هل بدأ أكبر اقتصادين في العالم خطوات "الانفصال" العملية؟
14:02 - 24 مايو 2024"الفصل الكامل بين البلدين سيكون كارثياً لكل منهما"، هذا ما ذكرته قبل ما يزيد قليلاً عن عام، وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، فيما يتعلق بدعوات الفصل الاقتصادي بين أكبر اقتصادين في العالم (الولايات المتحدة والصين)، وكشفت عن أن بلادها "لا تحاول الانفصال عن الصين".
بعد أسبوع من تصريحات يلين المشار إليها استعار مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان عبارة من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عندما قال إن الولايات المتحدة تنتهج سياسة "التخلص من المخاطر" وليس الانفصال.
الهدف من هذا الخطاب هو دحض "الانتقادات الصينية" بأن الولايات المتحدة تتخذ إجراءات، مثل ضوابط التصدير المرتبطة بالتكنولوجيا، لتقييد صعود الصين.
تؤكد هذه الشواهد أن مسؤولي إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، يريدون أن تفهم الصين أن الولايات المتحدة ستستمر في اتخاذ "تدابير لحماية الأمن القومي والاقتصادي"، حتى عندما حاول البلدان تحقيق الاستقرار في العلاقات التي وصلت إلى مرحلة متدنية بعد أزمة بالون التجسس الصيني المشتبه به، بحسب تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية.
- عادت العلاقة المتوترة إلى الواجهة مرة أخرى في الأيام الأخيرة، عندما رفع الرئيس بايدن -بشكل حاد- الرسوم الجمركية على واردات السيارات الكهربائية الصينية ومنتجات الطاقة النظيفة الأخرى.
- اتهمت بكين الرئيس الأميركي بالتراجع عن تعهده "بعدم السعي للانفصال عن الصين".
- في حين اتهم النقاد بايدن بإرضاء العمال ذوي الياقات الزرقاء في ولايات مثل بنسلفانيا وميشيغان (وهي ساحات معركة انتخابية حاسمة في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر).
- وتساءل آخرون عما إذا كان الرئيس الديمقراطي يستخدم التعريفات الجمركية كسلاح في محاولة للظهور أكثر صرامة تجاه الصين من دونالد ترامب (منافسه الجمهوري في سباق البيت الأبيض هذا العام - الذي شن حرباً تجارية على الصين في العام 2018).
- بينما ناقش خبراء واشنطن مزايا استخدام التعريفات الجمركية لحماية الصناعة الأميركية، اعتبر القليل منهم أن التدابير التي تم الإعلان عنها أخيراً هي إما "فصل" أو علامة على اندلاع حرب تجارية جديدة.
ارتباط اقتصادي
يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور طارق فهمي، أن الاقتصادين "الصيني والأميركي" لا يمكن أن ينفصلا؛ خاصةً أن لديهما تكافؤاً واعتماداً متبادلاً بما يحول دون عملية فك الارتباط أو تهميشه.
ويشير في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن محاولات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بشأن الانفصال الاقتصادي "فشلت فشلاً ذريعاً"، مضيفاً أن الإدارة الأميركية الحالية حاولت تطبيق هذه الاستراتيجية، ولكن فشلت لاعتبارات متعلقة بتغليب التكاملية بين الاقتصاديين، فمن الصعب تفكي هذا الارتباط بصورة أو بأخرى.
ويشير إلى الرغبة الأميركية المرتبطة بتقليل التعرض إلى الاقتصاد الصيني، والتي جاءت في استراتيجية الرئيس الأميركي جو بادين، بينما باءت بالفشل نتيجة المعوقات والإشكاليات المتعلقة باعتماد الاقتصاديين على بعضهما البعض.
ويتابع أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: "المؤسسات الصينية لن تتأثر وحدها فحسب حال فك الارتباط؛ بل تتأثر كافة شرائح الصناع والمزارعين ورجال الأعمال الأميركيين وغيرهم، مما يجعلنا نؤكد أن البعد السياسي يؤثر بالطبع على البعد الاقتصادي".
ويوضح أن:
- المراكز البحثية والتقارير الأميركية دائماً ما تطالب بتقليل الاعتماد على الاقتصاد الصيني، خاصة في الحالة الهيكلية الحالية التي تحكم بكين وواشنطن.
- انتهج ترامب سياسية تفكيك الاعتماد بين الاقتصاديين، ونجح في بعض الخطوات التدريجية الخاصة بهذا الشأن، وجاءت بعد ذلك استراتيجية بايدن تحت مظلة أن الصين "عدو" ولكن فشل هذا المخطط.
- في حالة فوز ترامب سوف تختلف الرؤية عن السابق، خاصة فيما يتعلق بتنفيذ الاتفاقيات على مراحل ومحاولة دفع الاقتصاد الصيني إلى حافة الهاوية، إضافة إلى بعض الأفكار المطروحة في برنامجه الانتخابي، أهمها "لا تزال الصين عدواً كبيراً وأن بايدن فشل في استكمال خطواته في هذا الإطار".
- هناك توقعات بصدمات حال فوز الرئيس ترامب فيما يتعلق بعودة الرسوم والإجراءات المرتبة بالرسوم الجمركية وغيرها.
وبالعودة لتقرير الصحيفة البريطانية، فقد نقل عن الخبيرة التجارية في مركز أبحاث الأمن الأميركي الجديد، إميلي كيلكريس، قولها إن الرسوم المرتفعة التي تم الإعلان عنها أخيراً في الولايات المتحدة على المركبات الكهربائية وغيرها من منتجات التكنولوجيا النظيفة بما في ذلك البطاريات كانت بمثابة "تكثيف لأجندة إزالة المخاطر".
وإزالة المخاطر هو مصطلح يغطي كل شيء في هذا السياق، بداية من الحد من التهديدات الأمنية من بكين إلى تنويع اعتماد الولايات المتحدة على سلاسل التوريد الصينية.
وقالت إن بايدن استهدف القطاعات التي تقع في قلب المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، لكنه أضاف عاملاً جديدًا يتمثل في الرسوم الجمركية.
بينما كان لدى كليتي ويليمز، المسؤول التجاري السابق في البيت الأبيض في إدارة ترامب، مصطلح مختلف يعكس التركيز المخصص للإجراءات الجديدة على قطاعات معينة. إذ قال إن "التجاور بين الفصل الكامل ومجرد إزالة المخاطر هو فجوة واسعة للغاية"، واصفاً الوضع الحالي بـ ""الانفصال الاستراتيجي".
عقلية ترامب
من جانبه، يقول مدير مركز التحرير للدراسات والبحوث، الخبير في الشؤون الآسيوية، عماد الأزرق، إن الاقتصادين الصيني والأميركي من أكبر اقتصاديات العالم ترابطاً، وبالتالي من الصعب الانفصال بينهما، خاصة أنهما يعتمدان على بعضهما البعض، لا سيما في المواد الأولية والنصف مصنعة، إلى جانب الصناعات الأخرى الخاصة بالرقائق وأشباه الموصلات وغيرها من الصناعات التي تبدأ من الصواريخ والطائرات نهاية بلعب الأطفال!
ويضيف في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": تتعامل الصين مع الضغوط الأميركية في إطار اقتصادي بعقلية التاجر، إذ تحتوي هذه الضغوط في إطار اقتصادي بعيداً عن التصعيد السياسي وحتى العسكري (..) بينما تحدث بعض المناورات والمناوشات بين البلدين بجانب الضغوطات المتبادلة واستخدام بعض الأدوات لممارسة هذه الضغوط السياسية؛ للحصول على مكاسب معينة.
ويؤكد أن تلك التضييقات الأميركية على الصين والشركات والاستثمارات الصينية ما هي إلا أسلوب من أساليب الضغط على ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بجانب التلويح بممارسة الضغوط على بعض البنوك التي تتعامل مع روسيا في تمويل صادرات ذات استخدام ثنائي، ولكن في الوقت نفسه، وعلى الجانب الآخر، تحاول الولايات المتحدة تقديم دعم وتمويل لبعض الصناعات الأميركية لتعزيز الإنتاج المحلي.
ويعتقد الأزرق بأن الصين ربما ترحب بعودة الرئيس ترامب في انتخابات نوفمبر، لا سيما أنها تجيد التعامل مع عقلية ترامب الذي ينتهج "سياسة التاجر"، خاصة أن الرئيس الأميركي السابق لا يلوح بأدوات عسكرية ولا يستخدم ملف تايوان على سبيل المثال، ولكن اتجاهاته في الجوانب التجارية والاقتصادية والاستثمارية، من خلال فرض ضغوط وحماية جمركية.
التعريفات الجديدة
وحتى قبل الإعلان عن القرارات الجديدة، كان بايدن يركز إلى حد كبير على الإجراءات المتعلقة بالأمن لمنع الصين من الحصول على التكنولوجيا الأميركية المتقدمة، مثل أشباه الموصلات. ووصف مستشار الأمن القومي الأميركي هذه الاستراتيجية الضيقة التي تركز على القطاعات الرئيسية، مثل الذكاء الاصطناعي، بأنها نهج "ساحة صغيرة ذات سياج عالٍ".
كان السؤال بالنسبة للبعض هو ما إذا كان بايدن يغير مساره في مناشدة الناخبين من ذوي الياقات الزرقاء الذين يغازلونهم هو وترامب عبر الحزام الصناعي الأميركي.
وبعد مراجعة قانونية للتعريفات التي فرضها ترامب على بضائع صينية بقيمة 300 مليار دولار خلال حربه التجارية، أبقى بايدن - الذي انتقد التعريفات عندما تم تقديمها - الرسوم كما هي، لكنه أضاف الرسوم الأخرى على منتجات الطاقة النظيفة.
وقالت الخبيرة التجارية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إميلي بنسون، إنه:
- من المهم النظر إلى كل منتج تم استهدافه في نظام التعريفات الجمركية الجديد لبايدن.
- على سبيل المثال، لم يكن ردع واردات السيارات الكهربائية مثالا على الانفصال نظرا لأن قطاع السيارات الصيني والاقتصاد الأميركي "لم يكونا متشابكين بشكل كبير في البداية".
- وعلى نحو مماثل، فإن مضاعفة التعريفة الجمركية على أشباه الموصلات الصينية إلى 50 بالمئة من شأنها أن تخلف تأثيراً محدوداً لأن الولايات المتحدة تستورد القليل من الرقائق.
- وعلى النقيض من ذلك، فإن أي استهداف للمنتجات النهائية التي تتضمن رقائق البطاطس من شأنه أن يمثل خطوة جديدة نحو الفصل.
الرسوم الجمركية
في سياق متصل، يقول الكاتب المتخصص في الشؤون الصينية، حسين إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن هناك بعض الآراء التي يرى أصحابها أن إقدام الإدارة الأميركية على فرض رسوم جمركية على الصادرات الصينية، من بينها السيارات الكهربائية، نقطة البداية للانفصال بين الاقتصاديين، مؤكداً أنه لم تتضح بعد ملامح هذا الانفصال.
ويعتقد إسماعيل بأن هذا الحديث مبكراً للغاية؛ لأن هناك ارتباطاً قوياً بين الاقتصاد الصيني والأميركي، حيث ضخامة حجم التبادل التجاري، وحجم الاستثمارات الأميركية في الصين، إضافة إلى حجم الاستثمارات الصينية سواء داخل الولايات المتحدة أو من خلال حيازة السندات أو أذون خزانة.
وتساءل: هل ستواصل الولايات المتحدة انتهاج هذه السياسة ومحاولة إعاقة الصين في مجالات معينة خاصة في المجالات التقنية؟
ويشير إلى أن ترامب اتخذ إجراءات مشددة تجاه الصين، وهذا ما شهدناه خلال فترة ولايته، من التوترات التجارية بين البلدين.
ويقول إسماعيل إن البعض يرى أن عمل إدارة بايدن على خطوة فرض الرسوم الجمركية هي محاول لإرضاء فئة معينة من الناخبين الأميركيين "العمال"، لكسب أصواتهم حتى لا تثبت تهمة الجمهوريين له بأنه متساهل مع الصين، لكنه يوضح في الوقت نفسه أنه ليس من السهل الانفصال عن اقتصاد دولة تدخل منتجاتها بأنواعها المختلفة التقنية والسلعية في تفاصيل عصب كل دولة في العالم بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية.
ويرى أن المواطن الأميركي لا يتحمل تبعات تلك الخطوات، ذلك أن فرض الولايات المتحدة عقوبات على السيارات الكهربائية وبعض المنتجات الصينية يؤثر على المستهلك الأميركي التي سوف ترتفع عليه أسعار هذه المنتجات.
منع الصين
ووفق الخبير التجاري في مجلس العلاقات الخارجية، براد سيتسر، فإن أفضل تفسير للتعريفات الجمركية هو أن واشنطن كانت تحاول منع الصين من الحصول على موطئ قدم في أجزاء من قطاع الطاقة النظيفة الناشئ في الولايات المتحدة.
وقال سيتسر: "لقد تم تصميمه لتجنب "الاقتران" في القطاعات التي لم يتم دمجها تاريخيا، مثل السيارات حيث لم تكن الصين مصدرا رئيسيا للإمدادات إلى الولايات المتحدة". وبما أنه لا يغطي بقية التجارة، فلا يبدو لي أنه من المرجح أن يؤدي إلى مزيد من الانفصال".