أوروبا أمام تهديدات ترامب.. هل انتهت الشراكة مع واشنطن؟
13:53 - 19 فبراير 2025
منذ وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها التقليديين في أوروبا تحولات غير مسبوقة، فالتهديدات التجارية والضغوط العسكرية والاقتصادية التي مارسها ترامب على قادة أوروبا كشفت عن التصدع في الشراكة الأوروبية الأميركية، فهل انتهت هذه الشراكة؟ وهل باتت أوروبا في مواجهة تهديدات ترامب على أربع جبهات رئيسية؟
1. الجبهة التجارية.. تصاعد التوترات التجارية مع أوروبا
في بداية عهده، أثار ترامب غضب حلفائه الأوروبيين من خلال فرض رسوم جمركية بنسبة 25 بالمئة على واردات الألمنيوم والصلب، إلى جانب تهديداته بفرض رسوم على معظم السلع والمنتجات القادمة من أوروبا.
تقديرات الخسائر المحتملة للقارة الأوروبية جراء هذه الرسوم تراوحت بين 200 و350 مليار دولار، ما أثر بشكل كبير على العلاقات الاقتصادية بين الجانبين.
لكن، بحسب محمد علي ياسين، المؤسس والرئيس التنفيذي في "شركة أوراكل للاستشارات والاستثمارات المالية"، فإن ترامب لا يتبع سياسات هجوم فحسب، بل يعتمد على "التهديد" كأداة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.
ياسين أكد في حديثه لبرنامج "بزنس مع لبنى" على قناة سكاي نيوز عربية، أن ترامب لا يلتزم دائمًا بتنفيذ قراراته الحادة، بل يوقفها في لحظة معينة استجابةً للتفاهمات أو التنازلات التي يحصل عليها من الدول المتأثرة. هذه الاستراتيجية تساهم في خلق نوع من "البلبلة" في العلاقات الدولية، التي قد تكون جزءًا من خطة ترامب لتقوية موقفه الداخلي في مواجهة القضايا الاقتصادية والسياسية داخل الولايات المتحدة.
2. الجبهة العسكرية.. ملف الإنفاق الدفاعي في أوروبا
أحد الملفات المهمة التي تسببت في توتر العلاقات بين ترامب وأوروبا هو ملف الإنفاق العسكري. ففي حين تنفق أوروبا حوالي 380 مليار دولار سنويًا على الدفاع، فإن الولايات المتحدة تنفق 968 مليار دولار.
على الرغم من أن أوروبا تتشارك في عضوية حلف الناتو، إلا أن ترامب كان قد طالبها بزيادة إنفاقها العسكري بشكل كبير ليصل إلى 900 مليار دولار، مهددًا بعواقب إذا لم تلتزم هذه الدول بما وصفه "بالتزاماتها العسكرية".
هذه الضغوط المالية والعسكرية كشفت عن تباين في الأهداف بين الولايات المتحدة وأوروبا، فبينما ترى الولايات المتحدة أن دعم الحلفاء الأوروبيين عبر الإنفاق العسكري هو مسؤولية أوروبا، ترى القارة العجوز أن هذه السياسات تضعها في موقف الدفاع بدلاً من التعاون المتكافئ.
3. الجبهة السياسية.. المفاوضات حول حرب أوكرانيا
على الجبهة السياسية، اتخذ ترامب خطوة مثيرة للجدل عندما بدأ مفاوضات مباشرة مع روسيا حول الصراع في أوكرانيا، متجاهلاً المواقف الأوروبية. هذه الخطوة كانت بمثابة صدمة للعواصم الأوروبية التي لطالما اعتبرت روسيا تهديدًا استراتيجيًا. وقد أضاف ترامب إلى ذلك ضغوطا متواصلة على حلفائه في أوروبا لزيادة مساعداتهم العسكرية لأوكرانيا، وهو ما يراه ياسين محاولة لتركيز القوة العسكرية في يد الولايات المتحدة بشكل أكبر.
4. الجبهة الاقتصادية: "أميركا أولًا" مقابل العولمة
من ناحية أخرى، تتأثر الشراكة الاقتصادية بين أميركا وأوروبا بسياسات ترامب الاقتصادية التي تهدف إلى تعزيز المصالح الأميركية عبر "سياسة أميركا أولًا".
ترامب اعتبر أن العلاقة التجارية مع أوروبا "خاسرة"، مشيرًا إلى العجز التجاري الأميركي مع أوروبا الذي يتجاوز 235 مليار دولار. كما طالب بزيادة التبادل التجاري لصالح الولايات المتحدة، في وقت تسعى فيه أوروبا إلى الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي.
محمد علي ياسين، المؤسس والرئيس التنفيذي في "شركة أوراكل للاستشارات والاستثمارات المالية"، أشار إلى أن هذه السياسة قد تساهم في إبطاء نمو الاقتصاد الأميركي على المدى الطويل، حيث تؤدي هذه الرسوم إلى زيادة تكاليف المعيشة للمواطن الأميركي، بما في ذلك على منتجات يتم استيرادها من الصين أو أوروبا.
أما على المستوى العالمي، فقد أصبح ترامب أكثر انعزالًا عن النظام التجاري العالمي القائم على العولمة.
في حين كانت الشركات الأوروبية والصينية تبني علاقات تجارية مع دول أخرى بعيدة عن الولايات المتحدة، فإن أوروبا بدأت تشهد تحولًا نحو تصنيع داخلي يعتمد على الموارد المحلية وزيادة التنافسية. ياسين أضاف أن هذا التوجه قد يكون له تأثير إيجابي على الشركات الأوروبية على المدى البعيد، خاصة في ظل التوجهات العالمية نحو تقليص الاعتماد على الأسواق الأميركية.
التوقعات المستقبلية والتحديات القادمة
في ظل هذه التوترات، يرى ياسين أن أوروبا قد تتجه نحو زيادة التصنيع الداخلي وتعزيز الاستقلالية الاقتصادية، مما يمكن أن يضعف من التأثير الأميركي في المستقبل.
"إذا استمرت أوروبا في تعزيز قدرتها على تصنيع الأسلحة والمنتجات الأساسية، قد تصبح أكثر تنافسية في السوق العالمي"، بحسب ياسين.
ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر هو قدرة أوروبا على توحيد موقفها الاقتصادي والعسكري لمواجهة السياسات الأميركية المستقبلية.
كما أشار ياسين إلى أنه في حال استمر التوتر الاقتصادي بين الولايات المتحدة وأوروبا، فقد تشهد الساحة العالمية تحولًا في خريطة التجارة العالمية، حيث يصبح كل طرف أكثر اعتمادًا على ذاته مع تعزيز قدراته الإنتاجية.
على الرغم من التهديدات التي أطلقها ترامب في إطار سياسته الخارجية، من فرض رسوم جمركية إلى الضغط العسكري، فإن السياسة الأميركية تحت قيادته لا تزال تثير الكثير من التساؤلات بشأن استدامتها على المدى البعيد.
في المقابل، أوروبا التي لطالما كانت الحليف الأقرب للولايات المتحدة، قد تجد نفسها مضطرة لتقوية اقتصاداتها العسكرية والمالية من أجل مواجهة تحديات جديدة، وهو ما قد يعيد تعريف العلاقة بين القارتين في المستقبل القريب.