ما الذي يعنيه انكماش العجز التجاري الأوروبي مع الصين؟
16:11 - 23 مايو 2024تقلص العجز التجاري للاتحاد الأوروبي في السلع مع الصين إلى أدنى مستوى فصلي له منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، وذلك على الرغم من المخاوف الأوروبية المرتبطة بشأن إغراق الكتلة بالمنتجات الصينية الرخيصة.
وذكر تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، أن ثمة دلائل في الوقت نفسه على تزايد الطلب عبر الأطلسي على المنتجات الأوروبية، بعد أن ارتفع الفائض التجاري للاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة إلى مستوى قياسي في الربع الأول، وذلك وفقاً للبيانات التي نشرها يوروستات، الثلاثاء.
ونقلت الصحيفة عن اقتصاديين قولهم إن تحسن الميزان التجاري لأوروبا "يعكس ضعف الطلب المحلي في المنطقة، كما يعكس التحول بعد الوباء في الإنفاق الاستهلاكي من الخدمات إلى السلع".
وبحسب أندرو كينينجهام، من شركة كابيتال إيكونوميكس، فإن الكثير من التحول "تم تفسيره بقوة الطلب المحلي في الولايات المتحدة وضعف الطلب في الاتحاد الأوروبي".
- في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري 2024، انخفض العجز التجاري للاتحاد الأوروبي مع الصين إلى 62.5 مليار يورو، بانخفاض 10 بالمئة عن الربع السابق و18 بالمئة على أساس سنوي.
- هذا هو أدنى مستوى له منذ الربع الثاني منذ العام 2021، بعد أن بلغ ذروته عند 107.3 مليار يورو في الربع الثالث من العام 2022.
- صعدت تجارة أوروبا مع الصين إلى قمة جدول الأعمال السياسي وسط مخاوف من أن بكين تدعم بشكل كبير صناعاتها في محاولة للفوز بحصة مهيمنة من الأسواق العالمية في مجالات استراتيجية مثل السيارات الكهربائية والطاقة الخضراء وأشباه الموصلات.
وكانت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، قد دعت الاتحاد الأوروبي إلى أن يحذو حذو الولايات المتحدة في فرض رسوم جمركية إضافية على صادرات التكنولوجيا النظيفة الصينية، محذرة من أن وفرة السلع الصينية الرخيصة يمكن أن تهدد بقاء المصانع في جميع أنحاء العالم.
ارتفعت واردات الاتحاد الأوروبي من السيارات الكهربائية من الصين، بما في ذلك الشركات المصنعة غير الصينية التي لديها مصانع هناك، من 1.6 مليار دولار في العام 2020 إلى 11.5 مليار دولار في عام 2023. وارتفعت الحصة السوقية للعلامات التجارية الصينية في هذا القطاع أكثر من أربعة أضعاف في ذلك الوقت لتصل إلى 8 بالمئة العام الماضي.
فك الارتباط
من بروكسل، يقول الباحث المتخصص في الشؤون الأوروبية ، محمد رجائي بركات، إن تقلص العجز التجاري الأوروبي مع الصين؛ يأتي لعدة أسباب، من بينها الجهود التي تبذلها دول الاتحاد الأوروبي لفك ارتباط اقتصادها واعتماده على الصين في عديد من المجالات، من أجل عدم الوقوع في المشاكل ذاتها التي نجمت عن اعتماد أوروبا على النفط والغاز والمواد الأولية وغيرها من الموارد المستوردة من روسيا.
من بين الأسباب التي يشير إليها بركات أيضاً، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" بخلاف تلك المساعي الأوروبية لتقليل الاعتماد على بكين:
- تراجع القوة الشرائية في دول أوروبية، وذلك بسبب التداعيات الناجمة عن النتائج السلبية لأزمة كوفيد- 19 وتأثيرها على الاقتصاد الأوروبي.
- تخصيص دول الاتحاد الأوروبي لأموال طائلة لدعم أوكرانيا عسكرياً ومالياً.
- إضافة إلى أزمة لجوء أعداد كبيرة من اللاجئين إلى الدول الأوروبية، بسبب الحرب في أوكرانيا (وعدد من الدول التي تواجه أزمات).
- العقوبات الاقتصادية التي فرضتها دول الاتحاد الأوروبي على روسيا، والتي نجمت عنها نتائج سلبية على الاقتصاد الأوروبي.
ويؤكد الباحث المتخصص في الشؤون الأوروبية، أن هذه الأزمات كافة سيكون لها تأثير كبير على نتائج الانتخابات المقبلة في الدول الأوروبية، ضمن مجموعة من التداعيات السياسية المحتملة.
رسوم جديدة
وكانت بروكسل قد فتحت تحقيقات في الدعم الذي وصفته بـ "غير العادل" للألواح الشمسية والسيارات الكهربائية الصينية. ومع ذلك، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إن الكتلة لن تفرض نفس الرسوم على البضائع الصينية التي فرضتها الولايات المتحدة الأسبوع الماضي، مضيفة أن الاتحاد الأوروبي سيتخذ نهجا مختلفا تجاه "التعريفات الشاملة" التي تفرضها واشنطن.
- في تناقض مع المخاوف بشأن ارتفاع الواردات الرخيصة، فإن ما يقرب من نصف الانخفاض الأخير في العجز التجاري للاتحاد الأوروبي مع الصين ينبع من تحسن الميزان التجاري للكتلة في الآلات ومعدات النقل - والتي تشمل السيارات الكهربائية.
- انخفضت واردات الاتحاد الأوروبي من الآلات ومعدات النقل الصينية على مدى ستة أرباع متتالية، وهبطت بمقدار الربع خلال تلك الفترة، في حين كانت صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الصين في هذا المجال مستقرة نسبيا.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن ميلاني ديبونو، من شركة بانثيون للاقتصاد الكلي، قولها إن انخفاض الصادرات الصينية إلى الاتحاد الأوروبي في هذا المجال يأتي "انعكاساً للارتفاع الذي حدث في العام 2021" بسبب الوباء.
ويبدو أيضاً أن المصدرين الأوروبيين حصلوا على دفعة قوية من خلال فرض الولايات المتحدة تعريفات جمركية على عديد من الواردات الصينية وتقديم الدعم لمصنعي مشاريع الطاقة الخضراء.
- ارتفع الفائض التجاري للاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة إلى مستوى قياسي جديد بلغ 43.6 مليار يورو في الربع الأول، بزيادة 27 بالمئة عن العام السابق.
- ارتفعت صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة بنحو 4 بالمئة خلال تلك الفترة، في حين انخفضت الواردات من الولايات المتحدة بنسبة تزيد على 5 بالمئة.
أهم العوامل الرئيسية
من جانبه، يقول الخبير في الاقتصاد الدولي واقتصاديات الطاقة من لندن، نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الصين هي الشريك الأكبر والأهم للاتحاد الأوروبي،كما أنها تُعد ثالث أكبر سوق لصادرات الاتحاد الأوروبي.
ويضيف: حجم العجز في الميزان التجاري بلغ في العام 2023، نحو 291 مليار يورو لصالح الصين، بانخفاض نسبته 27 بالمئة، مقارنة مع معدل العجز في 2022 البالغ 396 مليار يورو.
ويشير إسماعيل، إلى أن:
- ثمة اتهامات متبادلة بين الاتحاد الأوروبي والصين، ما يجعلنا نؤكد أن العلاقة بينهما يشوبها الخلل وغياب الشفافية.
- اتهامات أوروبا للصين تتمحور حول أن بكين غير نزيهة وتشوه السوق وتقوض المنافسة العادلة، وبالتالي فإن العلاقة في تصور أوروبا هي علاقة "معقدة".
- تدعم الصين "حسب الاتحاد الأوروبي" الشركات والمصانع الصينية بتسهيلات وامتيازات مختلفة لكي تستطيع الشركات الصينية إغراق أسواق أوروبا بالسلع والمنتجات الرخيصة (وبالتالي تسعى أوروبا لسياسات حمائية).
- تدعم الصين صناعات السيارات الكهربائية، أي سياسة ممارسة الحمائية الأحادية.
- تحتكر الصين المعادن النادرة المهمة لصناعات الطاقة النظيفة والبطاريات، لذلك قرر الاتحاد الأوروبي تقليص الاستيراد من الصين وتنويع مصادر المواد الخام الحرجة والمهمة للطاقة المتجددة والطاقة الشمسية وتوربينات الرياح والتقنيات الحديثة.
- اتخذت أوروبا خطوات أخرى لتقييد حجم التبادل التجاري بينهما، منع الشركات الصينية من المشاركة في مشاريع ذات طابع اقتصادي في دول الاتحاد الأوروبي، وذلك من خلال المناقصات للحصول على عقود حكومية في دول الاتحاد الأوروبي.
- في الوقت نفسه هناك محاولات صينية لتعديل بكين سياساتها في التعامل مع الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر سوقاً مهماً وتكتلاً اقتصادياً ساخناً للصين.
ويؤكد إسماعيل أن العوامل السابقة كافة أدت إلى تراجع حجم التجارة بين الاتحاد الأوروبي والصين ومن ثم تقليص العجز.
الإجراءات الأميركية
وبالعودة لتقرير الصحيفة البريطانية، فقد نقل عن ساندر توردوار، من مركز الإصلاح الأوروبي (مركز أبحاث)، قوله: "إن انغلاق الولايات المتحدة أمام الصين بالفعل سيفيد الاتحاد الأوروبي بلا شك، فلطالما ظلت الولايات المتحدة منفتحة على الواردات الأوروبية من قبل.. الاتحاد الأوروبي يتقدم على الولايات المتحدة في تصنيع وتصدير التكنولوجيا الخضراء".
وأضاف أن شركات صناعة السيارات الأوروبية استفادت من توسيع الإعفاءات الضريبية بموجب قانون خفض التضخم الأميركي لتشمل السيارات الكهربائية المستوردة إذا اشترتها الشركات التي تؤجرها.