عاصفة في الملاحة البحرية.. أونكتاد ترسم سيناريو "مقلقا"
12:31 - 23 فبراير 2024تشكل التهديدات التي تواجه مسارات الشحن الرئيسية في البحر الأحمر والبحر الأسود وقناة بنما، في وقت واحد، مشكلة عالمية مع تداعيات خطيرة على الاقتصاد العالمي وعواقب بعيدة المدى على التضخم وأمن الغذاء والطاقة.
في تقرير جديد نشرته منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد" يشير إلى أن الهجمات الأخيرة على السفن التجارية في البحر الأحمر أثرت بشدة على الشحن عبر قناة السويس، مما زاد من التحديات الجيوسياسية والمناخية الحالية التي تواجه التجارة العالمية وسلاسل التوريد.
تكاليف الأزمات المتتالية.. البحر الأحمر والأسود وبنما تدق ناقوس الخطر على التجارة العالمية
تؤدي أزمة البحر الأحمر إلى تفاقم الاضطرابات المستمرة في البحر الأسود بسبب الحرب في أوكرانيا، والتي أدت إلى تحولات في طرق تجارة النفط والحبوب المعتادة.
كما حذر التقرير من الآثار المتفاقمة على التجارة العالمية بسبب الأزمات المتزامنة في ثلاث نقاط رئيسية على خريطة الشحن البحري:
البحر الأحمر:
تعرقل الهجمات على السفن التجارية حركة الشحن عبر قناة السويس، شريان حيوي للتجارة العالمية، مما أدى إلى انخفاض بنسبة 42 بالمئة في حركة المرور مقارنة بالذروة.
ومع قيام اللاعبين الرئيسيين في صناعة الشحن بتعليق العبور عبر قناة السويس مؤقتًا، انخفض عبور سفن الحاويات الأسبوعية بنسبة 67 بالمئة، وشهدت القدرة الاستيعابية للحاويات وعبور الناقلات المخصصة للنفط والغاز انخفاضًا كبيرًا.
البحر الأسود:
حلقت الحرب في أوكرانيا بسلامة الملاحة في البحر الأسود، وأجبرت على تغيير مسارات تجارة النفط والحبوب، ما أعاق التجارة العالمية وأعاد رسم خريطة التصدير المعتادة.
قناة بنما:
يواجه الممر المائي الاستراتيجي الذي يربط المحيطين الأطلسي والهادئ تحديًا من نوع آخر، مع انخفاض مستويات المياه بسبب التغيرات المناخية، ما يثير مخاوفًا حول قدرة القناة على تحمل ضغط التجارة العالمي في المستقبل.
وفي الوقت نفسه، انخفض إجمالي عمليات العبور عبر قناة بنما بنسبة 49 بالمئة مقارنة بذروتها.
الخسائر جراء حالة عدم اليقين
إن تصاعد حالة عدم اليقين المتزايد وتجنب قناة السويس للالتفاف حول رأس الرجاء الصالح له تداعيات اقتصادية وبيئية سلبية، خاصة على الاقتصادات النامية.
شهدت أسعار شحن الحاويات ارتفاعًا ملحوظًا منذ نوفمبر 2023، حيث سجلت أعلى زيادة أسبوعية على الإطلاق بقيمة 500 دولار في الأسبوع الأخير من ديسمبر. ولا يزال هذا الاتجاه قائما.
تضاعفت أسعار شحن الحاويات من شنغهاي بأكثر من الضعف منذ أوائل ديسمبر (+ 122 بالمئة)، وارتفعت إلى أكثر من ثلاثة أضعاف إلى أوروبا (+ 256 بالمئة)، وحتى أعلى من المتوسط (+ 162 بالمئة) إلى سواحل غرب الولايات المتحدة، على الرغم من عدم مرورها عبر قناة السويس.
تتجنب السفن المرور في قناتي السويس وبنما وتبحث عن طرق بديلة. ويترجم هذا إلى مسافات أطول لنقل البضائع، وارتفاع تكاليف التجارة وأقساط التأمين.
علاوة على ذلك، تتزايد انبعاثات غازات الدفيئة أيضًا بسبب الاضطرار إلى السفر لمسافات أطول وبسرعة أكبر للتعويض عن التأخيرات.
تعتبر قناة بنما ذات أهمية خاصة للتجارة الخارجية لبلدان الساحل الغربي لأميركا الجنوبية. ما يقرب من 26 بالمئة من حجم التجارة في الإكوادور تعبر القناة. وتبلغ الحصة حوالي 22 بالمئة لكل من تشيلي وبيرو.
يؤدي تجنب القناتين (السويس وبنما) إلى:
- مسافات أطول للبضائع: وهذا يزيد من وقت الرحلة وتكاليف الوقود.
- ارتفاع تكاليف التجارة: ترتفع أسعار الشحن والتأمين بسبب المسافات والمدة الإضافية.
- ازدياد انبعاثات الغازات الدفيئة: تحتاج السفن إلى استهلاك المزيد من الوقود لقطع مسافات أطول، وهذا يزيد من التلوث.
كما تعتمد التجارة الخارجية للعديد من دول شرق إفريقيا بشكل كبير على قناة السويس. يتم توجيه ما يقرب من 31 بالمئة و34 بالمئة من التجارة الخارجية من حيث الحجم لجيبوتي والسودان، على التوالي، عبر الممر المائي الذي يربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر.
شبح التضخم
يشدد تقرير الأونكتاد على التداعيات الاقتصادية البعيدة المدى للاضطرابات المستمرة في شحن الحاويات، والتي تهدد سلاسل التوريد العالمية وتؤخر عمليات التسليم، ما يؤدي إلى ارتفاع التكاليف والتضخم. وسيشعر المستهلكون بالآثار الكاملة لارتفاع أجور الشحن خلال غضون عام.
بالإضافة إلى ذلك، لا توجد عمليًا أي سفن تحمل الغاز الطبيعي المسال تستخدم قناة السويس في الوقت الحالي. ويؤثر هذا بشكل مباشر على إمدادات الطاقة وأسعارها، خاصة في أوروبا.
من الممكن أن تؤدي الأزمة أيضًا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية، حيث تؤدي المسافات الأطول وأجور الشحن الأعلى إلى زيادة التكاليف بشكل محتمل. وتُشكل اضطرابات شحن الحبوب مخاطر على الأمن الغذائي العالمي، وتؤثر على المستهلكين وتخفض الأسعار التي يتقاضاها المنتجون، بحسب التقرير.
مخاطر تأثر المناخ
لأكثر من عقد من الزمن، قامت صناعة الشحن بخفض السرعات لتقليل تكاليف الوقود وانبعاثات الغازات الدفيئة.
ومع ذلك، فإن الاضطرابات الحاصلة اليوم في طرق التجارة الرئيسية مثل البحر الأحمر وقناة السويس، إلى جانب العوامل التي تؤثر على قناة بنما والبحر الأسود، تؤدي إلى زيادة سرعات السفن للحفاظ على الجداول الزمنية، مما أدى إلى ارتفاع استهلاك الوقود وانبعاثات الغازات الدفيئة.
وتشير تقديرات الأونكتاد إلى أن هذه العوامل يمكن أن تؤدي إلى زيادة تصل إلى 70 بالمئة في انبعاثات الغازات الدفيئة في رحلات الشحن (ذهابًا وإيابًا) بين سنغافورة وروتردام.
الاقتصادات النامية في مهب الريح
تعاني الدول النامية بشكل خاص من الاضطرابات التي تشهدها التجارة العالمية، وتراقب منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) الوضع عن كثب.
يشدد تقرير أونكتاد على الحاجة الملحة لتكيّف سريع من قطاع الشحن وتعاون دولي قوي لإدارة إعادة التشكيل السريع في التجارة العالمية.
وقال التقرير، إن التحديات الحالية تؤكد على مدى تأثر التجارة العالمية بالتوتر السياسي والتغيرات المناخية، ما يتطلب جهودًا دولية جماعية لإيجاد حلول مستدامة، خاصة لدعم الدول الأكثر عرضة لهذه الصدمات.
أزمات متتالية أنهكت التجارة العالمية
من جانبه، يقول مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية، الدكتور مصطفى أبو زيد، إن التوترات التي شهدها البحر الأحمر وباب المندب أخيراً، تشكل تحدياً كبيراً أمام تعافي الاقتصاد العالمي الذي يمر بأزمات متتالية خلال الأعوام الأخيرة.
ويضيف في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": كما أن الإعلان عن مهمة بحرية في منطقة البحر الأحمر يشكل تحديًّا كبيرًا على المدى الزمني لهذه المهمة، وهل ستحقق الهدف المرجو منه أم لا؟ ولكنه أمر مرتبط بمدى التعامل مع أزمة الحوثيين والاضطرابات الناجمة، مما يشكل عديداً من المشكلات، منها:
- اضطراب في أسعار الطاقة.
- زيادة تكلفة الشحن.
- فجوة في سلاسل التوريد مع تصاعد الأزمة.
ويوضح أن هذه الاضطربات تعود بالعالم إلى حلقة ارتفاع معدل التضخم، التي كانت تعالجها البنوك المركزية، وبما يشكل خطورة أكبر على الدول النامية، وبما يزيد من معدلات التضخم التي لا زالت قائمة حتى الآن.
وفيما يخص قناة السويس، يتابع أبو زيد:
- بحسب الأرقام التي أعلنتها الحكومة المصرية فإن هناك تراجعًا كبيرًا في إيرادات قناة السويس نتيجة انخفاض أعداد السفن المارة من القناة.
- أثر هذا التراجع على مصدر مهم من مصادر العملة الدولارية للدولة المصرية والاقتصاد المصري بشكل خاص.
- حققت إيرادات قناة السويس في العام المالي الماضي نحو 10 مليارات دولار، ولكن بعد هذه الضطربات تراجعت حصيلة الإيرادات.
- مع طول الأمد الخاص بالأزمة سيتأثر الاقتصاد المصري بشكل أكبر من الوضع الراهن، في ظل ما تعانيه مصر من أزمات اقتصادية ونقص السيولة الدولارية.
- من الممكن أن تشهد قناة بنما في الفترة المقبلة رواجًا كبيرًا، ولكن الأمر مرتبطًا بعودة الأمور إلى طبيعتها مرة أخرى.
أجندة إيرانية
يرى المحلل المالي وعضو المجلس الاستشاري الوطني لمعهد CISI في الإمارات وضاح الطه، أن هناك تصعيد متعمد بقيادة إيران والموضوع لا يتعلق بقطاع بغزة.
"هناك أجندات إيرانية، من الناحية الجيوسياسية .. ترغب إيران بفرض سطوتها على المنطقة من خلال المليشيات وأذرعها في المنطقة"، بحسب الطه الذي شدد على ضرورة زيادة التدخل العسكري في المنطقة للحد من الهجمات.
وتابع قائلا: ربما ستضطر القوة الأوروبية بالإضافة إلى القوة الأميركية، إلى توسيع نطاق الضربات المكثفة على مناطق إطلاق الصواريخ في اليمن".
من الناحية الاقتصادية، قال وضاح الطه وهو عضو المجلس الاستشاري الوطني لمعهد CISI في الإمارات، "إن الدولة الأكثر تأثرا هي مصر، حيث تراجعت إيرادات قناة السويس بأكثر من 40 بالمئة وهذا يؤدي إلى مشاكل أكثر بانخفاض احتياطيات العملة الصعبة والتي ربما قد تقود مصر إلى تقديم تنازلات مع المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي فيما يتعلق بالاقتراض".
وأوضح أن أسعار الطاقة، فلم تتأثر بشكل كبير، لكنه حذر من تأثر أسعار الغذاء، إذا طالت المدة، بسبب ارتفاع تكاليف طول الرحلة من رأس الرجاء الصالح، وتكاليف التأمين سوف تقود إلى رفع أسعار كل السلع أو المنتجات مما سيعني أن العالم سيواجه موجة تضخمية جديدة في الأسعار.