كيف تتأثر شركات الطيران بتكرار الحوادث المميتة؟
09:53 - 31 ديسمبر 2024شهد العام 2024 سلسلة من حوادث الطيران المميتة التي أعادت طرح التساؤلات حول مدى أمان السفر الجوي، خصوصاً في وقت بالكاد يتعافى فيه قطاع الطيران والسفر من التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا.
الحادث الأخير في كوريا الجنوبية، مثّل أسوأ كارثة جوية تشهدها البلاد منذ أكثر من عقدين، مما أثار مخاوف واسعة النطاق.
ورغم ما قد تثيره هذه الحوادث من قلق لدى المسافرين، تبقى الطائرات الوسيلة الأكثر أماناً مقارنة بالمسافات المقطوعة وعدد الرحلات اليومية. ذلك أن البيانات تشير إلى أن احتمال وقوع حادث طيران يبقى منخفضاً للغاية بالنظر إلى الحجم الهائل لحركة الطيران التجاري. ومع ذلك، فإن تأثير حادث واحد قد يمتد ليشمل السمعة العامة للقطاع بأسره.
كذلك بالنسبة لشركات الطيران، تحمل مثل هذه الحوادث تأثيرات متعددة تشمل السمعة، ذلك أن تراجع ثقة المسافرين قد يؤدي إلى انخفاض الحجوزات، خاصة بالنسبة للشركات المرتبطة مباشرة بالحوادث. علاوة على التأثيرات المرتبطة بالوضع المالي للشركات، ذلك أن تراجع الطلب يؤدي إلى خسائر مباشرة، بينما تزداد التكاليف نتيجة لتعويضات الضحايا وإصلاح الطائرات المتضررة.
وتأتي هذه الحوادث في وقت تحاول فيه الشركات تحقيق التوازن بين تحقيق الأرباح وضمان أعلى معايير السلامة. وفي وقت أيضاً تواجه فيه شركات الطيران منخفضة التكلفة تحديات إضافية نظراً لاعتمادها على تقليص التكاليف التشغيلية، مما قد يُضعف الاستثمارات في الصيانة والتدريب.
ثقة المسافرين
أستاذة إدارة الطيران في جامعة Surrey البريطانية، الدكتورة نادين عيتاني، تقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- حوادث الطيران تؤثر سلباً على ثقة المسافرين، مما ينعكس على تراجع الحجوزات، وبالتالي تراجع الإيرادات المالية.
- الحوادث أيضاً من شأنها أن تؤثر سلباً على سمعة شركات الطيران أو الشركات المصنعة للطائرات نفسها، مما يسبب تراجعاً في حصتها السوقية.
- قد يدفع تكرار الحوادث الجهات الرقابية كإدارة الطيران المدني ومنظمات سلامة الطيران الدولية إلى التشدد في الرقابة والإجراءات التصحيحية، والتي تشمل حظر السفر أو غرامات مالية في بعض الحالات كما حدث مع شركة بوينغ وطراز 737 ماكس.
وتوضح أن سجل السلامة السيء من شأنه أن يؤدي إلى تداعيات مالية مباشرة، مشيرة إلى أن تكرار حوادث الطيران المرتبطة بطائرات شركة بوينغ بشكل خاص أدى إلى تراجع سعر السهم الخاص بشكل حاد.
وفق حسابات موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" فإنه منذ بداية العام 2024 وحتى نهاية تعاملات يوم الاثنين 30 ديسمبر من العام نفسه فإن السهم تراجع في وول ستريت بنحو 32.5 بالمئة عند مستوى 176.55 دولار.
وتشير أستاذة إدارة الطيران في جامعة Surrey البريطانية، كذلك إلى التراجع الحاد بأسهم شركة Jeju Air مع الحادث الأخير في كوريا الجنوبية. علاوة على خسارة ملايين الدولارات بسبب تحطم الطائرة ودفع الغرامات المالية والتعويضات لأهالي الضحايا، وذلك ضمن حديثها عن التداعيات المالية المباشرة بالنسبة للشركات.
أبرز حوادث الطيران في 2024
وشهد العام 2024 عدداً من حوادث الطيران البارزة، رصد أبرزها تقرير نشرته "رويترز" مساء الاثنين، أشار إلى آخر تلك الحوادث والمتعلقة بتحطم طائرة كوريا الجنوبية والتي انطلقت من بانكوك في تايلاند، وكانت متجهة إلى سيول، في 29 ديسمبر، مما أسفر عن مصرع جميع الركاب البالغ عددهم 175 وأربعة من أفراد الطاقم الستة.
وفي البرازيل، تحطمت طائرة الرحلة الإقليمية رقم 2283 التابعة لشركة فويباس، وهي من طراز ATR-72 ذات المحرك التوربيني والتي انطلقت من كاسكافيل ومتجهة إلى ساو باولو، في 11 أغسطس، مما أسفر عن مصرع كل من كانوا على متنها وعددهم 62 شخصاً.
وفي حادث منفصل، تحطمت طائرة خاصة صغيرة بمحركين من طراز بايبر بي إيه-42-1000، تحمل 10 أشخاص، فوق متاجر في وسط مدينة جرامادو السياحية في جنوب البرازيل في 22 ديسمبر، ما أدى إلى مصرع كل من كانوا على متنها وإصابة 17 شخصاً على الأرض.
كذلك تحطمت طائرة من طراز إيرباص A320 تابعة للخطوط الجوية الروسية، كانت متجهة من باكو في أذربيجان إلى غروزني في روسيا، بالقرب من مدينة أكتاو في كازاخستان في 25 ديسمبر، مما أسفر عن مقتل 39 شخصًا. ونجا 29 شخصاً.
أيضاً تحطمت طائرة ركاب صغيرة من طراز CRJ-200 تابعة لشركة الخطوط الجوية النيبالية Saurya Airlines واشتعلت فيها النيران أثناء إقلاعها من كاتماندو إلى مطار بوكارا في 24 يوليو، مما أسفر عن مصرع 18 شخصاً على متنها ونجاة شخص واحد وهو القبطان.
وقُتل نائب رئيس مالاوي ساولوس كلاوس تشيليما وتسعة أشخاص آخرين، بمن فيهم السيدة الأولى السابقة شانيل دزيمبيري، في 10 يونيو أثناء توجههم من العاصمة إلى مدينة مزوزو، عندما تحطمت الطائرة العسكرية التي كانوا يسافرون بها .
كما توفي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وستة ركاب آخرين وطاقم مروحية أميركية الصنع من طراز بيل 212 في حادث تحطم يوم 19 مايو في منطقة جبلية في منطقة ورزقان بالقرب من الحدود مع أذربيجان.
في كندا، قُتل ستة أشخاص بعد أن تحطمت طائرة تابعة لشركة نورث ويسترن إير.
وفي اليابان، اصطدمت طائرة ركاب يابانية بطائرة أصغر حجما تابعة لخفر السواحل على مدرج مطار هانيدا في طوكيو في الثاني من يناير. ونجا جميع الركاب البالغ عددهم 379 شخصا الذين كانوا على متن طائرة الخطوط الجوية اليابانية، وهي من طراز إيرباص إيه 350-941، من الحريق الذي اندلع في الطائرة، بينما قُتل خمسة من أصل ستة أفراد من طاقم الطائرة الأصغر حجما.
وفي سنغافورة، توفي أحد الركاب بسبب نوبة قلبية وأصيب 30 آخرين بعد أن تحطمت طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية السنغافورية المتجهة من لندن إلى سنغافورة مع تعرضها لمطبات هوائية شديدة في 21 مايو، ما أدى إلى انزلاق الركاب وطاقم الطائرة داخل المقصورة وإجبارها على الهبوط في بانكوك.
القطاع آمن
من جانبه، يقول مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث، أبو بكر الديب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- العام 2024 شهد عدداً كبيراً من حوادث الطيران المدني في مناطق مختلفة من العالم، نتجت عنها خسائر بشرية فضلاً عن الخسائر الاقتصادية الكبيرة للقطاع.
- هذه الحوادث وقعت لأسباب كثيرة تنوعت ما بين أعطال فنية وتكنولوجية، إضافة إلى الظروف الجوية القاسية، وحتى التوترات الجيوسياسية وتأثيراتها.
- على الرغم من الخسائر المأساوية التي تعرض لها قطاع النقل الجوي إلا أن الطيران يظل من أكثر أشكال النقل أماناً من حيث عدد الوفيات لكل مسافة يتم قطعها.
ويشدد على أن بلدان منها كوريا الجنوبية وكازاخستان والبرازيل شهدت حوادث طيران أثناء الرحلات الداخلية والدولية، إضافة إلى عدة حالات هبوط إضطراري لطائرات (..)، ويشير إلى أن قيمة الصيانة الدورية للطائرات على مستوى العالم خلال 2024 تقدر بنحو 47.12 مليار دولار (وفق ذا بيزنس ريسيرش)، تلك العملية التي تشمل الفحص والتفتيش تلبية لمتطلبات صلاحية الطيران، وتجنباً للحوادث المفاجئة بما في ذلك اصطدام أسراب الطيور بالطائرات.
لكن على الجانب الآخر، يشير الديب إلى مجموعة الخسائر الحادة الفورية التي تشهدها أسهم قطاع الطيران بعد تلك النوعية من الحوادث، مثلما حدث مع أسهم شركة Jeju Air بعدما انحرفت إحدى طائرات الشركة عن المدرج في مطار بكوريا الجنوبية واصطدمت بجدار خرساني واندلعت فيها النيران، بسبب خلل أعاق تشغيل عجلات الهبوط الأمامية.
وبينما تواجه شركات الطيران تحديات متزايدة في التعامل مع تداعيات هذه الحوادث، يبقى السؤال الأكبر حول ما إذا كانت هذه الحوادث ستؤثر بشكل دائم على سلوك المسافرين وثقتهم في الطيران.
يتطلب الأمر تعاوناً مشتركاً بين الشركات والهيئات التنظيمية لتعزيز السلامة واستعادة الثقة، خاصة أن قطاع الطيران يعد عصباً أساسياً للاقتصاد العالمي
أسهم الشركات العامة بالقطاع
على الجانب الآخر، يوضح رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن:
- حوادث الطيران من شأنها أن تؤثر على شركات الطيران الناقلة التي وقع معها الحادث مثل شركة كوريا الجنوبية أو الشركة الأذربيجانية أخيراً، كما تؤثر أيضًا على الشركات المُصنعة مثل "بوينغ" و"إيرباص" اللتان تعدان من أكبر شركات العالم.
- لكن قطاع الطيران بعد انتهاء جائحة كورونا حقق أرقام ما قبل الجائحة فيما يخص السفر العالمي، كما شهد العام 2024 تطوراً ملحوظاً بالسياحة.
- في سياق آخر، كانت هناك بعض التعثرات واجهتها شركات الطيران الأميركية بإعلان بعضها إفلاسه، ما كان له تأثيراً ضاغطاً على القطاع.
وفيما يتعلق بحوادث الطيران، فيوضح أن لها جانباً سلبياً مباشراً، ذلك أنها تسبب حالة من الحذر والخوف من القطاع وشركاته، موضحاً أنه:
- على سبيل المثال ما حدث مع شركة بوينغ ومشكلات طراز 737 ماكس.
- تكرار الحوادث المتعلقة بشركة بوينغ أثر على أسهم الشركة بشكل مباشر.
لكن فيما يتعلق بالاتجاه العام، يستطرد يرق قائلاً: إن أي نمو اقتصادي يشهده العالم من شأنه أن يعود بالنمو على قطاع السياحة، والطلب الإضافي على السياحة والسفر، وهو ما يدعم شركات الطيران والشركات المنتجة، مُستدلًا على ذلك بأن الشركات العاملة في المنطقة العربية التي لديها طلب إضافي على شراء طائرات إيرباص وبوينغ ضمن معارض الطيران العالمية.
ويتوقع أن يكون عام 2025 هو الأفضل لقطاع الطيران مع زيادة السياحة وتحقيق بعض النمو الاقتصادي، إضافة إلى ارتفاع حجم الاستهلاك بالصين وتحفيزه بعد فترة من الضعف ليشكل دعمًا للسياحة والسفر وشركات الطيران.