كيف تحولت فاكهة "الرائحة الكريهة" إلى كنز اقتصادي لدول آسيا؟
15:50 - 31 يناير 2025بينما تعج الأسواق العالمية بمئات المنتجات الغذائية والفواكه المميزة، تبرز "فاكهة الدوريان" كحالة استثنائية تثير الدهشة في عالم الاقتصاد.
فهذه الفاكهة المعروفة برائحتها القوية والمثيرة للجدل، تحولت إلى محور تجارة ضخمة، مدعومة بهوس استهلاكي غير مسبوق في الصين، مما رفع الطلب العالمي على "الدوريان" إلى مستويات قياسية خلال السنوات الخمس الماضية، وأشعل سباقاً بين دول جنوب شرق آسيا لتلبية هذا الطلب، طمعاً بالحصول على حصة من الأرباح التي تدرها هذه الفاكهة ذات الرائحة الكريهة.
وفاكهة "الدوريان" التي تحمل وصف "ملكة الفواكه" في مناطق جنوب شرق آسيا، تنمو على أشجار شاهقة، ضمن الغابات الاستوائية في ماليزيا، وإندونيسيا، وبروناي، والفلبين، وتايلاند، وهي تأتي بشكل دائري تغطيها الأشواك وبرائحة وطعم لاذع.
وتُظهر بيانات بنك HSBC أن الطفرة في الطلب الصيني على فاكهة "دوريان"، بدأت في وقت مبكر من عام 2017، ليرتفع الطلب بشكل قياسي في أواخر عام 2022، ويصل إلى نسبة تفوق الـ 400 في المئة خلال عام 2023، حيث يرى المستهلكون الصينيون في "الدوريان" أكثر من مجرد فاكهة، بل رمزاً يعكس مستوى الرفاهية والقدرة المالية.
هوس صيني
وبحسب تقرير أعدته مجلة "فورتش" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فإن المستهلكين الصينيين لا يشبعون من "الدوريان"، التي يخفي مظهرها الخارجي الشائك رائحة كريهة، تدفع السلطات في بعض دول جنوب شرق آسيا إلى حظرها في وسائل النقل العام والفنادق والمطارات.
ويصل هوس الصينيون بـ "الدوريان" إلى ما هو أبعد من تناولها كفاكهة، حيث بدأت منافذ البيع في البلاد في تقديم العديد من المنتجات الغذائية مثل البيتزا والبرغر والدجاج بنكهة "الدوريان"، وأصبحت البيتزا الأكثر شعبية لدى بيتزا هت في الصين "بيتزا دوريان بالجبن"، كما قال الرئيس التنفيذي لشركة Yum China جوي وات للحضور، في منتدى فورتشن العالمي في نيويورك في نوفمبر الماضي.
كنز اقتصادي لدول آسيا
ووفقاً للأمم المتحدة، تذهب جميع صادرات "الدوريان" في العالم تقريباً إلى الصين، حيث تُظهر بيانات الجمارك الصينية، أن البلاد استوردت 1.56 مليار كيلوغرام من الدوريان في العام 2024، بزيادة نسبتها 9.4 في المئة مقارنة بعام 2023، لتبلغ قيمة كل تلك الفاكهة المستوردة أقل بقليل من 7 مليارات دولار، بزيادة نسبتها 4.1 في المئة مقارنة بعام 2023، حيث أن الإقبال المرتفع من المستهلكين الصينيين جعل من "الدوريان" تجارة مربحة للمزارعين في دول جنوب شرق آسيا مثل تايلاند، فيتنام، الفلبين، وماليزيا.
وكانت تايلاند لسنوات الدولة الوحيدة المسموح لها بتصدير "الدوريان" الطازج إلى الصين، ولكن في عام 2022، فتحت بكين السوق أمام المزارعين الفيتناميين بعد أن وافقوا على الامتثال للوائح الصينية، وفي عام 2023 تم السماح لمزارعي الدوريان الفلبينيين بالوصول إلى السوق الصينية، وفي يونيو 2024 وافقت بكين على السماح بدخول الدوريان الطازج من ماليزيا.
وفي عام 2024، استحوذت تايلاند على نحو 52 في المئة من إجمالي صادرات الدوريان الطازج إلى الصين، بينما بلغت حصة فيتنام 47.2 في المئة، وفقاً لبيانات الجمارك الصينية. أما النسبة المتبقية، فقد توزعت بين الفلبين وماليزيا، في حين لم تتمكن إندونيسيا من دخول السوق الصينية بسبب عدم التزامها باللوائح المطلوبة.
سبب الإقبال الصيني
وتقول المحللة الاقتصادية والكاتبة رنى سعرتي، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه لطالما ارتبطت "فاكهة الدوريان" بسمعتها المثيرة للجدل، فرائحتها القوية تجعل البعض يهرب منها، ولكن في المقابل هناك أشخاص يحبونها، مشيرةً إلى أن "الدوريان" بالنسبة للصينيين ليست مجرد فاكهة تُزين الموائد، بل هي رمز للمكانة الاجتماعية والرفاهية، بسبب أسعارها الباهظة، حيث أن سعر الكيلوغرام الواحد منها يصل إلى 10 دولارات، إضافة إلى ذلك، يعتقد الصينيون أن "الدوريان" يحمل فوائد صحية متعددة، فهو بنظرهم يعزز الطاقة وهذا ما دفع تجار الأغذية هناك إلى الاستفادة من هذا التوجّه عبر جعل "الدوريان" جزءاً من نمط حياة المستهلكين اليومية.
فاكهة تُحرك الاقتصاد
وترى سعرتي أن الطلب الصيني المتزايد على فاكهة الدوريان، يشكل فرصة ذهبية لدول جنوب شرق آسيا التي تُعد المصدر الرئيسي لهذه الفاكهة، فالسوق الصينية، التي تُعتبر من الأكبر في العالم، شهدت في السنوات الأخيرة طفرة غير مسبوقة في استهلاك "الدوريان"، وهذه الزيادة في الطلب دفعت دولاً مثل تايلاند وفيتنام والفلبين إلى توسيع إنتاجها وإبرام صفقات تصدير ضخمة لتلبية شهية المستهلكين الصينيين، ومع وصول قيمة صادرات "الدوريان" إلى 7 مليارات دولارات سنوياً، باتت هذه التجارة محركاً اقتصادياً رئيسياً، يعزز العلاقات التجارية بين الصين والدول المنتجة لهذه الفاكهة.
لماذا لا يزرع الصينيون الدوريان؟
وبحسب سعرتي فإن البعض يتساءل عن سبب عدم قيام المزارعين الصينيين، بزراعة "الدوريان" للاستفادة من الأموال الطائلة التي يتم إنفاقها على شراء هذه الفاكهة، ولكن الحقيقة هي أن الصين حاولت زراعة "الدوريان"، في مناطق مثل جزيرة هاينان الاستوائية، إلا أنها لم تنجح بذلك نظراً لعدة أسباب بيئية وتقنية، فـ "الدوريان" فاكهة صعبة المراس، وتحتاج إلى درجة حرارة مناسبة، وظروف تربة خاصة للنمو بشكل صحيح، وهو ما تفتقر إليه الصين، كما أن فاكهة "الدوريان" تحتاج ما بين 5 إلى 7 سنوات كي تبدأ الإنتاج، ولذلك فإن المزارعين في الصين، يفضلون الاستثمار في مزروعات ذات عائد أسرع وأكثر استقراراً.
فاكهة غير مرحب بها عالمياً
من جهته يقول المهندس الزراعي أحمد القاسم، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه رغم الشعبية الهائلة التي تتمتع بها "الدوريان" في الصين وبعض دول جنوب شرق آسيا، إلا أن هذه الفاكهة تواجه تحديات كبيرة في اقتحام باقي أسواق العالم، فرائحتها النفاذة التي توصف أحياناً بـ"الكريهة" تجعلها غير مرحب بها في كثير من الأماكن، إضافة إلى ذلك، فإن مذاقها الفريد والقوي لا يلقى استحساناً واسعاً خارج الثقافات التي اعتادت عليها، مما يجعلها رمزاً للإثارة والانقسام، وغير مقبولة في الكثير من الأسواق الدولية.
ويكشف القاسم أنه حتى الساعة تعتبر إندونيسيا من الدول التي لم تتمكن من الاستفادة من السوق الصينية الضخمة لتصدير فاكهة الدوريان، وذلك بسبب مواجهتها لتحديات متعددة تحول دون دخول منتجاتها إلى الصين، أبرز هذه التحديات تشمل المعايير الصحية الصارمة التي تفرضها الصين على المنتجات الزراعية، والتي غالباً ما يعجز الدوريان الإندونيسي عن تلبيتها، لافتاً إلى أن إندونيسيا تفتقر إلى شهادات دولية مثل الممارسات الزراعية الجيدة (GAP)، التي تُعد مطلباً أساسياً لتصدير الفاكهة، كما أن غياب الاتفاقيات التجارية الميسرة مع الصين، على عكس دول مثل تايلاند وماليزيا التي تمتلك علاقات تجارية قوية، يجعل من الصعب على إندونيسيا منافسة جيرانها في هذه السوق المزدهرة.