لماذا تراجعت الشركات الغربية عن خططها للخروج من روسيا؟
11:54 - 28 مايو 2024على الرغم من تصريحاتها السابقة حول مغادرة روسيا عقب أزمة أوكرانيا، إلا أن الشركات الغربية ومن بينها "أفون بروداكتس"، و"أير ليكويد"، و"ريكيت" بقيت هناك بسبب تزايد العقبات البيروقراطية وانتعاش النشاط الاستهلاكي.
تعد كلاً من علامة مستحضرات التجميل المملوكة لشركة ناتورا، ومنتج الغاز الصناعي الفرنسي، والمجموعة الاستهلاكية البريطانية التي تنتج كل شيء تقريبا، من بين مئات المجموعات الغربية التي بقيت في البلاد منذ الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير 2022.
وبحسب تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز اطلعت عليه سكاي نيوز عربية، قال مسؤول تنفيذي يعمل مع شركات غربية في روسيا: "وجدت العديد من الشركات الأوروبية نفسها في مأزق حقيقي .. لقد قالوا إنهم سيغادرون، لكنهم عرضوا عليهم خيارات شراء لم تكن مقبولة لدى الشركات الغربية العاملة في أوروبا".
بشكل عام، وجدت كلية كييف للاقتصاد أن أكثر من 2100 شركة متعددة الجنسيات بقيت في روسيا منذ عام 2022، مقارنة بحوالي 1600 شركة دولية إما انسحبت من السوق أو قلصت عملياتها.
أكثر من نصف الشركات الأجنبية في روسيا ظلت هناك منذ اندلاع الحرب
بعد فترة وجيزة من أزمة أوكرانيا، تعهدت العديد من هذه المجموعات بتقليص وجودها في روسيا حيث سعى الغرب إلى إفقار اقتصاد روسيا وحرم خزائن حرب الكرملين من الأموال الأجنبية.
إلا أن موسكو رفعت تدريجياً تكلفة مغادرة الشركات، حيث فرضت خصماً إلزامياً بنسبة 50 بالمئة على الأصول المباعة للمشترين الروس من دول "غير صديقة" وضريبة خروج لا تقل عن 15 بالمئة. كما أصبح من الصعب بشكل متزايد العثور على مشترين محليين مقبولين لكل من البائع وموسكو ولا تتعارض مشاركتهم مع العقوبات الغربية.
أعلنت شركة "أير ليكيد" (Air Liquide) في سبتمبر 2022 أنها وقعت مذكرة تفاهم لبيع أعمالها في روسيا إلى فريق المديرين المحليين الذين كانوا يديرونها. ومع ذلك، لم تحصل الصفقة على موافقة الحكومة الروسية، مما ترك الشركة في طي النسيان وبحالة من الغموض.
لم تعد تشعر بعض الشركات الغربية، بأنها مضطرة لمغادرة روسيا. على سبيل المثال، بدأت شركة أفون بعملية بيع لأعمالها الروسية وتلقت عروضًا لكنها قررت رفضها.
وقالت الشركة: "على مدار أكثر من 135 عامًا، دعمت Avon النساء في كل مكان بالعالم، بغض النظر عن العرق أو الجنسية أو العمر أو الدين."
في حين أعلنت شركة "ريكيت" (Reckitt) في أبريل 2022 أنها "بدأت عملية تهدف إلى نقل ملكية أعمالها الروسية"، إلا أن الرئيس التنفيذي الجديد للشركة كريس ليخت اتخذ نهجًا أكثر تحفظًا.
وقال لصحيفة فاينانشال تايمز الشهر الماضي: "نحن نواصل النظر في الخيارات ولكنها أصبحت أكثر تعقيدًا، وليس أقل تعقيدًا"، مضيفا "كان جوهر النقاش في البداية هو البقاء أو المغادرة، وكانت الشركات تدفع الضرائب ... أعتقد أننا نخوض نقاشًا أكثر دقة الآن."
كانت الشركات متعددة الجنسيات تضع في اعتبارها مصاعب الشركات الغربية مثل كارلسبرغ ودانون، حيث تمت مصادرة أصولهما بعد إعلانهما عن خطط للمغادرة.
في حين تمكنت دانون في النهاية من إبرام صفقة لبيع الأصول بخصم كبير، لا تزال كارلسبرغ عالقة في معركة قانونية طويلة مع موسكو، ويوجد أحد كبار المسؤولين التنفيذيين السابقين لشركة الجعة في سجن روسي.
وقالت ألكسندرا بروكوبينكو، الباحثة غير المقيمة في مركز كارنيغي روسيا وأوراسيا، إن ارتفاع الأجور والوضع الاقتصادي الأكثر تفاؤلاً من المتوقع قد أدى إلى طفرة في الإنفاق، مما جعل روسيا أكثر جاذبية للشركات متعددة الجنسيات، ولا سيما في قطاع السلع الاستهلاكية.
وأضافت بروكوبينكو إن "موجة التأميم الأخيرة التي استهدفت كل من المجموعات الأجنبية واللاعبين المحليين تظل "الخطر الأكبر على الأجانب في روسيا .. إذن، إذا كانوا يرون أن هذا الخطر قابل للإدارة، فلماذا لا يبقون؟"
أعلنت شركة بيبسيكو في مارس 2022 أنها أوقفت بيع وإنتاج مشروبها الرئيسي في روسيا ولكنها لا تزال تدير أعمال منتجات الألبان في البلاد والتي توظف 20 ألف شخص بشكل مباشر و 40 ألف عامل زراعي بشكل غير مباشر.
وكتب رامون لاغوارتا، الرئيس التنفيذي للشركة، في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى الموظفين في سبتمبر 2022: "بصفتنا شركة أغذية ومشروبات ، يجب أن نتمسك الآن أكثر من أي وقت مضى بالجانب الإنساني لأعمالنا. وهذا يعني أن لدينا مسؤولية عن الاستمرار في تقديم منتجاتنا الأخرى في روسيا".
توقفت شركة كوكا كولا المنافسة عن إرسال شراب المشروبات الغازية إلى روسيا، لكن الدور تم تعويضه من قبل شركة تعبئة المشروبات العملاقة في المنطقة، كوكا كولا هيلينيك، التي تمتلك فيها حصة تبلغ 21 بالمئة.
في أغسطس 2022، أنشأت شركة التعبئة شركة روسية مستقلة، "مالتون بارتنرز" Multon Partners، والتي تشمل إصداراتها الروسية من علامات Coca-Cola التجارية "دوبري كولا"، والتي أطاحت بشركة Coke الأصلية من الصدارة باعتبارها الأكثر مبيعًا في البلاد.
وقالت شركة التعبئة: "دوبري كولا هي امتداد لعلامة تجارية موجودة بالفعل في السوق، تنتجها وتوزعها شركة مولتون بارتنرز. ليس لها أي ارتباط مع شركة كوكاكولا الأم أو علاماتها التجارية".
من بين أكثر من 2000 شركة أعلنت أنها ستبقى في روسيا - والتي تشمل مجموعات السلع الاستهلاكية مونديليز ويونيليفر ونستله وفيليب موريس - أصبحت بعض الشركات أكثر انفتاحًا بشأن خططها.
صرح الرئيس التنفيذي لشركة مونديليز مؤخرًا لصحيفة فاينانشال تايمز أن المستثمرين "لا يهتمون أخلاقياً" بما إذا كانت المجموعات غادرت البلاد أم لا؟.
ولكن هناك عدم وضوح بشأن عمليات سحب الاستثمارات المعلنة لبعض الشركات. كشف بائع الأسهم الأميركية على المكشوف "هندنبيرغ ريسيرش" في مارس أن بضائع شركة LPP البولندية لتجارة الأزياء لا تزال تُباع في روسيا على الرغم من إعلانها مغادرة السوق في يونيو 2022 بعد بيع أعمالها إلى كونسورتيوم صيني غير معروف.
في حين أن شركة LPP البولندية نفت أي مخالفات، إلا أنها اعترفت بأنها استفادت من المبيعات إلى "وكلاء النقل" للمساعدة في تمويل تكلفة التحول، وهي ممارسة لن يتم التخلص منها تدريجياً حتى عام 2025.
كما تعرض بنك رايفايزن الدولي النمساوي لانتقادات بعد أن ذكرت فاينانشال تايمز أن عشرات الإعلانات الوظيفية التي نشرها في روسيا تشير إلى خطط نمو طموحة في البلاد، على الرغم من تعهده بالانسحاب من السوق.
وقال مسؤول تنفيذي ثانٍ يعمل مع شركات غربية في روسيا إن هناك تغييرًا ملحوظًا في المشاعر والمعنويات.
وأضاف أنه في حين أن الشركات التي غادرت في الأسابيع الأولى بعد الحرب شعرت بضرورة أخلاقية للقيام بذلك، إلا أن "الموجة الحالية تدور حول ما إذا كان يتعين عليك المغادرة حقًا؟ هل تريد المغادرة؟ لقد بنت بعض هذه الشركات أربعة أو خمسة مصانع على مدار 30 عامًا. لن يبيعوها مقابل خصم 90 بالمئة".
كشف نيلسون بيلتز، المستثمر النشط وعضو مجلس إدارة شركة يونيليفر، لصحيفة فاينانشال تايمز هذا العام أنه ضغط على الشركة، والتي استكشفت خيارات البيع، على عدم المغادرة.
وبحسب بيلتز، فإن منافسين مثل "بروكتر آند غامبل" P&G و كولغيت بالموليف "Colgate-Palmolive" لم يغادروا البلاد.. وبالتالي إذا انسحبنا من روسيا، فسوف يأخذون علاماتنا التجارية لأنفسهم، مضيفا لا أعتقد أن هذه صفقة جيدة، لماذا يجب أن نفعل ذلك؟".