ما الذي ينتظر بوينغ في 2025؟
09:49 - 07 يناير 2025دخلت شركة بوينغ العام 2025 وسط تحديات كبيرة تفرض عليها إعادة هيكلة شاملة على مختلف الأصعدة. فبعد سلسلة من الأزمات التي أثرت بشكل كبير على سمعتها وأرباحها، من الحوادث المميتة إلى الإضرابات العمالية والعيوب في الإنتاج، تتجه بوينغ الآن نحو استراتيجية جديدة تركز على استقرار الإنتاج وتحسين الجودة.
تحت قيادة الرئيس التنفيذي الجديد، الذي تسلم منصبه في أغسطس 2024، سيكون العام الحالي محورياً بالنسبة للشركة في سعيها لاستعادة الثقة في أسواق الطيران العالمية.
يشير تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية، اطلع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عليه، إلى أن الشركة:
- تستعد لمواجهة تحديات جديدة في عام يعكس جهودها لإعادة البناء، وذلك بعد عام مضى شهد تسليط الضوء عليها مجدداً بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة والجودة.
- قبل عام، تعرضت الشركة لانتقادات حادة عقب حادثة وقعت لطائرة بوينغ 737 ماكس 9 تابعة لشركة ألاسكا إيرلاينز. وهي الحادثة التي تضمنت انفجار لوح في هيكل الطائرة، كان يغطي مخرج طوارئ غير مستخدم، أثناء تحليق الطائرة في الجو. ورغم أن الحادثة أثارت ذعر الركاب، إلا أنها انتهت بهبوط اضطراري آمن في مدينة بورتلاند بولاية أوريغون، دون تسجيل إصابات خطيرة.
- وكشف تقرير أولي صادر عن المجلس الوطني لسلامة النقل أن المسامير الأساسية لم تُثبت في مكانها قبل خروج الطائرة من مصنع بوينغ بمدينة رينتون بواشنطن.
- الحادثة ألقت بظلالها مرة أخرى على سمعة الشركة، التي تُعد واحدة من أكبر المصدرين في الولايات المتحدة.
- وخلال الاثني عشر شهرًا الماضية، تراجع سعر سهم بوينغ بأكثر من 30 بالمئة، في حين ارتفع مؤشر S&P 500 بنحو 27 بالمئة.
تغييرات كبيرة لتجاوز التحديات
وعلى مدار الشهور الماضية، عمل قادة شركة بوينغ على إحداث تغييرات جذرية في مختلف جوانب الشركة، شملت استبدال العديد من كبار المسؤولين التنفيذيين، بما في ذلك تعيين رئيس تنفيذي جديد، إلى جانب تعزيز برامج التدريب لمئات من عمال المصانع، والعديد منهم حديثو التعيين.
في تقرير نشرته الشركة يوم الجمعة الماضي، استعرضت تقدمها خلال العام 2024، حيث بدأت في تنفيذ عمليات تدقيق عشوائية للجودة في مصانعها. وقالت بوينغ إنها قد خفضت بشكل كبير العيوب في هياكل طائرات 737 التي تصنعها شركة "سبيريت إيروسيستيمز"، التي تقوم بشرائها، كما عملت على تقليص ما يُعرف بـ"العمل المتنقل"، وهو العمل الذي يتم خارج تسلسل العمليات المعتاد لبناء الطائرات، وذلك في محاولة لتقليل الأخطاء. وأضافت الشركة أنها استجابت لجزء كبير من ملاحظات الموظفين التي تم جمعها خلال الجلسات مع الإدارة طوال العام.
تشديد الرقابة
ويشار إلى أنه بعد الحادثة، عززت إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية رقابتها على شركة بوينغ، حيث فرضت حداً على إنتاج طائراتها الأكثر مبيعًا، 737 ماكس، رغم أن الإنتاج لا يزال أقل من المستويات السابقة. وحذر رئيس إدارة الطيران الفيدرالية، مايك ويتاكر، من أن "الرقابة المشددة ستكون مستمرة"، وأضاف أن عملية التحول في بوينغ "ليست مشروعاً يستمر لعام واحد".
وأوضح ويتاكر في بيان: "ما هو مطلوب هو تغيير ثقافي جوهري في بوينغ يرتكز على السلامة والجودة فوق الأرباح. وهذا سيتطلب جهداً مستمراً واهتماماً من بوينغ، ورقابة لا تتراخى من جانبنا".
تضرر سمعة الشركة
من جهته، يوضح رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، جو يرق، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن:
- حادث طائرة بوينغ منذ عام ألحق ضرراً كبيراً بسمعة الشركة التي تعد من أبرز الشركات المُصنعة للطائرات.
- هذا الضرر انعكس بشدة على سعر سهم الشركة الذي انخفض حوالي 33 بالمئة من قيمته خلال العام الماضي 2024 الذي شهد أداءً كارثياً للشركة.
- تكرار الحوادث التقنية عقب تلك الحادثة الشهيرة أثر على سمعتها، وهو ما مثل فرصة لشركات الطيران المنافسة للحصول على عروض أفضل، ما وضع سهم الشركة تحت ضغط طيلة تعاملات السنة.
- مع كل حادث تقني جديد تنتقص الثقة في الشركة، إضافة إلى تعرضها للتشديدات من جانب الجهات الرقابية المنظمة للطيران المدني وفرض غرامات عليها (..).
وفي هذا السياق، يشدد على ضرورة إجراء "بوينغ" تغييرات جوهرية وتحسين جودة الطائرات بزيادة الإجراءات الرقابية واللوائح التنظيمية الداخلية، إضافة إلى التشدد بتطبيق الشروط الفنية،خاصة في ظل التوقعات بزيادة الطلب على خطوط الطيران والمنافسة القوية مع "إيرباص"، إذ لابد وأن تتلافى الأخطاء المسببة للحوادث.
الخسائر المتزايدة وتأخيرات التسليم
ووفق التقرير المشار إليه، لم تسجل شركة بوينغ أي أرباح سنوية منذ العام 2018، وهو العام الذي شهد أول حادثتين مميتتين لطائرات 737 ماكس، مما أسفر عن مقتل 346 شخصاً، في أسوأ أزمة شهدتها الشركة في الذاكرة الحديثة. كانت مشكلة في نظام التحكم بالطيران هي السبب في الحادثين، ما أدى إلى إيقاف الطائرة عالميًا لمدة تقارب العامين.
ظهرت أيضًا عيوب جودة أخرى على مر السنوات، مما أدى إلى تأخيرات في تسليم طائرات 737 ماكس و787 دريملاينر، بالإضافة إلى زوج من طائرات 747 التي ستُستخدم في خدمة "إير فورس وان"، من بين طائرات أخرى.
منذ عام 2019، تكبدت بوينغ خسائر تزيد عن 30 مليار دولار، ويُكلف الرئيس التنفيذي الجديد للشركة بضمان زيادة الإنتاج دون تكرار العيوب التي تسببت في تأخيرات سابقة.
في أغسطس، عينت شركة بوينغ كيلي أورتبيرغ، الرئيس التنفيذي السابق لشركة روكويل كولينز وصاحب خبرة تمتد لثلاثة عقود في صناعة الفضاء، كرئيس تنفيذي جديد للشركة، ليحل محل ديف كالهون.
وبعد أسابيع قليلة من تولي أورتبيرغ منصبه، بدأ عمال بوينغ في إضراب استمر قرابة شهرين، وانتهى بعد أن وافقوا على اتفاق عمل جديد لمدة أربع سنوات يتضمن زيادة بنسبة 38 بالمئة. وطلب بعض العمال الذين قضوا وقتاً طويلاً في الشركة إعادة العمل بنظام المعاشات التقاعدية، إلا أن هذا الطلب لم يُدرج ضمن الاتفاق الجديد.
- رغم أن الإضراب أدى إلى توقف إنتاج معظم طائرات بوينغ، استأنفت المصانع العمل في الأسابيع الأخيرة.
- ومع ذلك، يركز عمل بوينغ في هذا العام على استقرار الإنتاج وتلبية احتياجات شركات الطيران قبل توسيع الإنتاج بشكل أكبر، في وقت تواصل فيه إيرباص تصدر حجم تسليماتها مقارنة مع بوينغ.
- جمعت بوينغ مليارات الدولارات هذا الخريف لتفادي الأزمة، وأعلن أورتبيرغ أيضًا عن خطط لخفض 10 بالمئة من قوتها العاملة التي تضم نحو 170,000 موظف.
استعادة الثقة وتحسين الأداء
من جانبه، يؤكد الباحث في الشؤون الاقتصادية، مازن أرشيد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن:
- حادث "سدادة باب الطائرة" أثر بشكل عميق على شركة بوينغ، حيث تراجعت أسهمها بنسبة تقارب 35 بالمئة خلال العام 2024، ما أدى إلى انخفاض ثقة المستثمرين والعملاء بشكل كبير.
- الشركة تكبدت خسائر تشغيلية كبيرة (وهو ما يظهر في تراجع صافي أرباحها) مع تسجيل خسائر تُقدر بعدة مليارات من الدولارات بسبب تعويضات الحوادث وتأخر تسليم الطلبيات.
- الحادث تسبب أيضاً في انخفاض حاد في الطلبيات الجديدة، مما أضر بإيراداتها المستقبلية، كما أضعف موقعها المالي والتنافسي في السوق.
ويوضح في السياق نفسه أنه لاستعادة الشركة الثقة في الشركة من جديد عليها أن:
- تعزز من معايير السلامة من خلال تحسين أنظمة مراقبة الجودة وإجراء تدقيق شامل لعمليات الإنتاج.
- تقديم حوافز لشركات الطيران مثل ضمانات موسعة أو تخفيضات في التكاليف لتعزيز العلاقة مع العملاء.
- تنفيذ حملات توعوية لطمأنة الجمهور بشأن التحسينات التي يتم تنفيذها لضمان سلامة الطائرات.
وحتى تتعافي شركة بوينغ خلال العام 2025، يوضح أرشيد أيضاً أنها لابد وأن تركز على استعادة مكانتها في السوق من خلال تطوير طائرات جديدة أكثر كفاءة وموثوقية، بالإضافة إلى تعزيز خدمات ما بعد البيع مثل الصيانة والتدريب الفني لشركات الطيران.
ويشدد على ضرورة أن تعمل الشركة على تحسين أدائها المالي من خلال إعادة بناء الإيرادات واستقطاب مستثمرين جدد، مؤكدًا أن تحقيق هذه الأهداف سيساعدها على استعادة ثقة العملاء والمستثمرين على حد سواء.
عام محوري
ويشير تقرير لـ "فوربس" إلى أنه من المؤمل أن تشهد شركة بوينغ بعض الإيجابيات في العام 2025.
- أولاً، ستكمل الشركة عملية الاستحواذ على شركة Spirit AeroSystems ومن المرجح أن يساعد هذا الشركة في معالجة مشكلات الجودة والعودة إلى المسار الصحيح لتحقيق هدف إنتاجها للعام 2026 المتمثل في 50 طائرة شهرياً.
- سيكون المستثمرون متفائلين بشأن أسهم بوينغ إذا أظهرت علامات على تحسن معدل الإنتاج.
- الطلب على المدى الطويل إيجابي، مع تراكم أكثر من 5000 طائرة ( قبل بضعة أسابيع فقط، وقعت بوينغ اتفاقية لبيع 200 طائرة لشركة بيجاسوس إير).
- يتمنى مستثمرو بوينغ أن ترفع إدارة الطيران الفيدرالية سقف الإنتاج إلى 38 طائرة 737 ماكس شهريا في العام 2025، لكن هذا يبدو غير مرجح. وسيتعين على إدارة الطيران الفيدرالية أن تقتنع بأن جميع معايير السلامة قد تم الوفاء بها، وأن الشركة أظهرت تحسنا في مراقبة الجودة.
ويضيف التقرير: "وبشكل عام، نعتقد أن العام 2025 سيكون عاماً تحدد فيه بوينغ مساراً قوياً للمضي قدمًا، مع التركيز على مراقبة الجودة وتحسين الكفاءة. ومن المرجح أن تساعد هذه التدابير في بدء دورة جديدة من عام 2026 حيث تكون أهداف الإنتاج أعلى، ومن المرجح أن ترفع إدارة الطيران الفيدرالية سقف الإنتاج، وتعود الشركة إلى الربحية.
خطة التعافي
ويقول مدير مركز رؤية للدراسات بالقاهرة، بلال شعيب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الحادث رغم مرور عام على وقوعه إلا أنه كان ولا يزال له تأثير على سمعة الشركة، مضيفاً: تأثير الحادث كان كبيراً على الرغم من أنه لم يسفر عن وقوع إصابات بالغة بين الركاب أو طاقم الطائرة، لكن تأثيره تفاقم لأنه يتعلق بسلامة الطيران وأن الطائرة كانت بها عيوب بالتصنيع، وهو ما نتج عنه اتخاذ بعض الإجراءات المشددة فيما يخص شروط السلامة المهنية.
ويرى أن بوينغ حتى تتعافى في العام 2025 عليها اتخاذ بعض الإجراءات ومنها:
- الشفافية عبر نشر تقارير دورية بشأن التحسينات التي تمت على الطائرات الخاصة بها.
- الكشف عن تفاصيل ما تضيفه من معايير السلامة والجودة.
- تكثيف العمل على الابتكار التقني وتحقيق قفزة فيما يتعلق بالطائرات التي تعمل عليها.
- عقد شراكات استراتيجية مع شركات طيران كبرى لتعزيز تواجدها في السوق.
- تطوير العنصر البشري، خاصة وأنه أهم عنصر في منظومة الطيران، والذي ينعكس على شكل التطوير التكنولوجي والتصميم والعمليات التشغيلية فيما يتعلق بصناعة الطيران في العالم