن أو ترددها في دعم حلفائها على المدى الطويل.
- بكين تبحث عن فرصة ضبط التوازن الدولي، التي قد تشجعها على تبني خطوات أكثر جرأة تجاه تايوان، سواء عبر تكثيف الضغوط العسكرية والاقتصادية أو حتى التفكير في سيناريوهات أكثر تصعيداً.
- الصين تدرك أن واشنطن منخرطة في عدة ملفات دولية معقدة، وإذا ما لاحظت أن الولايات المتحدة الأميركية مشتتة أو أن هناك تراجعا في التزاماتها الأمنية، فقد ترى أن الفرصة سانحة لاختبار حدود الرد الأميركي في مضيق تايوان.
ويضيف: "ليس هذا فقط، ربما قد نلاحظ تغيرات في خريطة التحالفات الأميركية التقليدية، والتي ستكون لها تداعيات ليس فقط على الصين وتايوان، بل تمتد إلى الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة مثل اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وأستراليا".
ويستطرد عطيف: "على النحو التالي، إذا بدأ الشركاء الآسيويون يفقدون الثقة في الالتزام الأميركي، فقد تتغير حساباتهم الاستراتيجية، مما قد يؤدي إلى إعادة النظر في ترتيباتهم الدفاعية وحتى إلى تحركات أكثر استقلالية في المجال الأمني. وهذا قد يضعف منظومة التحالفات التي بنتها الولايات المتحدة في آسيا على مدار عقود".
أوروبا والصين
وفي السياق، ذكر تقرير لمعهد تشاتام هاوس، أنه في حين يترنح الأوروبيون بسبب أحداث الأسابيع الأخيرة التي يبدو أنها تعني نهاية التحالف عبر الأطلسي كما هو بشكله الراهن، ترى الصين فرصة سانحة، مشيراً إلى أن وزير الخارجية الصيني وانغ يي عندما صعد إلى المنصة في مؤتمر ميونيخ للأمن لم يكتف بالدعوة إلى "التعاون الوثيق" مع أوروبا، بل إنه دعا أيضاً إلى "التعاون الوثيق" مع الصين.
كذلك لم يكتف الرئيس شي جين بينغ بدعوة أوروبا إلى المشاركة في المفاوضات من أجل السلام في أوكرانيا، لكنه اقترح أيضا إعادة التفكير على نطاق أوسع في العلاقات الصينية الأوروبية.
ورغم أن وانغ يي أيد المفاوضات الثنائية بين روسيا والولايات المتحدة بعد أيام قليلة، فقد أعرب بعض الزعماء الأوروبيين، مثل وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، عن استعدادهم لقبول العرض الذي قدمته بكين. ووفق تقرير المعهد، فإن إعادة ضبط العلاقة مع بكين قد تقدم بالفعل بعض الفرص ــ ليس أقلها القدرة على التحوط بين الصين والولايات المتحدة ــ ولكنها تنطوي أيضاً على مخاطر كبيرة.
فرص الصين
في سياق متصل، يؤكد مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبو بكر الديب، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن:
- سياسات دونالد ترامب، رغم استهدافها المعلن لتحجيم الصين اقتصاديًا، قد تؤدي في الواقع إلى تقوية موقفها على المدى البعيد.
- فرض الرسوم التجارية على الصين قد يدفعها إلى تعزيز سوقها الاستهلاكية المحلية؛ لتعويض أي خسائر في الصادرات إلى الولايات المتحدة.
- كذلك سياسات ترامب تجاه أوروبا، مثل الضغط على أوكرانيا وتقليل الدعم للاتحاد الأوروبي، قد تدفع الأوروبيين إلى التعاون مع الصين تجارياً وربما سياسياً.
- انسحاب الولايات المتحدة من المساعدات الإنسانية والتنموية، خاصة في إفريقيا وآسيا، سيفتح الباب أمام الصين لتوسيع نفوذها الاقتصادي والاستثماري.
ويقول إنه من المحتمل أن تزيد دول مثل كندا والمكسيك من تعاملاتها التجارية مع الصين رداً على السياسات التجارية الأميركية، مشيراً إلى أن هذه السياسات قد تصب في مصلحة الصين على المدى الطويل، حيث ستتمكن من تعزيز نفوذها عالميًا، سواء عبر التجارة أو من خلال القوة الناعمة والمساعدات التنموية.