ماذا يعني "الاقتراض الحكومي الأعلى من المتوقع" في بريطانيا؟
15:31 - 28 أبريل 2024تثار شكوك حول قدرة الحكومة البريطانية على الكشف عن التخفيضات الضريبية قبل الانتخابات العامة المقبلة، وذلك بعد أن كشفت الأرقام الرسمية عن أن الاقتراض كان أعلى من المتوقع في العام الماضي.
واقترضت وزارة الخزانة 120.7 مليار جنيه إسترليني (152.5 مليار دولار) في السنة المالية المنتهية في مارس 2024، بانخفاض 7.6 مليار جنيه إسترليني عن العام السابق، وفقًا للتقديرات المؤقتة من مكتب الإحصاءات الوطنية (ONS).
ومع ذلك، فإن الرقم يزيد بمقدار 6.6 مليار جنيه إسترليني عن توقعات مكتب مسؤولية الميزانية (OBR) قبل شهر واحد فقط.
وبشكل عام، بلغ الدين الحكومي حوالي 98.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للمملكة المتحدة في مارس، بزيادة 2.6 نقطة مئوية عن العام السابق وبمستويات لم تشهدها منذ أوائل الستينيات، وفق تقرير نشرته شبكة "سكاي نيوز".
ونقل التقرير عن الخبيرة الاقتصادية من كابيتال إيكونوميكس، روث جريجوري، قولها: "إذا كان وزير الخزانة، جيرمي هانت يأمل أن توفر أرقام مارس مجالًا أكبر لتخفيضات الضرائب في حدث مالي في وقت لاحق من هذا العام، فسوف يشعر بخيبة أمل".
وأضافت: "فقط بناءً على العجز الأكبر من المتوقع في ميزانية 2023/2024 والتحول الأخير في أسعار الفائدة في السوق ، قد يكون لديه "إمكانات" مالية أقل (ربما حوالي 5 مليارات جنيه إسترليني) لخفض الضرائب من 8.9 مليار جنيه إسترليني المتبقية".
بينما نقل في المقابل عن روب وود، من شركة بانثيون للاقتصاد الكلي، قوله إنه لا يزال يتوقع أن يقوم وزير المالية بتخفيض الضرائب، لكنه حذر من أن ذلك سيسبب صداعًا ماليًا للخزانة بعد الانتخابات المقبلة، والتي من المتوقع إجراؤها في الخريف.
وأضاف: "يستطيع هانت أن يخطط لسنة أخرى من الإنفاق العام الضعيف بشكل غير واقعي، من أجل خلق مساحة كبيرة ضد قواعده المالية، وبالتالي جلب الأموال اللازمة لخفض الضرائب.. ولذلك ستواجه الحكومة المقبلة خيارا صعبا بين زيادة الضرائب لإصلاح الخدمات العامة المتداعية أو الاستمرار في التخفيضات الضريبية الأخيرة التي أقرها المستشار".
مستويات الدين
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي، أنور القاسم، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن معدلات الإنفاق العام في بريطانيا أسهمت في وصول الدين العام لهذا المستوى غير المسبوق تاريخياً، موضحاً أن تكاليف الاقتراض فاقمت الدين العام البريطاني؛ لعدة أسباب:
- ارتفاع أسعار الفائدة على المستوى الوطني والدولي.
- تصاعد حالات الإفلاس في المملكة المتحدة لأعلى مستوى في ظل معدلات الفائدة المرتفعة.
وأوضح أن الأجيال القادمة ستواجه حساباً مفتوحاً من الديون قد لا يمكنها سداده، وفي ظل محاولة الحكومة المحافظة اتخاذ قرارات صعبة ولكنها ضرورية لتسوية الحسابات أملاً في خفض التضخم إلى السقف المستهدف وهو 2 بالمئة، مضيفًا :" هي مهمة طويلة وصعبة".
وأكد القاسم أنه في ظل هذه الأوضاع فلا عجب أن يدق صندوق النقد الدولي ناقوس الخطر بشأن اقتصاد بريطانيا كواحدٍ من الاقتصادات الكبرى التي تحتاج إلى معالجة الاختلالات الأساسية بين الإنفاق والإيرادات.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أنه بناء على توقعات صندوق النقد الدولي فإن استمرار زيادة الدين في البلاد يهدد بالتهام الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة بحلول نهاية العقد الجاري.
ارتفاع الإنفاق
وكانت نائب مدير الشؤون المالية للقطاع العام في مكتب الإحصاءات الوطنية، جيسيكا بارنابي، قد قالت: "ارتفع الإنفاق بنحو 58 مليار جنيه إسترليني، مع زيادة الإنفاق على الخدمات العامة والمنافع التي فاقت التخفيضات الكبيرة في الفوائد المستحقة وتكاليف مخطط دعم الطاقة. ولكن مع ارتفاع دخل القطاع العام إلى 66 مليار جنيه إسترليني، وبشكل عام، لا يزال العجز ينخفض".
- كشفت الأرقام أيضًا أن مدفوعات المزايا زادت بمقدار 36.9 مليار جنيه إسترليني إلى 291.4 مليار جنيه إسترليني خلال العام، وسط الزيادات المرتبطة بالتضخم والتكلفة الإضافية لدعم المعيشة.
- وارتفعت أجور الحكومة المركزية بمقدار 21 مليار جنيه إسترليني، بما في ذلك الصحة والتعليم، لكن الديون المرتبطة بالتضخم انخفضت بنسبة 27 بالمئة إلى 78.3 مليار جنيه إسترليني. كما ارتفعت إيرادات ضريبة الميراث إلى مستوى قياسي بلغ حوالي 7.5 مليار جنيه استرليني.
معدلات النمو
من لندن، قال خبير اقتصاديات الطاقة، نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الاقتصاد البريطاني يعاني من نمو بطيء ومديونية عالية وعبء ضريبي يصنف على أنه الأعلى في مجموعة السبعة.
وذكر إسماعيل إن هذه المعاناة الاقتصادية ناجمة عن عددٍ من العوامل الأساسية، وأهمها:
- بريطانيا لا تزال تعاني من آثار أزمات الطاقة والتضخم والأسعار المرتفعة منذ العام 2022.
- الخروج من الاتحاد الأوروبي كان له أكبر الأثر على الاقتصاد البريطاني.
- المشكلات الأساسية التي يعاني منها الاقتصاد منذ العام 2010.
واستطرد خبير اقتصاديات الطاقة: إن الخروج من الاتحاد الأوروبي نتجت عنها عدة نتائج سلبية على الاقتصاد البريطاني، من أبرزها:
- خلق عراقيل أمام التجارة مع أوروبا.
- خلق عوائق أمام الاستثمار ونقص العمالة الماهرة.
- انخفاض حجم الإنتاج في الاقتصاد البريطاني.
- انخفاض الاستثمار في قطاع الأعمال في العام 2022 إلى أقل من معدلات العام 2016، بينما ارتفعت المعدلات في نفس الوقت في مجموعة السبعة.
- العبء الضريبي ارتفع لأعلى مستوى منذ الحرب العالمية الثانية.
وأفاد إسماعيل بأن النمو الاقتصادي في بريطانيا حقق في العام 2022 نحو 4.3 بالمئة، بينما حقق 0.1 بالمئة فقط في العام 2023 ككل، في ظل توقعات صندوق النقد الدولي بلوغه 0.5 بالمئة هذا العام.
وأكمل الخبير الاقتصادي: التضخم لا يزال عند معدل 3.2 بالمئة، هذا بالتوزي مع ارتفاع معدل البطالة إلى 4.2 بالمئة، وهذا مايمثل موقفًا صعبًا للحكومة البريطانية التي لا زالت تطمئن الشعب بأن الاقتصادي سوف يتعافى قريباً.
جائحة كورونا
وكان متحدث باسم وزارة الخزانة البريطانية، قد قال: "لقد زادت الديون في السنوات الأخيرة لأننا قمنا بحق بحماية ملايين الوظائف أثناء فيروس كورونا ودفعنا نصف فواتير الطاقة للناس بعد (الحرب في أوكرانيا) ، مما أدى إلى ارتفاع الفواتير بشكل كبير"، وفق ما نقلته شبكة "سكاي نيوز".
وتابع: "لا يمكننا أن نترك الأجيال القادمة لتتحمل الفاتورة، لذلك يجب علينا أن نلتزم بخطة خفض الديون. ومع انخفاض التضخم وارتفاع الأجور - تمكننا من خفض التأمين الوطني بمقدار الثلث، وهو ما يظهر تصميمنا في هذا الاتجاه".
وإلى ذلك، وصف الرئيس التنفيذي في مركز كوروم للدراسات الاستراتيجية، طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، الوضع الذي يمر به الاقتصاد البريطاني بـ "الخطير" بسبب الدين الحكومي، لكنه عاد وقال إنه إن انخفض هذا الدين مع بعض الانخفاضات الأخرى في أوروبا مثل إيطاليا "التي وصف موقفها بأنه أخطر من بريطانيا" سيكون موقف الاقتصاد البريطاني أفضل من الوضع الحالي.
وأضاف الرفاعي أن السبب الرئيسي في وصول الاقتصاد البريطاني إلى الوضع الحالي أزمة كورونا التي ارتفع معها معدل الإنفاق الحكومي بشكل لافت.
وشدد رئيس مركز كوروم على ضرورة دفع الاقتصاد البريطاني في اتجاه النمو بشكل أسرع مما كان عليه في السابق وهذا ما يمثل صعوبة كبيرة حاليا في ظل نتائج العامين الماضيين التي أظهرت حجم نمو ضعيف في الاقتصاد البريطاني.